ما زالت المرأة السعوديّة تعاني في سوق العمل الداخلي، في كلّ القطاعات، على الرغم من إصلاحات كثيرة راحت تُسجَّل خلال السنوات الأخيرة. المحاميات السعوديات مشمولات بذلك، ويواجهنَ تحديات كثيرة في مهنتهنّ.
في منتصف عام 2013، صدر قرار عن وزارة العدل السعودية يسمح للمحاميات السعوديات بالترافع في مختلف المحاكم السعودية. على الرغم من ذلك القرار، إلا أنّ القانونيات السعوديات يعانينَ من مشكلات كثيرة في عملهنّ في المحاكم، إذ ما زال بعض القضاة، لا سيما كبار السنّ منهم، يرفضون فكرة ترافع امرأة أمامهم. كذلك، يرفض بعض من كبار المهتمين بالقضاء الفكرة من أساسها، ويرون أنّ هذه المهنة لا تناسب النساء. يُذكر أنّه قبل أربع سنوات صرّح عضو قائمة المحكمين في وزارة العدل محمد السلطان، خلال ندوة "الحماية الشرعية والقانونية لـحقوق المرأة الاقتصادية"، بأنّ المرأة لا تصلح للعمل في مهنة المحاماة أو الترافع أمام المحاكم، مشيراً إلى وجوب اقتصار دورها على الاستشارات القانونية الخاصة بالنساء.
لم يؤثّر الرفض المشار إليه على تزايد عدد المحاميات السعوديات الكبير. بحسب بيانات وزارة العدل، تمارس 102 امرأة سعودية مهنة المحاماة في البلاد، 39 منهنّ حصلنَ على رخصتهنّ خلال الأشهر الستة الأخيرة. وثمّة توقّعات بأن يتجاوز عدد المحاميات المئتين قبل نهاية العام الجاري، في حين أكّدت مصادر من داخل الوزارة لـ "العربي الجديد" أنّ التوجه الحالي هو زيادة عدد المحاميات في البلاد، بالتالي لن توضع شروط خاصة عليهنّ، ومن المتوقّع أن يخضعنَ للشروط نفسها كما الرجال.
في السياق، كان مدير مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء، المهندس ماجد العدوان، قد أوضح أنّ المحاميات اللواتي حصلنَ على تراخيص حديثاً، سوف يترافعنَ داخل المجلس القضائي وأمام القضاة، شأنهنّ شأن الرجال. أضاف أنّه لن تمنعهنّ أيّ اشتراطات من ذلك، لكنّ المشكلة تكمن في أنّ بعض القضاة ما زالوا يرفضون وجود المرأة في سلّم المحاماة، ويصرّون على أن يرافقها محرم أو معرّف عنها، على الرغم من أنّها تحمل بطاقة تعريف صادرة عن الوزارة. وثمّة من يطرد المرأة المحامية ويطالبها بإحضار محرم، بينما يكتفي آخرون بالاستماع إليها من دون الأخذ برأيها أو بأقوال الشهود الذين يأتون معها. وهو ما تعدّه محاميات تعقيداً لا مبرر له.
تخبر إحدى المحاميات التي فضّلت عدم الكشف عن هويّتها، خوفاً من مساءلة الوزارة، أنّ "قاضياً في الرياض طردني من قاعة المحكمة من دون سبب مقنع، في حين أجبرني آخر على إحضار محرم للتعريف عنّي". تضيف لـ "العربي الجديد": "قدّمت للمحامي بطاقتي الصادرة عن وزارة العدل، إلا أنّ القاضي أكّد له أنّه لن يسمح لي بالبقاء في قاعة المحكمة من دون محرم". وتلفت إلى أنّ "القضاة، خصوصاً القدماء منهم، ما زالوا يعارضون عمل المرأة في المحاماة، بل يعارضون عمل المرأة في أيّ مكان".
من جهتها، تشدّد المحامية عبير محرم على أنّ "العقبات التي تواجهنا لن توقف مسيرتنا". وتقول لـ "العربي الجديد" إنّ "ثمّة قضاة يتعنّتون ويدققون في ملابس المحامية، ويرفضون وجودها إذا كانت كاشفة وجهها أو كانت عباءتها ملوّنة. وثمّة من يطلب أن يتكلّم رجل باسمها. لكنّ هؤلاء لا يختصرون المشكلة. المشكلة الأكبر أنّ ثمّة قضاة يستهينون بنا كنساء، ويظنّون أنّه يسهل التلاعب بنا، ويشككون في قدراتنا ويروننا أقلّ من أن نقف أمامهم". وإذ تقرّ محرم بأنّ العقبات كبيرة، توضح أنّ "المريح في الأمر هو وقوف وزارة العدل في صفّنا. وزارة العدل تنذر القضاة الذين يتجاوزون الأنظمة، وقد أحيل بعضهم إلى مجالس تأديبية، وهذا أمر جيّد".
في سياق متّصل، لا يقتصر الأمر على تعنّت بعض القضاة، إذ إنّ المجتمع ما زال غير معتاد على ممارسة المرأة المحاماة. وتؤكد القانونية ماجدة العمري أنّ ثمّة من يرفض حتى اليوم عمل المرأة كمحامية بحجّة "الاختلاط". وتقول لـ "العربي الجديد" إنّ "ثمّة انعداماً للوعي في المجتمع، لكنّ الأمر بدأ يتحسّن، خصوصاً بين النساء. فهذه النظرة بدأت تتغير في الفترة الأخيرة، لا سيما بين النساء اللواتي بتنَ يفضّلنَ التوجه إلى محامية بدلاً من محام، حفاظاً على سريّة قضاياهنّ، خصوصاً ما يتعلّق بقضايا الشرف والتعنيف ونزع الولاية". وتوضح العمري أنّ "الذين يلجأون إلى المحاميات هم بمعظمهم من النساء. وتمثّل قضايا الأحوال الشخصية 90 في المائة من القضايا التي أنظر فيها وزميلاتي في المكتب". وتشير إلى أنّ ثمّة رجالاً "يلجؤون إلينا وهم على قناعة بأنّنا قادرات على كسب قضاياهم".
لم تتمكّن "العربي الجديد" من الحصول على تعليق من أيّ من القضاة، إذ يُمنع عليهم الظهور إعلامياً. لكنّ المستشار القانوني أحمد الرشيد يقول إنّ "عمل المرأة السعودية في مجال القانون ليس بجديد، إذ منذ فترة طويلة وخريجات القانون يستعنَّ بمواقع التواصل الاجتماعي لمزاولة مهنتهنّ وتقديم الاستشارات القانونية. لكنّهنّ يواجهنَ حالياً القضاة في المحاكم. وعلى الرغم من أنّ القانون من التخصصات النادرة التي تختارها النساء، إلا أنّه بدأ ينتشر بينهنّ في الفترة الأخيرة، وثمّة تحول كبير في وضع المرأة بما في ذلك القانوني". ويلفت الرشيد إلى أنّ "معاناة المحاميات حالياً أمر طبيعي، إذ إنّهنّ ما زلنَ حديثات العهد في المهنة". وإذ يؤكّد معارضة بعض القضاة، يقول: "هم يرفضون حتى المحامي الرجل ويظنّون أنّ مهمته هي تبرئة المجرم. فما بالك بالمرأة؟ لكن للأمانة، القضاة الجدد أكثر تفهماً وتقديراً لدور المرأة. وأرى أنّه خلال سنوات قليلة، سوف تختفي كل هذه المشاكل وتصبح الأمور طبيعية".