تحتلّ قضيّة زواج الأطفال، من الجنسَين، حيّزا كبيراً من النقاشات في مجتمعات كثيرة، لا سيّما في البلدان العربية والإسلامية. في إيران، ثمّة محاولة مستمرّة لتطويق هذا النوع من الزواج، وهي اليوم في انتظار المشرّعين.
يُتيح القانون في إيران ارتباط الفتيات في الثالثة عشرة من العمر والفتيان في الخامسة عشرة فما فوق، بينما يشترط الحصول على إذن رسمي من الوالدَين والمحكمة على حدّ سواء في حال كان أيّ من المقبلين على الزواج دون هذه السنّ. وهذا القانون الذي تعرّض إلى انتقادات أطراف كثيرة في البلاد في السنوات الماضية، عاد أخيراً إلى طاولة البرلمانيين لإجراء تعديلات فيه.
قبل فترة، أدخل نواب من اللجان البرلمانية القانونية والثقافية والاجتماعية وتلك الخاصة بشؤون المرأة تحديثات على القانون ووضعوه أمام البرلمان بصفة مشروع مستعجل، فوافق 151 نائباً على منحه هذه الصفة، في مقابل رفض 34 آخرين وامتناع سبعة عن التصويت، ما يعني تحويل المشروع للدراسة إلى لجنة حقوقية متخصصة مع إعطائه الأولوية، ثمّ طرحه مجدداً للتصويت أمام النواب ليتحوّل إلى قانون جديد. لكنّه واجه عراقيل في اللجنة الحقوقية ذاتها، وأوضح النائب حسن نوروزي لوكالة "إيسنا" أنّ اللجنة أرجعته لأنّه لم يكن مكتملاً، مؤكداً أنّ أعضاءها سوف يجرون بعض التعديلات لتقديم مشروع القانون بصورة أكثر شمولية، معترضاً على التعديل الذي يرفع سنّ زواج الفتيات إلى 16 عاماً. بالنسبة إليه، فإنّ في ذلك إشكالاً شرعياً، لأن سنّ البلوغ قد تكون أقلّ من 16. في المقابل، كانت النائب طيبه سياوشي، وهي من القائمين على تعديل القانون، قد أعلنت أنّهم سوف يتابعون الملف ويحاولون حلّ الإشكالات المرتبطة بسنّ زواج الفتيات خصوصاً، لأنّ البعض يرى أنّ الشرع يسمح بالزواج بعد بلوغهنّ سنّ التاسعة.
أمّا التعديلات المقترحة فترفع سنّ زواج الفتيات إلى 16 عاماً والفتيان إلى 18، وتضع شروطاً تصعّب تزويج الفتيات بين 13 عاماً و16، والفتيان بين 16 عاماً و18، منها الحصول على ترخيص المحكمة ورضا العروسَين وإذن أحد الوالدَين، كذلك يمنع مشروع القانون الجديد الزواج قبل سنّ الثالثة عشرة منعاً باتاً.
في السياق، تؤكد النائب وعضو اللجنة الثقافية في البرلمان طيبه سياوشي لـ"العربي الجديد" أنّ "التعديلات المقترحة وُضعت من قبل متخصصين بعد لقاءات عدّة أجراها المعنيون مع رجال دين وأطباء وخبراء اجتماعيين وحقوقيين، في محاولة لسدّ كل الثغرات التي من الممكن أن تقف بوجه إقرار المشروع بشكله المُستحدث". وعمّا إذا كان ذلك كافياً في حال وافق نواب البرلمان لاحقاً على التعديل، تجيب سياوشي أنّ ذلك "لن يحلّ المشكلة بصورة جذري، فإقرار قانون يُعَدّ مجرّد عامل مساعد، لكنّه لن يكون كافياً لوحده"، مشدّدة على "ضرورة التركيز على التوعية في مخاطبة المجتمع بكل فئاته، خصوصاً في المدارس". وتوضح سياوشي أنّ "الأمر يحتاج إلى اجتياز مراحل قانونية كثيرة، وفي حال أقرّ النواب التعديلات فإنّهم سوف يرفعون القانون بصيغته الجديدة إلى لجنة صيانة الدستور التي يحقّ لها قبوله أو رفضه. وفي حالة الرفض، يتحوّل الملف إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام".
تفيد إحصاءات رسمية بأنّه بين عام 2012 وعام 2016، أتت 5.6 في المائة من الزيجات في إيران، أي نحو 40 ألف زيجة مسجّلة، في الشريحة العمرية 10 - 14 عاماً. لكنّ متخصصين اجتماعيين يشيرون إلى أنّ الأرقام أعلى من ذلك، لأنّ ثمّة زيجات غير مسجلة، خصوصاً بين اللاجئين في إيران الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية. من جهتها، تفيد دائرة حقوق المرأة التابعة لرئاسة الجمهورية بأنّه في عام 2013، بلغت نسبة الزواج بين الفتيان دون 18 عاماً 0.4 في المائة، وبين الفتيات دون 18 عاماً 5.4 في المائة، لتبلغ في عام 2016 نحو 5.5 لدى الفتيات. صحيح أنّها نسب منخفضة، إلا أنّ مجرّد وجود ذلك قد يتسبب في مشكلات، بحسب المتخصصين، لا سيّما أنّ ثمّة زيجات تراوح أعمار الأطفال المتورّطين فيها بين 10 أعوام و14.
في أغسطس/ آب الماضي، أعلنت دائرة النفوس في محافظة كردستان (غرب)، أنّ أربعة آلاف و520 زيجة سُجّلت في خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الإيراني الجاري الذي بدأ في 21 مارس/ آذار، من بينها ما يعود إلى 970 فتاة و36 فتى دون الثامنة عشرة. كذلك فإنّ دائرة النفوس في إحدى قرى المحافظة المركزية كشفت أنّ 35 فتاة تراوح أعمارهنّ بين 10 أعوام و13 عاماً تزوّجنَ في الفترة ذاتها.
هل تتخيّلونه ربّ أسرة؟ (عطا كناري/ فرانس برس) |
وقد نقلت صحيفة "دنياي اقتصاد" في تقرير خاص أنّ محافظة خراسان رضوي (شمال شرق) تحتل المرتبة الأولى في ما يتعلّق بزواج الأطفال، ويرتبط ذلك بوجود عدد كبير من اللاجئين الأفغان فيها، غير أنّها أشارت إلى عدم وجود أرقام دقيقة. بعدها، تأتي محافظة أذربيجان الشرقية (شمال غرب) ثمّ سيستان وبلوشستان (جنوب شرق)، لتحتل خوزستان (جنوب غرب) المرتبة الرابعة من بين المحافظات الإيرانية البالغ عددها 31 محافظة.
تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة، ومؤسّسة جمعية دعم الشباب والأطفال، فاطمة فرهنغ، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حالات زواج القاصرين والقاصرات تتكرر في القرى البعيدة وفي بعض المدن الصغيرة"، رابطة الأمر بـ"تدنّي المستويَين التعليمي والاقتصادي. فثمّة عائلات تبحث عن سبل لتخفيف الأعباء عنها". وتؤكد أنّ "نسب الطلاق في مثل تلك الزيجات ليست منخفضة، والانفصال يحدث غالباً بعد إنجاب الأطفال، وهو ما يؤدّي إلى تبعات قاسية جداً تنعكس خصوصاً على الفتيات اللواتي يفقدنَ فرصة التعليم، إلى جانب تأثّر أبناء القاصرات المطلقات سلباً، فعدد كبير منهم يقع في فخّ عمالة الأطفال". وترى فرهنغ أنّ "خطوة بعض البرلمانيين إيجابية جداً"، مشيرة إلى "ضرورة أن تتصرّف الحكومة بصرامة إزاء الذين يخالفون القانون". تضيف أنّه "لا بدّ من تغيير بعض الأعراف، الأمر الذي يتطلب وقتاً وكذلك ثورة فكرية حقيقية"، موضحة أنّ "هذه المشكلة لا تصنّف كظاهرة في إيران، غير أنّها موجودة وتضيّع حقوق بعض الأطفال".
قبل سنوات عدّة، حاول كثر إجراء تعديلات على القانون ذاته من خلال رفع سنّ الزواج إلى 18 عاماً، الأمر الذي خالفته لجنة صيانة الدستور، مبرّرة ذلك بأنّه مخاَلفة للشرع الذي يسمح بالزواج بعد البلوغ. وقد قال المتخصص الاجتماعي هادي شريعتي في حديث إلى صحيفة "دنياي اقتصاد" في التقرير المشار إليه آنفاً، إنّه لا يمكن تقبّل هذا النوع من التناقض، سائلاً: كيف يسمح بزواج الأطفال دون الثامنة عشرة، بينما لا يمكن الحصول على شهادة قيادة السيارات مثلاً إلا بعد الوصول إلى هذه السنّ؟
وتبرز آراء رافضة للتعديلات التي يطالب بها البعض، وقد جاء في صحيفة "كيهان" المحسوبة على التيّار المحافظ المتشدّد في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أنّ "البعض يتعامل مع المسألة من دون إدراك حجمها الحقيقي، فالأرقام الواقعية ليست كارثية ولا تستدعي تغيير القانون". ونشرت "كيهان" رسالة وجهتها نقابات طالبية من 28 جامعة إلى البرلمان، أشارت فيها إلى أنّ تطبيق القانون يُخالف السياسات التي أقرّت في البلاد أخيراً والمتعلقة بزيادة عدد السكان ورفع معدّلات الإنجاب لإنقاذ إيران من الكهولة التي تتجه إليها. كذلك ردّت "كيهان" على الذين يقولون إنّ الزواج المبكر يرفع حالات الطلاق والوفيات بين الأمهات الحوامل وكذلك الإجهاض، بنشر أرقام تبيّن أنّ كلّ ذلك يرتبط بالنساء اللواتي تخطّينَ الثلاثين.