محافظ ديالى السابق لـ"العربي الجديد": لهذه الأسباب أصبحتُ مستهدفاً

31 مارس 2016
محافظ ديالى السابق عبدالناصر المهداوي (العربي الجديد)
+ الخط -
يروي محافظ ديالى السابق، الدكتور عبدالناصر المهداوي، الأسباب التي أودت بالمحافظة إلى ما هي عليه اليوم. يحكي في حوار لـ "العربي الجديد" عن وجع تلك المدينة ومعاناة أهلها التي لم تبدأ اليوم، بل مع احتلال العراق عام 2003. يسرد قصة عامَين من حياته قضاهما مسؤولاً عن ديالى التي اكتشف الكثير من الأخطار المحدقة بها أثناء توليه إدارتها بين عامَي 2009 و2011، قائلاً، "تسلّمتُ المسؤولية مُكرهاً، تحمّلت أعباءها ومخاطرها من أجل أبناء مدينتي بكافة طوائفهم ومذاهبهم وقومياتهم. لم أسْعَ إلّا لتوفير حياة كريمة آمنة لمدينتي التي ولدتُ وترعرعت فيها. دخلتُ عالم السياسة مسالماً، وخرجت منها مطلوباً للقتل".

- ما سبب تسلّمك منصب المحافظ مُكرهاً؟

في البداية رفضت تسلّم منصب محافظ ديالى، لكن المسؤولين في كتلة التوافق التابعة للحزب الإسلامي ألحّوا كثيراً. اشترطت حينها، أنّه إنْ لم أستطع فعل شيء أقدّم استقالتي، لأني ابن المحافظة وأعلم جيداً ما يدور فيها، خصوصاً من جانب الاستهداف الطائفي، وصعوبة إدارتها في ظلّ وجود مليشيات مسلّحة.

- هل تعني أنّه لم يكن بالإمكان العمل على إعمار المحافظة وخلق فرص عمل لسكانها؟

حين تسلّمت المنصب عام 2009، لم يكن هناك أية ميزانية للمحافظة، بل فقط ما يسدّ مديونات الإدارة السابقة، ولم يكن مخصصاً لها ميزانية للتنظيفات أي للبلدية، وكنا نلجأ إلى حملات مع قيادة العمليات والدوائر المدنية. عام 2010، هدأت الأوضاع الأمنية نسبياً في ديالى، وحصلنا من الحكومة المركزية على ميزانية محدودة هزيلة لا تفي سوى بغرض الخدمات البلدية داخل المدن والأقضية، ولا تغطي احتياجات القرى. وكان الأهالي، على الرغم من كل ذلك، راضين بواقع الحال، لكن المشكلة كانت في الأمن.

- هل واجهت مشكلة في تنوع أهالي ديالى الطائفي؟

تجمعني علاقات طيبة مع الأحزاب الشيعية، والأكراد، والأجهزة الأمنية كافة. كنت أعوّل كثيراً على هذا الأمر في معالجة الأمور، لكني اكتشفت أنّ المشاكل أعمق من أن تحل بالطريقة الوديّة التي أسعى لإنصاف المواطنين وحل مشاكل المحافظة من خلالها.

المشاكل كثيرة ومعقدة، الاستهداف الطائفي كان على قدم وساق وصار تجارة رائجة، بل إن الأمر فاق الطائفية، أحياناً يُستهدف المواطن لأسباب مادية محضة. يُعتقل الشخص ويساومون على خروجه مقابل مبلغ من المال. حاولت معالجة هذا الموضوع لكني فشلت، وأعترف بهذا. معظم الأجهزة الأمنية من مكوّن واحد، فضلاً عن وجود المليشيات، علماً أني لم أعمل لمكوّن معيّن، أو لطائفتي التي أنتمي إليها، بل عملت بصفتي مسؤولاً عن جميع مكوّنات المحافظة. المعروف عن المحافظة، أنّ المسؤول يعمل لصالح مكونّه الطائفي، فسُئلت حينها عن كيفية قدرتي على أن أكون عادلاً ومنصفاً.

- ما حقيقة ما يشاع عن وجود أبرياء في المعتقلات؟

زرت معظم المعتقلات في ديالى والتقيت السجناء، وأجزم أن أكثر من 90 في المائة منهم أبرياء. لم نستطع تقديم شيء لهم، وذلك لأنّ الصلاحيات الأمنية بالكامل مخصصة لوزارتَي الدفاع والداخلية، ولا يتيحون أي فرصة للتدخل في شأن المعتقلات والسجناء.

قبل انتهاء مهمّتي، قدّمت استقالتي لأعضاء جبهة التوافق، (الكتلة السياسية التي ينتمي إليها) لأننا بالفعل لم نستطع تقديم شيء. فالناس تتألم ولا تعلم بأننا لا نستطيع تقديم يد العون لها وإعادة حقوقها، وتحقيق العدالة وإنصافها. أحد الأجهزة الأمنية لديه سجل مكتظ بالمعتقلين. علمت أنه لا يعنيهم معاناة المسجونين، بل الحصول على مقابل مادي. فكلما ارتفع عدد المسجونين، كلما تضاعفت مداخيل المسؤولين عن السجون. الفساد مستشر بشكل كبير. الإرهاب بمعناه الحقيقي يقتل ويدمر، لكن الفساد إرهاب يدمر الناس ويحارب الحقيقة، ويقضي على الإنسانية.

اقرأ أيضاً: جرائم ديالى.. القتل بجوار مراكز الشرطة

- ما الذي توصّلتم إليه ليكون حلاً أمثل ينصف المحافظة وسكانها؟

وجدنا أنّه من الأفضل أن تتحول ديالى إلى إقليم. حين تمّ رفع طلب إلى الحكومة المركزية بذلك، انتهى دور الجيش والشرطة ونزلت مليشيات مسلّحة، وسقطت المحافظة بيد المليشيات وانتهى دور المحافظة بالكامل. وهذا يؤكد سيطرة المليشيات على المحافظة على الرغم من وجود 13 جهة أمنية داخلها، وبذلك، كانت نهاية رحلتي كمحافظ. أصبحت مستهدفاً، بل جميع السياسيين والنخب الأكاديمية التي تعارض فكرياً وجود المليشيات والتسيّب، أصبحت مستهدفة بالقتل من المليشيات، ووجب عليّ الرحيل. قدّمت استقالتي، ولجأت إلى إقليم كردستان العراق، ثم إلى تركيا حيث أعيش الآن.

- من يقف وراء تلك المليشيات؟ وما سبب افتعالها تلك الفوضى التي تتهمونها بها؟

هناك مشروع لتغيير هوية ديالى والنسب المجتمعية فيها. بقيت ديالى عقوداً طويلة تعيش بسلام وسكانها متصاهرون في ما بينهم. لكن ما حصل من استهداف وإقصاء وتهميش لمكوّن بعينه، ولّد المسألة الطائفية، لذلك صارت قضية الإقليم التي طالبنا بها، القشة التي قصمت ظهر البعير. في ذلك الوقت، طرح مسؤولون في مجلس المحافظة من الكتل السنية، وخصوصاً الحزب الإسلامي، فكرة الانفصال، وأكّدوا أنّه لا حق يناله سكان المحافظة إلا بإنشاء إقليم، وهذا ما يكفله الدستور. بعد حادثة المطالبة بالإقليم، سقطت المحافظة بيد المليشيات، قسم منهم هم شرطة ارتدوا ملابس مدنية ونزلوا إلى الشارع، ولدينا شهود وأدلّة مصوّرة. أصبح الأمر واضحاً للجميع، أن المليشيات متغلغلة داخل الأجهزة الأمنية والمؤسسات الحكومية.

- ما سبب تصريح مسؤولين عن المليشيات أنهم موجودون لغرض حماية المدينة من الإرهاب؟

سقطت ديالى بالكامل بيد تنظيم "القاعدة" بعد احتلال العراق عام 2003. مَن حرّرها هم أهلها، إذ شكّلوا لجاناً شعبية، سُمّيت بـ"الصحوات" بدعم أميركي، وطهروا ديالى من "القاعدة"، ولم تشارك المليشيات في تلك العمليات. كما أنّ الجميع يعلم أنّ السنّة هم الذين شكّلوا الصحوات وطردوا "القاعدة"، باعتبار أنّ التنظيم حينها، أسقط فقط المناطق السنية، وترك الشيعية، على الرغم من أنّه كان بإمكانه فعل ذلك. وكانت النتيجة، أنّ كل من قاتل في الصحوات، إمّا قُتل من قبل المليشيات أو اعتُقل أو هرب خوفاً من تلك المليشيات. لذلك نرى الآن، أنّ لا أحد يريد مقاتلة "داعش"، لأنه إذا قاتلها وطردها، فسيعيد التاريخ نفسه على يد المليشيات.

- ما هي رسالتك من تلك الحادثة؟

كان "القاعدة" يحرّض الناس ضد الحكومة، كأن يقوم أحدهم بقتل شرطي على سبيل المثال ثم تدخل المليشيات إلى المنطقة وتستهدف الشباب بين قتل واعتقال. المناطق التي كان يتعايش فيها السنة والشيعة، انتهت بالكامل. من خلال ما حصل، اعتبرنا أنّ هناك اتفاقاً بين المليشيات و"القاعدة"، و"داعش" الذي جاء بعده، باعتبار أنّ "القاعدة" أشبه ما يكون بشركات مساهمة و"داعش" أيضاً. ويبقى السؤال الأهم، عمن يقود مقاتلي التنظيمَين، والجهة المستفيدة من أعمال العنف التي وقعت في المحافظة.

اقرأ أيضاً: ديالى تحت وطأة تطهير طائفي

المساهمون