ويُعدّ الملف النووي من أهم القضايا التي تثير جدلاً كبيراً في الداخل الإيراني. فمنذ توقيع اتفاق جنيف، في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، تخلل المباركة التي قدمها كثر لحكومة الرئيس المعتدل، حسن روحاني، بهذا النجاح السريع، انتقادات عدة، كالتها جهات محافظة، تُعتبر من صنّاع القرار في الداخل الإيراني، حتى وإن كانت الحكومة تمثل وجه إيران في الخارج.
ويحذّر المتشددون الحكومة من تقديم أي تنازلات مصيرية، ويصرّون على عدم التراجع عن تخصيب اليورانيوم، ولا إيقاف البرنامج النووي وفق شروط الغرب، ولا سيما بعد التقدم الذي أحرزته إيران على هذا الصعيد، خلال السنوات الثماني الماضية.
كما علت أصواتهم في البرلمان، ورسموا في وسائل اعلامهم الخطوط الحمراء التي يجب على الفريق المفاوض مراعاتها.
وربما قرر هؤلاء منح الرئيس، وفريقه المفاوض، وعلى رأسه وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، فرصة لسببين، أولهما طلب خامنئي منهم، صراحة وعلانية، خلال الأشهر القليلة الماضية، الوقوف خلف الحكومة ودعمها، على الرغم من عدم تفاؤله بإحراز أي تقدم واقعي، طويل المدى، مع الغرب المعادي لإيران تاريخياً، على حد قوله. وثانيهما يتعلق باقتصاد البلاد، الذي أصبح مثقلاً بعقوبات اقتصادية مشددة تسبب بها برنامج إيران النووي، وأدت إلى ضغوط معيشية صعبة على المواطن، وجعلت إيران في عزلة دولية، خلال الفترة التي من المفترض أن تلعب فيها دوراً أساسياً في حلحلة بعض ملفات المنطقة.
وفي الوقت الذي تستقبل فيه فيينا الجولة السادسة من المحادثات بين إيران والسداسية الدولية، خرج بعض علماء الدين المحسوبين على المحافظين، ليلقوا خطبة اليوم الجمعة في عدد من مساجد المدن الإيرانية، وليضمّنوها مواقف متشددة من الغرب، الذي يجلس مع إيران على طاولة حوار واحدة.
وفي الخطبة التي تنقسم عادة إلى شقين ديني وسياسي، قال إمام جمعة مدينة قم، سيد محمد سعيدي، إنه "على الغرب أن يعرف أن الحوار لا يعني الالزام، ولا يعني تحميل الإيرانيين ما لا يريدون". وأيده في ذلك إمام جمعة سمنان، سيد محمد شاهجراغي، الذي اعتبر أن "الغرب لا يريد الحل، ولا يريد الوصول مع إيران إلى نتيجة". واتفقا على ضرورة أن تجري المفاوضات في جو من التعقل، بما يضمن حقوق الإيرانيين.
من جهته، يحاول الرئيس روحاني التقرب من هذه التيارات، عبر تضمين خطاباته إشارات عن ضرورة وحدة التيارات الداخلية بما يخدم مصلحة البلاد، وكان آخرها خلال لقائه، يوم الخميس، مجموعة من الشخصيات السياسية الفاعلة من التيار المحافظ، فأعرب عن أمله بوضع كل الخلافات والاختلافات الحزبية جانباً، لمواجهة أعداء الخارج ومشاكل الداخل كالغلاء والتضخم الاقتصادي والبطالة.
ويترقّب المحافظون ما سيحدث، عن قرب، فحتى وإن وصل رئيس معتدل إلى كرسي الرئاسة، وانتعش أبناء التيار الإصلاحي من جديد، فإن المحافظين ما زالوا يسيطرون على معظم كراسي "مجلس الشورى الإسلامي" (البرلمان)، ويشغلون مراتب هامة في مؤسسة المرشد الأعلى، وحتى ضمن "مجمع تشخيص مصلحة النظام".
وفي حال لم ينجح روحاني بالوصول إلى اتفاق، فهذا يعني تدشين الهجوم الداخلي على سياسات حكومته، ولا سيما أن المحافظين يتبعون منهج التشدد في السياسة الخارجية، وليس منهج الحوار والانفتاح، أما في حال التوصل إلى اتفاق فهذا سيكون، على الأقل، اعترافاً من قبلهم بنجاح الحكومة. فالمحافظون سيتنفسون الصعداء برفع العقوبات بشكل كامل عن البلاد، رغم أنهم من أنصار تحقيق الاكتفاء الذاتي، والاستفادة من الإمكانيات التي تمتلكها إيران بشكل كامل، بعيداً عن الضغوطات.