محامون مصريون يروون تجاربهم مع معتقلي انتفاضة سبتمبر

05 أكتوبر 2019
اعتقل ما يقارب من ألفي مواطن في مظاهرات (Getty)
+ الخط -
دوّن عدد من المحامين الحقوقيين في مصر، تجربتهم المهنية والإنسانية في الدفاع عن معتقلي احتجاجات سبتمبر/أيلول الماضي، معبّرين عن مدى تأثرهم بتلك القبضة الأمنية، على مدار تاريخ عملهم في المحاماة والملف الحقوقي.

وكان خروج المواطنين للاحتجاج في عدد من المدن المصرية في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، أسفر عن الزجّ بما يقرب من ألفي مواطن خلال أسبوع واحد في السجن، على خلفية تظاهرات محدودة خرجت منددة بحكم السيسي وبطش أجهزته الأمنية.

وكتب المحامي الحقوقي البارز، خالد علي، عبر حسابه على "فيسبوك"، قصة واقعية لكنها شديدة الهزلية، أشبه بالفيلم المصري "مواطن ومخبر وحرامي" جمعتهم قضية واحدة، وكتب: "طول عمري فخور بالمحاماة، وبحبها بالرغم من كل متاعبها، ومن حظي السعيد إني أنا وجيلي تعلمنا على يد عمالقة عظام، ونعمل اليوم مع زملاء مبدعين ومبهرين من كل الأجيال، ولم أتمن لنفسي مهنة غير المحاماة. لكن من بداية القضية 1338 لسنة 2019 والشهيرة بأحداث 20 سبتمبر/أيلول 2019، تمنيت أن أكون روائياً أو سيناريستاً أو أحضر ورشة تدريب على يد المبدع داوود عبد السيد أو الراحل العظيم رأفت الميهي لأتمكن من كتابة وتسجيل كل القصص والمشاهد التي نعيشها، والمليئة بمفارقات شتى منها ما هو موجع ومؤلم، ومنها ما هو مبهر ومفرح، ومنها ما هو كوميدي حد البكاء".

وتابع علي "امبارح وإحنا في جلسة تجديد حبس الدكتور حسن نافعة على ذمة القضية 488 لسنة 2019 والتي تضم أسماء كثيرة منهم مواطنون بسطاء، ولا نعلم جميعاً -وهم أنفسهم- لا يعلمون كيف أو لماذا تم ضمهم لهذه القضية، ومنهم مشاهير شأن د. حسن نافعة، ود. حازم حسني، وكمال خليل، وخالد داود، وماهينور المصري، بعد أن ترافعنا عن الدكتور حسن نافعه وقولنا كلام من بتاع المحامين عن الدستور والقانون وضمانات التحقيق، وحقوق المتهم، وظروف احتجازه، زميلي الفاضل -واللي وقعت في حبه من أول ما شوفته- الأستاذ محمود عامر المحامي، طلب السماح له بالمرافعة، فسمح له رئيس النيابة بذلك، فشرح قصة -توضح بطريقة غير مباشر مدى جدية التحريات بهذه القضية، وتكشف أنها مجرد رأي لمحررها، ولا ترقى أبداً لمرتبة الدليل، ولا يمكن الاعتماد عليها كمبرر لحبس المتهمين احتياطياً أو في نسبة أي اتهام للمتهمين".

وعن مرافعة عامر، كتب علي، وقال الآتي: أنا كنت بحضر تحقيق بالأمس مع أحد المتهمين بنفس هذه القضية، والمتهم فلان الفلاني ذكر في أقواله المثبتة بالتحقيقات أنه يعمل مع الشرطة كمرشد، ومهمته نقل أخبار ناس معينة متهمين في هذه القضية، وأن الضابط الذي كان يشرف عليه تم نقله إلى مكان آخر، والضابط الجديد لا يعرفه لأن المخبر الذى يقوم بمهمة قناة التواصل بين المرشد والضابط لم يشرح الأمر للضابط الجديد والذي قام بالقبض على المرشد وإدراجه بذات القضية".

وعلق علي "كم هي قضية غريبة تجمع بين أساتذة العلوم السياسية ومناضلين ثوريين وقيادات إعلامية وسياسية والمرشد الذي كان يكتب عنهم التقارير. وطبعًا كل اللي في غرفة التحقيق كانوا ميتين من الضحك بما فينا الدكتور حسن نافعة".

أما المحامي الحقوقي عمرو إمام، فكتب قصصاً أكثر دراماتيكية ومأساوية، واصفًا المشهد داخل غرفة التحقيق وممرات النيابات وسلالم المحكمة الخلفية وداخل قاعتها وساحة الجراج والحجز بـ"المرعب".

وتابع "أنا لحد الأسبوعين دول كانت مذبحة ماسبيرو هي أعظم الصدمات بالنسبة ليا، وده لإني حاضر تفاصيل المذبحة دي من أول لحظة إلى دفن جثامين الشهداء، أنا شفت بعيني تشريح الجثامين داخل المستشفى القبطي وكنت جزءا من المشهد والتواصل بين الأهالي والطب الشرعي ومسؤولين بالكنيسة، والأستاذ خالد علي وعلاء عبد الفتاح وناس كتير من الزملاء والأصدقاء كانوا دورهم كبير في إنهاء مشهد المستشفى القبطي وخروج جثامين الشهداء في سلام وأمان وفعلا ده اللي حصل بعد أكتر من 36 ساعة متواصلة من مشاهد القتل والدهس وبحر الدم. فدي كانت أعظم صدمة، وأكثر مشهد رعب مر عليا..".

لكنه استطرد "خلال الأسبوعين دول ومن خلال تواجدي في نيابة أمن الدولة ومحكمة زينهم وحضور التحقيقات وتجديد الحبس مع معتقلين #قضية_20_سبتمبر الموضوع اتغير تماما مبقاش صدمة من حدث مرعب وبس، لأ  خالص.. أنا بقيت مقتنع ومؤمن تماما إننا مخطوفين ورهائن عند سلطة احتلال فاشية بالمعنى الحرفي للجملة"، مفسرًا "مجموعات من البشر متسلسلين بكلابشات بقالهم أيام من غير أكل أو شرب، نايمين في عنبر غرقان مايه أو المجاري طافحة فيه، هدومهم مقطعه أشكالهم بائسة كأسرى الحروب والخوف والذعر والتوهان وأوقات كمان الهذيان وعدم الوعي بالزمان والمكان، ده حالهم داخل ممرات النيابة مئات ومئات بنفس الحال".

وتابع "أما مشهد تجديد الحبس داخل قاعات المحكمة، عشرات المعتقلين قاعدين على بينشات القاعة، كلهم شعرهم محلوق زيرو، لبس أبيض وسخ وحافين والخوف والذعر والاستغاثة اللي في عيونهم تخلي الحجر ينطق، لدرجة إني مقدرتش أمسك نفسي وأنا بترافع في إخلاء سبيلهم، وقلت للنيابة، أنا مش قادر أتخيل نفسي واقف في محكمة أنا اللي مسيطر على إحساسي دلوقتي حالاً إني في معسكر من معسكرات التعذيب النازية أو في سجن من سجون الأسرى".

وعلق "مشهد غير عقيدتي بشكل كامل؛ إحنا عايشين في بلد محكوم من خلال سلطة احتلال فاشية مجرمة، وكل حاجة وأي حاجة متوقعة وسقف الفُجر والظلم مفتوح للسماء. إن شاء الله المعتقلين مسألة وقت ويخرجوا، لأن مافيش قضية أصلا ولا يمكن يكون شوية ورق التحريات دول قضية من الأساس، وبرضوا بمجرد إن أهالي المعتقلين يروحوا لهم زيارات، الوضع هيتغير وحيقدروا على الأقل يلبسوا لبس نضيف وهيقدروا ياكلوا ويستردوا جزء من صحتهم والوضع هيبقى أحسن بشكل نسبي، بس كام واحد من المئات دول حيقدر يتجاوز فترة قاسية ومرعبة زي ديه وحيقدر بأعمال مع الحياة تاني وكأن محصلش حاجة".

دلالات