يوم طويل مرّ، استكانت في نهايته لسريرها وهاتفها، نام أطفالها ووصل إليها صوت أنف زوجها بعدما أنهى واجبه اليومي، عرفت أنه قد نام مرتاحًا، لكنها لا تعرف لماذا لم تعد تشعر هي بالراحة منذ زمن طويل، أو ربّما لم تشعر بها أبدًا، منذ سنوات لم يعد لـ علياء أصدقاء في مصر؛ فقد حكم على معظم من عرفتهم، إما بالسجن، أو الهرب، أو غيّرتهم السنون، منذ عدّة سنوات كانت الزوجة الشابة تداوم على حضور لقاءات الأسرة، التي انتمت إليها تنظيميًا.
لقاءٌ أسبوعي، كان يجمعها مع ست شابات مثلها قريبات منها في السن، والحالة الاجتماعية والمادية، كانت الثانية بينهن التي تزوّجت، بينما لم تزل الأخريات قاب قوسين أو أدنى من الدخول إلى عش الزوجية، لم تكن لقاءات الأسرة، قاصرة على دروس الدين فقط، لكنها أيضًا كانت تشتمل على دروس للحياة والزواج والعلاقات الاجتماعية والتوافق بين الزوج والزوجة، وحلّ المشكلات إن وجدت، ودعم أواصر المحبّة بين الشريكين، كانت علياء تحكي لمسؤولة أسرتها، وكان زوجها يسمع من مسؤوله، وهكذا ظل الحال الذي كان دوامه بعد الانقلاب ضربًا من المحال.
أربع من أصل سبعة -هم قوام أسرة علياء التنظيمية في قرية ناهيا بمحافظة الجيزة-، كان السفر خارج البلاد، هو مصيرهن مع أزواجهم الذين فرّوا بسبب انتمائهم لتنظيم تم وصمه بـ "الإرهاب"، أما البقية، فقد فرقتهم السبل، ولم يعد للقاء الأسبوعي من سبيل، في ظل التضييقات الأمنية، اكتفت علياء بعالمها الصغير، أطفالها وزوجها والإنترنت، حافظت على العهود التي أقسمت عليها يومًا مع أختها المسؤولة، على أن تكون الزوجة التي تصون زوجها، وتحفظ بيتها، وترعى أطفالهاـ لا يسمع منها زوجها شكوى، ولا يرى فيها إلا ما يسرّه، لكن شيئًا ما قد غيّر ما بينهما، وغير ما بينها وبين الجميع، وغابت الأسرة وانحلت الجماعة.
بلا مسؤول ولا أسرة ولا نصائح، خاضت علياء جُلّ معاركها، تلك المشاكل التي نشبت بينها وبين جاراتها بعد الانقلاب، ومراحل الضعف والقوّة في علاقتها بأطفالها، ومشكلتها الأكبر مع زوجها، الذي يشتهي كل نساء الأرض، ولا تُشبعه امرأة واحدة، لا يملّ بعلها الثلاثيني من القيام بواجباته الزوجية كل يوم، وربّما يتكرّر الأمر صباحًا ومساءً، تخجل علياء أن تفاتحه في أن ذلك يُشقيها، وأن الأمر بالنسبة إليها لم يعد ممتعًا كما يتوقّع.
في هذه اللحظات كانت لتتذكر مسؤولتها أم مصعب، وهى تطمئنها بأنها سترسل لمسؤوله ليُفهمه الأمر، لكن أين أم مصعب الآن، فقد اختارت البعد عن المجتمع الإخواني بعد القبض على ولديها، لكن الفيسبوك منحها فرصة أخرى، مع "أخت" مختلفة هذه المرّة، اختارت لنفسها اسمًا مميزًا "أوختشي".
مجموعة مغلقة على فيسبوك، حدثتها عنه إحدى صديقاتها، صارت بديلًا عن لقاءات الأسرة الأسبوعية، يجمع ما فرقه الانقلاب، ويمنح النسوة المتشابهات في الظروف والمواقف، فرصة ليكونوا عونًا لبعضهن البعض، "إتاخري يا أوختشي ..خديني جنبك"، لم يكن الولوج إلى عالم "المجموعة السرّية"، أمرًا سهلًا، فقد أخبرتها الصديقة، بأن عليها أن ترسل طلبًا للصداقة إلى أكونت مسؤولة المجموعة، وبعد أن يتمّ التأكد من شخصها، تنال فرصة الفوز بالانضمام للمجموعة.
لم تكن "المجموعة السريّة" التي انضمت لها علياء هي الأولى التي تشترك بها، لكن شيئًا ما بهذه المجموعة قد أثار شجونها، وأعاد لها ذكريات ماضيها السعيد، المجموعة لم تكن قاصرة فقط على النساء، لكن لها جناحا آخر ذكوريا، في مجموعة سريّة خاصّة بهم، لها مسؤولها الخاص، وطريقتها الخاصة في إضافة أعضائها، تلتقي المجموعتان من خلال مسؤولي الفرقتين، و حساب خاص على تطبيق الأسئلة "الآسك"، دون أن يعرف أحد شخصية السائل، ويقوم أدمن كل فريق بتوجيه السؤال إلى الفريق الآخر وانتظار الردود من خلال التراسل الخاص بين مسؤولة غروب النساء ومسؤول غروب الرجال، في عملية أعادت لعلياء روائح الزمن الجميل، وأعطتها فرصة جديدة لعودة "أم مصعب".
لم تكن المجموعة متنفسًا لعلياء فقط، فقد وجدت عشرات النساء ضالتهن في ذلك، حيث منحت سريّتها حالة من الأمان لعضواتها، تهتم المجموعة النسائية بالجنس، في المقام الأوّل؛ الجنس في إطاره الشرعي بالتحديد، أي مشاكل العلاقات الحميمة بين الزوجين، و كيفية الوصول بالزوج والزوجة إلى حالة من النشوة، وكيف تمحو أسئلة "الآسك" ما تركته ترسّبات المجتمع المغلق للإسلاميين من آثار على حياة الكثيرين منهم، تسأل آثار، عن حكم الشرع فيما يطلبه من أشياء تراها منافية للطبيعة البشرية، لكن لم ينه عنها القرآن، ولم يرد في ذكرها نصٌ واضح، تجاوبها نساء الـ غروب، أن ما أحله الله فهو حلال، وما حرّمه بيّن وواضح بلا لبس ولا جدال، وعليها إطاعة زوجها فيما يريد، وتلك أخرى، اشتكت من رغبة زوجها في التعدد، وطلبت استشارة مجموعة الرجال، والتعرّف على ردودهم في مشكلتها، حكت الزوجة أنها لم تقصّر، ولم تهمل، ولم تمرض، وجاءتها الردود، زوجك لم يخطئ وقد استعمل فقط حقه.
"نواضر الآيك" للإمام السيوطي، هو المرجع الذي تضعه المجموعة في التعري الخاص بها، وتطلب من الجميع قراءة ما جاء به لمعرفة ما خفي عليهم في أمور الجنس والمتعة، والتأكّد من حلالها وتبيان تحريمها، ليس فقط الكتاب هو ما تقدّمه المجموعة، لكن كذلك حكم قراءة الكتاب، متوفّر بالصفحة الثابتة، كي يمتنع أصحاب دعوات الحرام والحلال.
فتح "إتاخري يا أوختشي" بابا كان مغلقًا، ويحسبه البعض أنه كان سيظلّ مغلقًا للأبد، فهذه زوجة خانت زوجها مع أحد أصدقائه، وتلك تخشى ألا تقيم حدود الله في ظلّ ما تواجهه من إغراءات، وثالثة بعد وفاة زوجها لا تعرف كيف تكتم شعورها بشهوتها المتزايدة، بعد أن جربت الصوم والزهد ولم يفلح معها شيء، كما نالت الأسئلة من الثوابت التي فرضها المجتمع المغلق، نالت الأجوبة أيضًا من البقية الباقية، فقد وضعت قواعد الـ غروب قواعد صارمة للردود، تستدعي الحذف والحظر إذا ما تطاول الأعضاء على السائلة مجهولة الهوية، أو توعدوها بالويل والثبور وعظائم الأمور، قدمت المجموعة دعمًا نفسيًا ومعرفيًا للكثيرات، اللاتي وجدن فيها معينًا شرعيًا يكمّل نواقصهن وبديلًا آمنا عن غروبات الليبراليين التي تدافع عن حقوق الشواذ وتفتح حريّة النقاش في الثوابت والمحرّمات.
على الضفة الأخرى، في المجموعة الذكورية، لا أحد يعرف على وجه الدقّة ماذا يحدث، لكن من الأسئلة المتبادلة والباحثة عن إجابات من غروب النساء، يبدو أن الجنس هو العامل الأوّل فيما يشغل رجال "إتاخر يا برنس..خدني جنبك"، هكذا سموا مجموعتهم، الشكاوى الرجالية لم تختلف كثيرًا، عن شكاوى النساء، لكنها عكست وجهها الآخر، فهذا يريد صكًا يؤكّد لزوجته أن ما يطلبه منها لا يحمل شبهة الحرام، وآخر يشكو من إقباله على الزواج القريب دون سابق خبرة، أما الثالث فهو نموذج من كثيرين يبدأ حديثًا عن التعدّد ولا يغلق بعده أبدًا.