تقدم مجموعة ST4 التونسية فناً جدارياً تختلط هويته ما بين الكاليغرافي والغرافيتي وفن الشارع، كما تأثرت المجموعة بفن التزيين الذي يبرز جلياً في الفنين الإسلامي والشعبي؛ من ذلك ما نراه في الثقافة الشعبية التونسية بمختلف مكوناتها، وكذلك في التراث الفلسطيني، ولدى سكان أميركا الأصليين.
تقتصر المجموعة حالياً على فنانين اثنين هما: محمد صادق (1994) وياسين بوزيد (1996)، خريجيْ التصميم الغرافيكي من المدرسة العليا للعلوم وتكنولوجيا التصميم، حيث يعملان على تنفيذ أعمال جدارية متعددة في تونس، ساهمت في صناعة مشهدية تجمع بين الفنون المختلفة لتعطي بعداً آخر لمثل هذا من النوع من الفن، الذي يمكن تلمّس ملامحه وشكله وما يميزه في التقنية والحروفية التعبيرية التجريدية في أعمالهم الضخمة على جدران وأزقة تونس.
تأخذنا الأعمال عبر مسار جغرافي لتونس كاملة، خاصة في المناطق الصحراوية والنائية وصخور الجبال والبيوت والمواقع الأثرية وكذلك مقامات الأولياء والمساجد؛ فهي رحلة تعريفية للجغرافيا والتاريخ عبر الفن الذي سيتحول في يومٍ ما إلى فن السياحة الاستقطابية، وهي بذلك تساهم في صناعة التضامن وتقديم تعريف جديد للمكان ليس فقط لجهة القيمة التاريخية والمعمارية، بل الفنية الحداثية كما يحصل الآن مع أعمال الفنان العالمي بانكسي.
وفي مقاربة أخرى ما فرضه جدار الفصل العنصري في فلسطين من بشاعة وعنصرية، لكنه أصبح - بفضل رسومات مجموعة كبيرة من الفنانين الناشطين - عامل استقطاب تضامني مع قضية فلسطين من خلال التعبير على إسمنته عن هذا التضامن.
تتلخص رحلة المجموعة في عدة منطلقات؛ الجغرافي والإنساني والفني والمكاني؛ وهذه المكونات هي المحددات الرئيسية والهوية الأكثر بروزاً عند ST4. يبدأ هذا المشروع عبر الكتابات التي لا تبتعد كثيراً عن الكتابات الجدارية بمفهومها التقني، لكنها امتازت بدقة حرفيتها، واستخدام التعابير الشعرية والشعبية، وهي أشبه بالمرحلة الرومانسية لمفهوم الأسلوب الذي يبدأ مغازلاً ومنسجماً مع واقع المكان والبيئة والإنسان.
لاحقاً تذهب عبر سيرورتها إلى أبعد من ذلك، لا سيما حينما يفتح لها الباب إلى "خارج المكان" (بتعبير إدوارد سعيد) إن كان مجازياً أو فعلياً، ما يعيدنا إلى جدلية المنفى والمكان، وما يبرزه ذلك من عوامل مساعدة على إسقاط المكان عبر التحرر منه والتأمل في الروح الإبداعية اعتماداً على التقنية والفكرة، ما يذكرنا بقتل الأب عند أوديب.
يذهب الفنانان نحو الكاليغرافي التعبيري الذي بدأت تظهر ملامحه في أعمالهما المنجزة على حجارة الجبال في المناطق الداخلية من تونس، حيث أعادا تفكيك أسلوبهما من الجمل الممتدة إلى الحروف المقتطعة والمجتزأة في تعبير متصل ما بين الكتابة والطبيعة كعناصر مكتملة في بناء اللغة الحسية والمحكية.
عاد صادق وبوزيد إلى بناء أعمالهما الضخمة على جدران العمارات والبنايات التونسية في شكل أقرب إلى مفهوم "التزيين" مقتربين في حدودهما من أعمال الفنان التونسي الفرنسي إل سيد، وركزا في أعمالهما الأخيرة على فن الجداريات الضخمة التي تعيد للمدن والشوارع والبيوت بعضاً من إشراقتها، وبعضاً مما يحتاجه الناس في عملية التغيير من خلال الفن.
يقدم الفنانان مشروعاً فنياً تفاعلياً يراعي البعدين الجمالي والتقني، ويبتعد عن رتابة الفن الجداري الذي كثيراً ما أصبح يزيد من حالة التلوث البصري على المستوى العربي في السنوات الأخيرة.