بدأت، اليوم الإثنين في باريس، محاكمة القيادي العسكري السابق في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، الفنزويلي إليتش راميريز سانشيز، المشهور عالمياً باسم "كارلوس"، بالمحكمة العليا الخاصة، بتهمة الضلوع في الهجوم على مطعم في محل "دراكستور بوبليسيس" في العاصمة الفرنسية، الذي أسفر، في 15 سبتمبر/أيلول 1974، عن مقتل شخصين وإصابة 34 آخرين بجروح.
ويَمْثل كارلوس أمام المحكمة لمدة ثلاثة أسابيع كاملة في مواجهة هيئة مشكلة من سبعة قضاة و17 شاهداً، في واحدة من أقدم "قضايا الإرهاب" في فرنسا، التي هزت قلب العاصمة الفرنسية في زاوية عند مفترق جادة سان جرمان وشارع رين، والتي استمرت فصولها منذ 43 عاماً في مسلسل قضائي معقد وطويل.
ففي عام 1983، صدر حكم ببراءة كارلوس من تهمة تفجير قنبلة في الطابق الأول من مطعم "دراكستور بوبليسيس"، ثم عاد القضاء ليفتح هذا الملف للمرة الثانية في أغسطس/آب 1996 وينتهي بعدم توجيه التهمة إليه.
ونجحت هيئة الدفاع عن الضحايا في إرغام القضاء على فتح ملف القضية للمرة الثالثة في أكتوبر/تشرين الأول 2014، لترفع حالة "التقادم" عن هذا الملف.
ويستند دفاع الضحايا ومدعي الجمهورية إلى عناصر إضافية كانت أهملتها المحاكمات السابقة، منها حوارٌ كان أدلى به كارلوس لمجلة "الوطن العربي" عام 1979، وأقرّ خلاله بأنه هو الذي ألقى قنبلة يدوية في المطعم الباريسي، وربط بين هذه العملية وعملية احتجاز الرهائن في لاهاي.
كما يستند الاتهام أيضاً، إلى شهادات أدلى بها بعض رفاق كارلوس، الذين أكدوا أن العملية ضد المطعم الباريسي كانت من أجل الضغط على السلطات الفرنسية للإفراج عن عنصر من كوماندوس من منظمة "الجيش الأحمر الياباني" اعتقلته الشرطة في مطار أورلي بعد مشاركته في عملية احتجاز رهائن في سفارة فرنسا في لاهاي في يوليو/تموز 1974، بالتنسيق مع عناصر من "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وبأوامر من الراحل وديع حداد (أبو هاني)، الذي كان يُعتبر مسؤولاً عن العمليات الخارجية في "الجبهة الشعبية".
ولم تتمكن المحاكمات السابقة من تحديد هوية الرجل الذي ألقى بالقنبلة في المطعم الباريسي، ولم يتعرف عليه أي من الشهود الذين حققت معهم الشرطة.
ويستند الاتهام، بشكل أساسي، على مصدر القنبلة الذي قد يكون ثكنة عسكرية أميركية في مدينة ميزو بألمانيا كانت تعرضت مخازن أسلحتها للسرقة عام 1972، وتبين لاحقاً أن بعضها تم استخدامه من طرف كوماندوس لاهاي.
وينفي كارلوس ضلوعه في تفجير المطعم الباريسي، ويتهم الشرطة الفرنسية باختلاق "شهادات كاذبة" ضده، غير أنه في المقابل تبنى، خلال آخر استجواب خضع له عام 2013، "المسؤولية العملية والسياسية" للعمليات المسلحة التي قامت بها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في أوروبا، إذ قال: "أنا بطل في المقاومة الفلسطينية، وأنا الوحيد الباقي على قيد الحياة من بين جميع كوادرها الاحترافية في أوروبا، لأنني كنت دائماً أول من يطلق الرصاص".
ويعتبر كارلوس نفسه مناضلاً ثورياً تبنى العمل المسلح ضد الدوائر الغربية، التي كانت تدعم دولة الاحتلال الإسرائيلي، دفاعاً عن الحق الفلسطيني، وهو يطالب بالاعتراف به كمعتقل سياسي على هذا الأساس.
وكان كارلوس نجح لمدة طويلة في الإفلات من ملاحقة أجهزة الاستخبارات الدولية التي كانت تتعقب خطواته.
ونجحت المخابرات الفرنسية في إلقاء القبض عليه في العاصمة السودانية الخرطوم في آب/ أغسطس 1994، ونقلته إلى فرنسا بالتنسيق مع السلطات السودانية.
ويواجه كارلوس عقوبة السجن مدى الحياة في حال أثبتت المحكمة عليه تهمة "القتل في إطار منظمة إرهابية"، علماً أنه حُكم عليه سابقاً بالسجن مدى الحياة مرتين، الأولى في قضية مقتل ثلاثة أشخاص، من بينهم شرطيان عام 1975، والثانية في قضية أربعة اعتداءات بالمتفجرات أسفرت عن مقتل 11 شخصاً وجرح 150 آخرين، بين عامي 1982 و1983، في باريس ومرسيليا وداخل قطارين.
وتعيد هذه المحاكمة الأطراف المعنية إلى أجواء السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث تعرضت فيها فرنسا وعدة دول أوروبية أخرى لهجمات مسلحة باسم الهجوم على الإمبريالية العالمية والدفاع عن القضية الفلسطينية، وقامت بها عدة منظمات يسارية راديكالية كانت ترفع شعار العمل المسلح ضد المصالح الإمبريالية في العالم أجمع، منها "الجيش الأحمر" اليابانية، و"بادير ماينهوف" الألمانية، و"الألوية الحمراء" الإيطالية، و"العمل المباشر" الفرنسية.