13 نوفمبر 2024
محاولات تحدّي الأرشفة الكولونيالية
أشاد الزميل معن البياري، في مقاله "هذا الفيلم.. الإسرائيلي" ("العربي الجديد"، 25/5/2018)، بالفيلم الوثائقي "المنهوب والمخفي.. الأرشيف الفلسطيني في إسرائيل"، للمخرجة والباحثة الإسرائيلية في التاريخ البصري، رونا سيلع.
ومن حقّ سيلع أن يُنوّه بأنها، بموازاة الفيلم، وضعت أول بحثٍ مكتوبٍ شامل عن موضوع التاريخ الفلسطيني البصريّ والمكتوب في الأرشيفات العسكرية الإسرائيلية. وتمحورت فيه حول مرحلتيْن زمنيّتيْن مركزيّتيْن: الأولى، مرحلة الحياة في فلسطين قبل 1948، والتنظيمات الفلسطينيّة، والنكبة ونتائجها، والتي فُتحت معظم المواد المتعلقة بها بعد خمسين عامًا، أو بعد معركةٍ قضائيّة لفتحها، ونُشرت في الطبعة العبريّة من الكتاب الصادرة في 2009. الثانية، المرحلة المُطلّة من أرشيفات وغنائم حرب أُخذت من بيروت في ثمانينيات القرن الفائت، وتصف المنفى الفلسطيني والنضال بعده. وبدأت بالتعامل مع هذه المرحلة عام 2001، وتناولتها بشكل مُقتضب في الطبعة العبريّة من الكتاب، نظرًا إلى أنّ أعوامًا طويلةً من المحاولات مرّت قبل أن يُفتح قسم من هذه المواد. وبما أنّ المواد لم تُفتح إلّا في الأعوام الأخيرة، قرّرت شملها على نطاق أوسع في طبعة عربيّة، من المتوقّع أن تصدر قريبًا عن منشورات مركز مدار الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية في رام الله، تحت عنوان "لمعاينة الجمهور.. الفلسطينيون في الأرشيفات العسكرية الإسرائيلية".
وداخل ذلك كله، تشير سيلع إلى أنه، على مرّ الأعوام، تراكمت محاولاتٌ لتحدّي الأرشفة والممارسات الكولونياليّة المتعلّقة بها، ولتشييد نموذجٍ قُوامُه التفسير ما بعد الكولونياليّ، وعلى الرغم من أنّ هذا النموذج ينطلق من داخل الأرشيف الكولونياليّ، فإنه يُنتج معرفة بديلة، فهو نموذج يقرأ ما في داخل الطبقات الكثيرة، البادية والمستترة، في الأرشيف الكولونياليّ، ويُغيّر المعرفة عن الماضي، ويوفّر أدواتٍ جديدةً لمواجهة الراهن. وتحرص، بدأب، على أن تجاهر بأن توجهها ينطلق من مُناهضةٍ مُعلنة للكولونياليّة.
وتكتسب مثل محاولات سيلع أهميتها من جانبين: الأول، إنتاج كتابةٍ ذات صدقية بشأن إسكات التاريخ في الرواية الإسرائيلية الرسمية، وبشأن الآليات التي تسمح بذلك، وفي مقدمها آليتا المحو والإقصاء. الثاني، أن هذه الكتابة تستند إلى مصادر أولى، هي في متناول أيدي أصحاب تلك المحاولات دون غيرهم من الباحثين، لأسبابٍ كثيرةٍ، ليست خافية.
وبقدر ما إن هذه الكتابة تروم إلى أن تخاطب الإسرائيلي في حيزيّ الوعي والذاكرة، بقدر ما إنها تُيسّر للفلسطينيّ إمكان استجماع معلوماتٍ حول كنوزه الثقافية التي نُهبت لتشويه حيزيّ وعيه وذاكرته.
أثار تقرير جديد كشفه، في يناير/ كانون الثاني 2018، مدير "أرشيف الدولة" في إسرائيل، وتطرّقت سيلع إليه، جدلًا واسعًا بين الدوائر ذات الصلة في شأن سياسة كشف المواد الأرشيفية لمعاينة الجمهور، في هذا الأرشيف تحديدًا والأرشيفات الحكومية الرسمية عمومًا، حيث كتب أن هناك معيقاتٍ كثيرة تمس سير العمل السليم في الأرشيف، وهي مرتبطةٌ بمنهج كشف المواد وإتاحتها أمام الجمهور للاطلاع. واستهلّ تقريره قائلًا إن إسرائيل "لا تعالج المواد الأرشيفية الخاصة بها كما يُتوقع من دولة ديمقراطية"، فالأغلبية الساحقة من المواد الأرشيفية مُغلقة، ولن يتم فتحها أمام الجمهور إلى الأبد. أما المواد القليلة التي يتم عرضها فتكون ضمن تقييداتٍ غير معقولة، حيث لا توجد رقابة عامة على إجراء الكشف، وليست هناك شفافية. وأورد التقرير ذرائع تستخدمها الجهات المسؤولة لمنع كشف معلومات معينة، منها أن "كشف الحقائق قد يشكل وسيلةً بأيدي أعدائنا وخصومنا، بل قد يؤدي إلى إضعاف عزيمة أصدقائنا"؛ "كشف الحقائق قد يؤدي إلى إلهاب مشاعر السكان العرب في البلد و/ أو في الأراضي الفلسطينية"؛ "كشف الحقائق قد يؤدي إلى إضعاف حجج الدولة في محاكم البلد أو المحاكم في العالم"؛ "هناك خشية من كشف معلوماتٍ قد يتم تفسيرها بأنها جرائم حرب إسرائيلية".
ما تستنتجه رونا سيلع، لدى تطرّقها إلى منهج كشف المواد الأرشيفية المعمول به، أن إسرائيل تتخندق أكثر فأكثر في الوضعيّة الكولونياليّة.
ومن حقّ سيلع أن يُنوّه بأنها، بموازاة الفيلم، وضعت أول بحثٍ مكتوبٍ شامل عن موضوع التاريخ الفلسطيني البصريّ والمكتوب في الأرشيفات العسكرية الإسرائيلية. وتمحورت فيه حول مرحلتيْن زمنيّتيْن مركزيّتيْن: الأولى، مرحلة الحياة في فلسطين قبل 1948، والتنظيمات الفلسطينيّة، والنكبة ونتائجها، والتي فُتحت معظم المواد المتعلقة بها بعد خمسين عامًا، أو بعد معركةٍ قضائيّة لفتحها، ونُشرت في الطبعة العبريّة من الكتاب الصادرة في 2009. الثانية، المرحلة المُطلّة من أرشيفات وغنائم حرب أُخذت من بيروت في ثمانينيات القرن الفائت، وتصف المنفى الفلسطيني والنضال بعده. وبدأت بالتعامل مع هذه المرحلة عام 2001، وتناولتها بشكل مُقتضب في الطبعة العبريّة من الكتاب، نظرًا إلى أنّ أعوامًا طويلةً من المحاولات مرّت قبل أن يُفتح قسم من هذه المواد. وبما أنّ المواد لم تُفتح إلّا في الأعوام الأخيرة، قرّرت شملها على نطاق أوسع في طبعة عربيّة، من المتوقّع أن تصدر قريبًا عن منشورات مركز مدار الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية في رام الله، تحت عنوان "لمعاينة الجمهور.. الفلسطينيون في الأرشيفات العسكرية الإسرائيلية".
وداخل ذلك كله، تشير سيلع إلى أنه، على مرّ الأعوام، تراكمت محاولاتٌ لتحدّي الأرشفة والممارسات الكولونياليّة المتعلّقة بها، ولتشييد نموذجٍ قُوامُه التفسير ما بعد الكولونياليّ، وعلى الرغم من أنّ هذا النموذج ينطلق من داخل الأرشيف الكولونياليّ، فإنه يُنتج معرفة بديلة، فهو نموذج يقرأ ما في داخل الطبقات الكثيرة، البادية والمستترة، في الأرشيف الكولونياليّ، ويُغيّر المعرفة عن الماضي، ويوفّر أدواتٍ جديدةً لمواجهة الراهن. وتحرص، بدأب، على أن تجاهر بأن توجهها ينطلق من مُناهضةٍ مُعلنة للكولونياليّة.
وتكتسب مثل محاولات سيلع أهميتها من جانبين: الأول، إنتاج كتابةٍ ذات صدقية بشأن إسكات التاريخ في الرواية الإسرائيلية الرسمية، وبشأن الآليات التي تسمح بذلك، وفي مقدمها آليتا المحو والإقصاء. الثاني، أن هذه الكتابة تستند إلى مصادر أولى، هي في متناول أيدي أصحاب تلك المحاولات دون غيرهم من الباحثين، لأسبابٍ كثيرةٍ، ليست خافية.
وبقدر ما إن هذه الكتابة تروم إلى أن تخاطب الإسرائيلي في حيزيّ الوعي والذاكرة، بقدر ما إنها تُيسّر للفلسطينيّ إمكان استجماع معلوماتٍ حول كنوزه الثقافية التي نُهبت لتشويه حيزيّ وعيه وذاكرته.
أثار تقرير جديد كشفه، في يناير/ كانون الثاني 2018، مدير "أرشيف الدولة" في إسرائيل، وتطرّقت سيلع إليه، جدلًا واسعًا بين الدوائر ذات الصلة في شأن سياسة كشف المواد الأرشيفية لمعاينة الجمهور، في هذا الأرشيف تحديدًا والأرشيفات الحكومية الرسمية عمومًا، حيث كتب أن هناك معيقاتٍ كثيرة تمس سير العمل السليم في الأرشيف، وهي مرتبطةٌ بمنهج كشف المواد وإتاحتها أمام الجمهور للاطلاع. واستهلّ تقريره قائلًا إن إسرائيل "لا تعالج المواد الأرشيفية الخاصة بها كما يُتوقع من دولة ديمقراطية"، فالأغلبية الساحقة من المواد الأرشيفية مُغلقة، ولن يتم فتحها أمام الجمهور إلى الأبد. أما المواد القليلة التي يتم عرضها فتكون ضمن تقييداتٍ غير معقولة، حيث لا توجد رقابة عامة على إجراء الكشف، وليست هناك شفافية. وأورد التقرير ذرائع تستخدمها الجهات المسؤولة لمنع كشف معلومات معينة، منها أن "كشف الحقائق قد يشكل وسيلةً بأيدي أعدائنا وخصومنا، بل قد يؤدي إلى إضعاف عزيمة أصدقائنا"؛ "كشف الحقائق قد يؤدي إلى إلهاب مشاعر السكان العرب في البلد و/ أو في الأراضي الفلسطينية"؛ "كشف الحقائق قد يؤدي إلى إضعاف حجج الدولة في محاكم البلد أو المحاكم في العالم"؛ "هناك خشية من كشف معلوماتٍ قد يتم تفسيرها بأنها جرائم حرب إسرائيلية".
ما تستنتجه رونا سيلع، لدى تطرّقها إلى منهج كشف المواد الأرشيفية المعمول به، أن إسرائيل تتخندق أكثر فأكثر في الوضعيّة الكولونياليّة.