محاكم مصر تغرم المعتقلين السياسيين 24.8 مليون دولار

29 ابريل 2015
إحدى المعتقلات في مصر (فرانس برس)
+ الخط -
زاد هجوم النظام المصري على معارضيه سياسياً، ليمتد إلى معاقبتهم مادياً، حيث دأبت المحاكم خلال العامين الأخيرين على فرض كفالات وغرامات مالية كبيرة على المعتقلين، لتضاف إلى إجراءات التحفظ على الأموال والممتلكات، التي طالت مئات الأشخاص والمنشآت، ولاسيما المحسوبة على قيادات في جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي لها الرئيس محمد مرسي، الذي أطاحه الجيش في يوليو/تموز 2013.
ووفق رصد قامت به "العربي الجديد" بعد الاطلاع على عدد من التقارير الحقوقية، التي أعدتها جهات عدة منها المرصد المصري للحقوق والحريات، و"ويكي ثورة"، فقد سجلت الكفالات والغرامات التي تم فرضها علي المعتقلين في آلاف القضايا حوالى 189 مليون جنيه (24.8 مليون دولار)، وذلك في الفترة من 3 يوليو/تموز 2013 حتى نهاية مارس/ آذار 2015.
ويأتي ارتفاع قيمة الغرامات المفروضة على معارضي النظام الحالي، في الوقت الذي تقوم فيه المحاكم، وفق مراقبين بخفض قيمة الغرامات المفروضة على رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، أمثال رجل الأعمال أحمد عز، أمين التنظيم السابق في الحزب الوطني المنحل.
كما تتزامن هذه العقوبات المالية، مع إصدار القضاء أحكام براءة لرموز نظام مبارك ذوي الخلفية العسكرية من قضايا الفساد، ورد أموالهم وأصولهم المتحفظ عليها بعد ملاحقات قانونية عقب اندلاع ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
وقد أدانت عدد من المنظمات الحقوقية ما وصفوه بانتهاكات غير مسبوقة بحق المعتقلين في مصر، والتي تمتد لأموالهم وممتلكاتهم.

40 ألف معتقل

وتقدر منظمات حقوقية مصرية عدد المعتقلين السياسيين في مصر بنحو 40 ألف معتقل، موزعين على 42 سجناً، بالإضافة إلى العشرات من أقسام الشرطة ومعسكرات الأمن المركزي التابعة لوزارة الداخلية بمختلف المحافظات.
وقال محامي جماعة الإخوان المسلمين، عبد المنعم عبد المقصود، لـ "العربي الجديد"، إن تحديد الكفالة يتم وفق تقدير القاضي أو وكيل النيابة، وأن الكفالة تكون نقدية أو بضمان محل إقامة المتهم. وأضاف أن الكفالة تكون شرطاً لخروج المعتقل، وإذا لم يتم دفعها خلال 15 يوماً فيتم تجديد الحبس الاحتياطي وربما يستمر لأعوام.

وكان الرئيس المصري المؤقت، عدلي منصور، الذي عينه الجيش بعد الإطاحة بمرسي، قد أصدر مطلع 2014 تعديلاً على قانون الإجراءات الجنائية، يسمح بتمديد فترة الحبس الاحتياطي دون سقف زمني في القضايا، التي تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد.

اقرأ أيضا: أحكام الإعدام تخيف المستثمرين في مصر

وأشار عبد المقصود إلى أنه خلال الفترة الأخيرة كانت أبرز كفالات المعتقلين تتراوح بين 50 ألف جنيه إلى 100 ألف جنيه (6.5 آلاف دولار إلى 13 ألف دولار)، مضيفاً "دفع الكفالة مهما كانت كبيرة أفضل للمعتقل حتى لا يتعرض للبقاء بالحبس مدة أطول". وأكد أن القانون يسمح للمعتقل باسترداد الكفالة مرة أخرى في حالة حفظ القضية، وهو ما يعني سقوط التهمة عن الشخص أو عدم كفاية الأدلة التي تدينه.
وتحدثت "العربي الجديد" لبعض المعتقلين، الذين خرجوا مؤخراً بكفالة تراوحت في مجملها من 10 آلاف جنيه إلى 50 ألف جنيه. واعتبر معاذ غنيم، محاسب، خرج حديثاً بكفالة وصلت إلى 22 ألف جنيه (2.9 ألف دولار)، أن هناك مبالغة كبيرة في فرض الكفالات على المعتقلين، الذين يعد أغلبهم من معارضي النظام الحالي.
وقال غنيم "بالتأكيد هي وسيلة من وسائل تمويل النظام الحالي، الاعتقال بكثافة وفرض كفالات عالية.. الأمر أشبه بسرقة أموال المعارضين بشكل قانوني"، مضيفاً "هناك ترتيب بين القضاة والأمن الوطني لأن أغلب المقتدرين تم فرض كفالات كبيرة عليهم". وتابع أن هناك اثنين ممن كانوا معه أحدهم طبيب كبير، وتم فرض كفالة 50 ألف جنيه عليه، بالإضافة لطالب كان أهله غير قادرين على دفع كفالته التي سجلت 20 ألف جنيه.
وبحسب الطالب، محمود حسن، الذي كان معتقلاً، فإن هناك مبالغة كبيرة بفرض هذه الكفالات قائلاً "خرجت أنا ووالدي بكفالة 20 ألف جنيه، حيث فرض على كل منا 10 آلاف جنيه، وتمكنا من تدبير المبلغ بالدين لأننا لم نكن نمتلكه"، مضيفاً "فوجئنا بعد شهر من خروج والدي بالكفالة، باعتقاله مرة أخرى".

الناشط الحقوقي، ياسين حسن، بالمركز العربي الأفريقي للحقوق والحريات، أكد لـ" العربي الجديد" إن فرض الكفالة لا يتعارض مع القانون "ولكن المبالغة في تقييمها يتعارض مع ما نسميه بروح القانون". وأضاف حسن أنه قبل 2011، لم تكن هناك المبالغات الحالية بفرض الكفالات على المعتقلين، حتى أنه لم يسبق أن وصل معدل قضايا المعتقلين للمعدل الذي وصلت عليه الآن. ويرى أن "القضاء بالمرحلة الحالية يتبع الأهواء السياسية والمجال السياسي.. القضاء الآن يفرض أغلظ العقوبات"، مؤكداً أن أغلب المعتقلين من الطبقة المتوسطة وغير قادرين على دفع الكفالات.

خلف الجدران بسبب 66 دولاراً

وقال محمد صادق، الناشط الحقوقي بالتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، "الكثير من المعتقلين عاجزون عن دفع الكفالة، وهناك معتقلون منذ أكثر من عام ونصف بسبب 500 جنيه (66 دولاراً) بسبب عدم قدرتهم على دفع الكفالة خلال 15 يوماً من فرضها وبعد جمعها بـ 6 أشهر تعنتت النيابة ورفضت خروجهم. ولفت صادق إلى أن هذا التعنت يكون في القضايا السياسية فقط، وأن بعض القضايا الجنائية ربما يكون بها بعض المرونة، خاصة ان فرض الكفالة يعني أنه لا مبرر قانونياً لحبس المتهم.
وتابع أن القضاء خفض غرامة بالملايين على رجل الأعمال أحمد عز، المتهم في قضية جنائية، بينما لا يقبل خفض أي كفالة للمعتقلين رغم معاناتهم ومعاناة عائلاتهم مادياً، مضيفاً "هناك انتقائية في تنفيذ القانون على المواطنين، والدليل أن رموز نظام مبارك يعودون للحياة الطبيعية".
وكانت محكمة النقض قد خفضت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 غرامة على رجل الأعمال أحمد عز في قضية احتكار الحديد وقضايا فساد إلى 10 ملايين جنيه (1.3 مليون دولار) بعد أن وصلت إلى 100 مليون جنيه (13.1 مليون دولار)، بعد الإطاحة بمبارك.
وأصدر القضاء المصري عدة أحكام ببراءة مبارك ورموز نظامه ورجال أعمال مقربين، تتعلق بالفساد عبر إهدار المال العام والتربح، أبرزها قضية بيع الغاز المصري لإسرائيل بثمن بخس، وبيع شركات حكومية لرجال أعمال محليين وأجانب بأقل من قيمتها السوقية بشكل كبير وفق الاتهامات التي جاءت في الدعاوى المرفوعة ضدهم.

اقرأ أيضا: حكام تَخصُّص نهب الشعوب
المساهمون