شهدت مدن البصرة وميسان وذي قار، جنوبي العراق، أمس الثلاثاء، تصعيدا هو الأول من نوعه بعد نجاح المحتجين في إغلاق عدد من الطرق الرئيسة نحو ميناء نفطي عائم على مياه الخليج العربي، وحقلين ومجمع لإدارة عمليات نفطية تتبع لوزارة النفط العراقية، وهو ما تسبب بتعثر واضح في عمليات التصدير عبر ميناء خور الزبير، غربي البصرة، استمر عدة ساعات قبل إعادة فتح الطرق.
وقال مسؤول نفطي عراقي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن التظاهرات في البصرة امتدت إلى حقلي البرجسية والرميلة، وهما من أكبر حقول النفط المنتجة في البلاد، حيث قام متظاهرون بقطع الطرق المؤدية للحقلين ومنع المهندسين والعاملين من التوجه إليهما. كما تم قطع طرق الشاحنات وصهاريج النفط الخام المتجهة الى الموانئ العائمة الخاصة بالتصدير، حسب المسؤول نفسه، الذي رفض ذكر اسمه.
وتمت محاصرة شركة نفط ذي قار وإغلاق أبوابها ومنع موظفي الشركة من الدخول إليها، ما أدى إلى تعطيل العمل بالشركة التي تضم مكاتب إدارية وغرف عمليات لوجستية لإنتاج وتصدير النفط من حقول المحافظة.
وتكرر الأمر ذاته في ميسان، حيث تم قطع أربعة طرق تتجه إلى حقول شرق وغرب المحافظة تحوي أيضا على منصات غاز وتوجد فيها شركات أجنبية تعمل ضمن رقع استكشاف وتطوير حقول النفط بالمحافظة.
وحسب تقارير رسمية، تنتج حقول ميسان يوميا نحو 700 ألف برميل من مجموع الإنتاج العراقي عبر حقول عدة، أبرزها بزركان وحلفاية والفكة وقلعة صالح، وتوجد فيها شركات صينية وأوروبية، وهو ثاني أعلى إنتاج بعد البصرة التي يتركز إنتاجها على حقول مجنون والبصرة والرميلة والبرجسية واللحيس والطوبة، وتوجد فيها شركات أميركية وبريطانية، بينما تنتج حقول ذي قار نحو 200 ألف برميل يوميا من عدة حقول، أبرزها صبه والناصرية. ويعتمد العراق في إيراداته على النفط بشكل رئيسي. وحسب إحصائيات رسمية، بلغت إيرادات مبيعات النفط على أساس شهري في أغسطس/ آب الماضي 6.34 مليارات دولار، مقابل 6.69 مليارات دولار في يوليو/ تموز الماضي، وفقا لبيانات صادرة عن وزارة النفط.
وأكد المسؤول النفطي لـ"العربي الجديد"، أن المتظاهرين حملوا لافتات وشعارات تطالب بتوظيفهم بدلا من العمال الأجانب الموجودين في حقول وشركات النفط، معتبرين أنهم أولى بالوظائف منهم. وأوضح أن الحكومة العراقية كلفت قوة عسكرية بتأمين مداخل ومخارج ومحيط المواقع النفطية ومنع تأثرها بأي عمليات قطع أو تخريب، لافتا إلى أن تعثر التصدير استمر لوقت قصير وعادت الأمور بعد ذلك إلى طبيعتها.
وتشير تقارير رسمية وأخرى برلمانية إلى أن أكثر من 100 ألف عامل أجنبي يشتغلون في حقول النفط بالبصرة وحدها، ويقول المتظاهرون إنها فرص عمل هم أولى بها. وفي البصرة وبغداد كليات ومعاهد نفطية عدة يتخرج منها سنويا الآلاف من الأشخاص بشهادة الدبلوم والبكالوريوس، غير أنهم لا يجدون وظائف مناسبة في شركات النفط العراقية.
ويتهم المتظاهرون حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بأنها متورطة في استقدام شركات نفط أجنبية بدون أي اشتراطات تتعلق بالعمالة أسوة بقانون التشغيل الذي تخضع له باقي الشركات الأجنبية في قطاعات أخرى.
وأمس، الثلاثاء، قال محافظ البصرة أسعد العيداني، في تصريحات لوسائل إعلام محلية عراقية، إنه تم رفع خيم الاعتصام من أمام بوابة حقل مجنون بشكل نهائي بعد مفاوضات مع المتظاهرين. وكان العشرات من الأشخاص قد اعتصموا أمام حقل مجنون النفطي في البصرة، للمطالبة بتوفير فرص عمل ومعالجة المصابين بالأمراض السرطانية، ومطالب أخرى تتعلق بتحسين الواقع الخدمي. ولكن شهود عيان أكدوا لـ"العربي الجديد"، أن المعتصمين عادوا بعد ساعات لنصب خيام اعتصام جديدة في إشارة إلى تراجعهم عن الاتفاق مع المحافظ. تأتي التطورات المتلاحقة في ظل إشهار المحتجين لورقة النفط بوجه الحكومة العراقية، التي يتهمها المتظاهرون بأنها ما زالت تماطل في الاستجابة لمطالبهم. بدورها، أطلقت الحكومة تصريحات عدة خلال الأيام السابقة، أكدت فيها أن استهداف المتظاهرين للآبار النفطية هو استهداف لاقتصاد العراق وعمل تخريبي يحاسب عليه القانون، مؤكدة أن من يقدم عليه سيعرض نفسه للعقوبات.
والعراق هو ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعد السعودية، بمتوسط إنتاج 4.7 ملايين برميل يومياً.
وتتوقع موازنة العراق الجارية، 2019، نفقات بقيمة 112.6 مليار دولار، مقابل إيرادات تصل إلى 89.3 مليار دولار، وبُنيت هذه الأرقام على متوسط سعر برميل النفط عند 56 دولارا وبمعدل تصدير تقديري يبلغ 3.8 ملايين برميل يومياً.