كثّف "المجلس الانتقالي" المطالب بانفصال جنوب اليمن، أخيراً مساعيه لتسجيل حضور وكسب مواقف تأييد، في محافظة حضرموت، كبرى محافظات الجمهورية وأغناها بالثروة النفطية. ومنذ أيام بدأ المجلس المدعوم إماراتياً توسّعه شرقاً، من خلال زيارات لافتتاح فروعه في المحافظات، لكن جدول زيارته إلى حضرموت بدا مليئاً باللقاءات والزيارات بخلاف المحافظات الأخرى التي اكتفى بزيارتها ليوم واحد فقط. وحضرموت، البالغة مساحتها 188 ألف كيلومتر مربّع، رقم صعب في المعادلة اليمنية، لمكانتها الاقتصادية باعتبارها أكبر محافظة نفطية، فضلاً عن الموقع الجغرافي عبر ارتباطها بشريط حدودي واسع مع السعودية، مع وجود موانئ بحرية وبرية، إلى جانب تأثيرها وثقلها السياسي، ما جعلها محط اهتمام مختلف التيارات والحركات السياسية في البلاد. وكانت قيادة "المجلس الانتقالي" وصلت إلى حضرموت في 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لافتتاح فرع المجلس في المكلا وإعلان قيادته المحلية، إلا أن جدول أعمال الزيارة اتسع شاملاً لقاء مكونات مدنية وشخصيات اجتماعية، وصولاً إلى الاتحادات الفئوية والفرق الرياضية، بغية إثبات وجود في المحافظة التي مثلت تحدياً لمشروع "الدولة الجنوبية" لاعتبارات تاريخية وأخرى سياسية وجغرافية.
في السياق، لجأ "الانتقالي الجنوبي" إلى نصب لوحات ترحيب عملاقة بزيارة المجلس وسط مدينة المكلا، وأخرى عليها كلمات لـ"رئيسه" عيدروس الزبيدي، أثنت على قوات "النخبة الحضرمية". كما جال الزبيدي في شوارع المكلا ملتقطاً الصور مع المواطنين في المقاهي الشعبية، ومؤدياً صلاة الجمعة في جامع عمر أبرز مساجد المدينة، لتأكيد وجود حاضنة شعبية للمجلس في المحافظة، في ظلّ تصارع مشاريع سياسية منافسة لمشروع الانفصال. وفي مقدمة تلك المشاريع، مشروع "الإقليم المستقل"، الذي تبنّاه مؤتمر حضرموت الجامع الذي انعقد في إبريل/ نيسان الماضي، فضلاً عن المطالبة بإقليم حضرموت، إلى جانب محافظات شبوة والمهرة وسقطرى، في إطار الدولة الاتحادية، وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، إلى جانب مشاريع أخرى يطالب بعضها بقيام دولة حضرمية.
مساعي المجلس لاستمالة الحضارمة وإزالة مخاوفهم من تكرار تجربة 1967، التي ضُمّت على إثرها حضرموت إلى "الجنوب العربي" عنوة، شملت أيضاً التصريحات الصحافية التي غازلت الحضارمة سياسياً. حتى إن الزبيدي قال في إحدى حواراته إنه "لا مانع من تسمية الدولة الجنوبية المقبلة بدولة حضرموت".
وعلى رغم حرص المجلس على الخروج بأكبر المكاسب من زيارة حضرموت، إلا أن المحصلة النهائية بدت أقل من الترويج الإعلامي الذي سبق ورافق الزيارة، إذ رفضت السلطة المحلية بالمحافظة ممثلة بالمحافظ اللواء الركن فرج البحسني المشاركة في أي فعالية للمجلس. ولم يصدر عن السلطة أي بيان أو تصريح يرحب بزيارة قيادات "الانتقالي".
في هذا الإطار، شدّد البحسني على أن "حضرموت لن تكون مسرحاً لتجارب فاشلة أجريت عليها في السابق"، في إشارة إلى "فشل دولة الجنوب السابقة قبل عام 1990 في حضرموت إذتم ضمها عنوة إلى محميات الجنوب العربي سابقاً في عام 1967".
إلى ذلك، فشل "المجلس الانتقالي" في كسب تأييد المكونات القبلية المؤثرة وفي مقدمتها "حلف حضرموت" القبلي، بقيادة وكيل المحافظة الشيخ عمرو بن حبريش العليي، الذي استبق الزيارة بحديثٍ قال فيه إن "المكوّنات السياسية والاجتماعية بحضرموت لن تسمح بإثارة الفتن وتمزيق النسيج الاجتماعي وزعزعة الأمن وجرّ المحافظة إلى مربع الفوضى والصراعات".
وعلى الرغم من أن بعض الشخصيات القبلية المغمورة التقت الزبيدي في المكلا، إلا أن زعماء القبائل البارزة أحجموا عن إبراز أي موقف مرحب بزيارة المجلس، وربما يعود السبب إلى تجربة الحزب الاشتراكي الذي حكم جنوب اليمن في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وتعامله مع القبائل بنوع من القسوة والزج ببعضهم في السجون. كما أن علاقة معظم مشايخ القبائل بحضرموت بالسعودية، التي اعتبرت أن مطلب "الانفصال لا يخدم تدخلها تحت غطاء الشرعية يحدد مواقفهم غالبا في التعامل مع فعاليات الحراك الجنوبي".
وفي موازاة التحركات الميدانية لعبور تحدي حضرموت، قدّم "المجلس الانتقالي"، محافظ حضرموت السابق اللواء أحمد سعيد بن بريك، كزعيم جنوبي بحضرموت خلفاً لرموز الحراك المعروفين أمثال حسن باعوم، الذي لزم الصمت منذ بدء عاصفة الحزم في مارس/آذار 2015، ونجله المقيم في الخارج والمتبني موقفاً مناهضاً للتحالف والإمارات خصوصاً، فضلاً عن عضو "المجلس الانتقالي"، أحمد بامعلم، الذي تصدر المشهد منذ 2011. وبدا أن الأخير ترك مكانه لابن بريك الذي يحظى بشعبية نسبية داخل المكلا، مستنداً إلى خطاب شعبوي ضد حكومة الشرعية ويلامس هموم ومطالب الشارع.
وعزز هذا التوجه، حرص المجلس على إعطاء مساحة إعلامية أكبر لابن بريك، بدءاً من تظاهرات إحياء ذكرى ثورة 14 أكتوبر في عدن، إذ وجّه كلمة جماهيرية إلى الحشود التي توافدت لساحة المعلا، وصولاً إلى تخصيص كلمة له في معظم اللقاءات والفعاليات في الزيارة الحالية إلى المكلا، والإبقاء على حضوره إعلامياً من خلال إطلاقه التصريحات التي هدد في بعضها باقتحام وادي حضرموت الذي ترابط فيه آخر قوات شمالية بالمحافظة، مستغلا حساسية المواطنين تجاه هذه القوات.