نشرت الجريدة الرسمية للحكومة المصرية، الأربعاء الماضي، قراراً للرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، بتعديل نظام تعيين الضباط والموظفين المدنيين في الأمانة العامة لما يسمى مجلس الدفاع الوطني الذي كان قد صدر قانون بإنشائه في عهد سلفه المؤقت، عدلي منصور، قبيل تولي السيسي منصب رئيس الجمهورية.
بدا القرار عادياً لدرجة تجاهله من قبل وسائل الإعلام المحلية. وهو لم يستحدث أو ينشئ هيئة جديدة بل اقتصر على تعديل يبدو بسيطاً وسيؤثر فقط على العاملين بالأمانة العامة. إلا أن وضع هذا القرار في سياقه التاريخي واستعراض التعديلات السابقة التي أدخلها السيسي على القرار (الذي أصدره هو عام 2014) بتنظيم الأمانة العامة لمجلس الدفاع الوطني، قد يطرح علامات استفهام كثيرة حول العلاقة بين السيسي ووزير دفاعه، صدقي صبحي، وبين مؤسسة الرئاسة ووزارة الدفاع، اللتين تمثلان رأس السلطة الحاكمة.
تعرض "العربي الجديد" المتغيرات التي طرأت على تنظيم هذا المجلس، من واقع القرارات الخاصة بإنشائه وتنظيمه، في ظل السرية الشديدة المفروضة على عمله والعاملين به، ما يجعل من المناسب تسليط الضوء أولاً على ماهية مجلس الدفاع الوطني واختصاصاته ومدى أهميته.
أنشئ مجلس الدفاع الوطني لأول مرة عام 1957 بعد انتهاء العدوان الثلاثي (الفرنسي البريطاني الإسرائيلي) على مصر. وأصدر الرئيس الراحل، جمال عبدالناصر، قرارات عدة بتنظيمه وتحديد اختصاصاته أبرزها كان عام 1968 في فترة حرب الاستنزاف ضد الاحتلال الإسرائيلي. وجعل من بين اختصاصاته دراسة مسائل الدفاع عن الدولة وحالة الاستعداد القتالي، وتحديد احتياجات الجيش وتركيبه التنظيمي، ودراسة حالة الطوارئ، ودراسة مقتضيات تنفيذ التعبئة العامة، ودراسة إنشاء التشكيلات العسكرية الجديدة وتدبير الموارد.
وفي الأربعين عاماً التالية، تراجعت أهمية مجلس الدفاع الوطني، لا سيما بعد توقيع مصر على معاهدة السلام مع إسرائيل، مع أن رئيس الجمهورية ظل يشرف عليه وكان على رأس أمانته العامة. وواصل المجلس عمله بتجميع المعلومات وأدى دور حلقة الوصل بين رئاسة الجمهورية والأجهزة العسكرية، لإعداد التقارير التي يطلب رئيس الدولة عرضها على المجلس لاتخاذ القرارات المهمة.
وشهدت فترتا الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، إرباكاً في عمل مجلس الدفاع الوطني والاستخبارات العامة، إلى حد سيطرة الأخيرة على المجلس إدارياً، خصوصاً مع زيادة الاعتماد على مدير الجهاز الراحل اللواء عمر سليمان (نائب مبارك في ما بعد)، والذي كان معروفاً بصلاحياته الواسعة وسلطاته الكبيرة المخولة من مبارك شخصياً. وظل الوضع على هذا النحو حتى ما قبل انتخاب الرئيس، محمد مرسي، شفيق بأيام معدودة. حينها فاجأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة، المشير حسين طنطاوي، الحكومة والمراقبين بإصدار قرار في 20 يونيو/حزيران 2012، قضى بتشكيل مجلس الدفاع الوطني، أي قبل تولي الرئيس المنتخب المسؤولية بعشرة أيام فقط.
وفسر مراقبون هذا القرار وغيره من القرارات التي أصدرها طنطاوي في تلك الفترة الحرجة، قبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، بأن الأخير كان مدفوعاً بالخوف من أن يأتي الرئيس الجديد المنتخب بقائمة أولويات وسياسات خاصة به، فيسلب الجيش السلطة التي احتكرها منذ سقوط مبارك. وكانت هناك خشية من نقل السلطة الفعلية للمدنيين في ما يتعلق بشؤون الجيش والدفاع، وهي الأمور التي كانت ولا تزال بعيدة تماماً عن الرقابة البرلمانية أو الشعبية، لأن مناقشتها مقتصرة على القيادات العسكرية.
اقــرأ أيضاً
وإمعاناً من طنطاوي والمجلس العسكري في فرض وصاية على الرئيس الجديد المنتخب، نص القرار على تشكيل المجلس من أغلبية عسكرية مطلقة. وفي مواجهة رئيس الجمهورية (الذي كان محتملاً أن يكون مدنياً أو عسكرياً سابقاً) ورئيس مجلس الشعب ورئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير المالية (المدنيين) يوجد كل من: وزير الدفاع ووزير الداخلية ورئيس أركان الحرب، ورئيس الاستخبارات العامة، وقائد القوات البحرية وقائد القوات الجوية وقائد الدفاع الجوي، ومساعد وزير الدفاع المختص ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ورئيس القضاء العسكري، ومدير الاستخبارات الحربية (السيسي آنذاك) والأمين العام وزارة الدفاع.
واعتبر القرار رئيس الجمهورية "مجرد صوت واحد" ضمن الحاضرين، إذ لم يعطه القرار حق ترجيح الرأي إذا انقسم باقي الأعضاء عليه. كما أن القرار كان ينص على أن يكون الأمين العام لوزارة الدفاع، أميناً لسر المجلس، أي أنه من يتولى تحضير الموضوعات وعرضها بما يضمن تحكم وزير الدفاع بشكل كامل فيما يعرض على هذا المجلس، وسيطرته الفعلية عليه.
وانتقدت جماعة الإخوان المسلمين، في ذلك الوقت، تشكيل المجلس على هذا النحو، وتوقيت القرار. واعتبره النائب السابق، عصام العريان، "دليلاً على سوء نية المجلس العسكري". ووصفته بعض صفحات المواقع الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي المؤيدة لـ"الإخوان" بـ"انقلاب عسكري مبكر استباقاً لإعلان فوز مرسي".
وبقي الوضع على ما هو عليه، حتى مطلع عام 2014. وقبيل تولي السيسي الرئاسة، أصدر الرئيس المؤقت، عدلي منصور، قانوناً بإنشاء مجلس الدفاع الوطني وتشكيله وتنظيم أمانته. وعبّرت نصوص القانون (التي وافق عليها السيسي وهو وزير للدفاع) عن توازن في السلطات بين رئيس الجمهورية ووزير الدفاع في إدارة المجلس. وتم تخفيض عدد العناصر العسكرية (المنتظمة بالخدمة) في المجلس بشكل واضح. واستبعد رئيس القضاء العسكري ومساعد وزير الدفاع والأمين العام لوزارة الدفاع، في مقابل الإبقاء على عدد الوزراء التنفيذيين بالعدد نفسه. ومنح القانون رئيس الجمهورية صلاحية إضافية عند التصويت، من خلال تمكينه من ترجيح الجانب الذي يؤيده في القرار عند انقسام عدد الأصوات.
وحافظ القانون على نفس صلاحيات واختصاصات هذا المجلس، مع إضافة اختصاصه بمناقشة موازنة الجيش، على أن يتم ذلك بحضور رئيس هيئة الشؤون المالية للقوات المسلحة ورئيسي لجنتي الخطة والموازنة والدفاع بمجلس النواب، واشتراك هؤلاء الثلاثة في التصويت. ونص القانون على إنشاء أمانة عامة للمجلس برئاسة الأمين العام وعضوية "عدد كاف من الأعضاء من ضباط القوات المسلحة أو غيرهم"، على أن تحدد اختصاصات الأمانة ووظائفها ونظامها بقرار من رئيس الجمهورية بناء على ما يعرضه وزير الدفاع.
وكانت هذه النصوص تشير إلى أن الأمانة العامة للمجلس ستكون تابعة لوزير الدفاع عملياً. وبالفعل أصدر السيسي بعد توليه الرئاسة بشهر واحد، قراراً بتشكيل الأمانة العامة للمجلس، واتخذ قراراً بأن يكون مقرها في وزارة الدفاع ذاتها. وأسند السيسي للأمانة العامة وظائف مهمة تجعلها العقل المدبر لمجلس الدفاع. ومن بين هذه المهمات: إعداد جدول أعمال الجلسات، وتلقي تقارير الوزراء وقادة الجيش المطلوب عرضها على المجلس، وإعداد الدراسات والبحوث والوثائق والمستندات اللازمة للعمل، ومتابعة تنفيذ قرارات المجلس، وحفظ وثائق المجلس ومحاضر الجلسات.
وبحسب قرار السيسي، فإن وزير الدفاع هو من يرشح الأمين العام للمجلس، على أن يصدر قرار جمهوري بتعيينه وبتحديد معاملته المالية، في حين منح وزير الدفاع سلطة تعيين أعضاء الأمانة العامة من ضباط القوات المسلحة، كما تم تفويض هذا الوزير بمفرده في اختيار الضباط الذين سيلحقهم لمعاونة الأمانة العامة في أعمالها. والصورة التي حملها قرار السيسي الصادر في يوليو/ تموز 2014، لا تختلف كثيراً عن التي حملها القانون. ورئيس الجمهورية ووزير الدفاع شريكان في إدارة الأمانة العامة للمجلس، إلا أن الأمانة موجودة بوزارة الدفاع وليست تابعة بأي شكل لرئاسة الجمهورية.
وبناءً على ذلك، رشح وزير الدفاع الأمين العام للمجلس، ثم أصدر قرارات بتعيين أعضاء الأمانة العامة واختيار الضباط الملحقين بها، إذ اختارهم بالفعل في مارس/آذار 2015، من بين العاملين في وزارات الدفاع والخارجية والداخلية والاستخبارات والمالية. إلاّ أن السيسي تدخل بصورة مفاجئة في ديسمبر/كانون الأول 2015، وأجرى تعديلاً واسعاً على قرار تنظيم الأمانة العامة، يتضمن نقلها من وزارة الدفاع إلى رئاسة الجمهورية، وإدراج الاعتمادات المالية الخاصة بها في فرع مستقل بموازنة رئاسة الجمهورية. كما انتزع السيسي من وزير الدفاع سلطة تعيين أعضاء الأمانة العامة. وقرر أن "يصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح فقط من وزير الدفاع" أي أنه لم يشترط موافقته على ذلك. وعلى ضوء ذلك التعديل في ديسمبر 2015، يمكن وصف التعديل الأخير الصادر يوم الأربعاء الماضي بأنه "استبعاد كامل لدور وزير الدفاع في إدارة مجلس الدفاع الوطني".
والقرار الأخير الصادر برقم 512 لسنة 2016، ينتزع من وزير الدفاع سلطة تعيين واختيار ضباط القوات المسلحة الملحقين بالعمل في الأمانة الفنية، ويمنحه للأمين العام الذي أصبح، رسمياً وبموجب التعديل السابق، موظفاً في رئاسة الجمهورية. وبعدما كان وزير الدفاع "مفوضاً" في اختيار هؤلاء، أي له كامل الحرية في تعيينهم، ينص التعديل الأخير على أن "يعيّن الأمين العام عدداً كافياً من ضباط وضباط صف القوات المسلحة وغيرهم في الدرجات الوظيفية دون الدرجة الممتازة، ويلحق بالأمانة العامة عدد كاف من الموظفين المدنيين". كما يمنح التعديل الأخير الأمين العام "سلطة إصدار اللوائح المالية والإدارية اللازمة لتنظيم العمل"، مما يحول المجلس وأمانته العامة إلى إدارة وظيفية بالرئاسة. وتنتفي تماماً الصلة بينها وبين وزارة الدفاع، على الرغم من أن أمانة المجلس، عند إعادة إنشائها عام 2012 ثم تنظيمها قانونياً عام 2014، وكانت فعلياً جزءاً من وزارة الدفاع.
ويطرح هذا التسلسل القانوني لنظام العمل بالمجلس وأمانته العامة تساؤلات عن أسباب استحواذ السيسي عليه أخيراً، وتجريد شريكه، وزير الدفاع صدقي صبحي، من سلطاته الإدارية في هذا الملف. ووفقاً لمصادر حكومية مطلعة فإن نقل السيسي تبعية الأمانة العامة من مجلس الدفاع إلى الرئاسة يشكل "أمراً طبيعياً بالنسبة لرغبة السيسي في أن يدير بنفسه جميع الأجهزة التي يعتمد عليها لصنع القرار السياسي أو العسكري، حتى إذا تعلق الأمر بتجريد وزير الدفاع من بعض صلاحياته الإدارية".
وعرضت المصادر أمثلة عدة لما تصفه بـ"رغبة السيسي في الاستحواذ بالإدارة". وتشير إلى قيامه بتغيير إدارات جهازَي الاستخبارات العامة والرقابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات بالكامل، خلال عامين فقط في الحكم. وقرر الاعتماد على مجموعة من أخلص المقربين له في إدارة هذه الأجهزة الحساسة، مقابل منحها سلطات أكبر على أرض الواقع، ثم إدارة هذه الأجهزة كلها بواسطة مدير مكتبه عباس كامل شخصياً. ونفت المصادر تداول أية معلومات في دوائر السلطة عن حدوث خلافات بين السيسي وصبحي على خلفية هذا الملف، مشددة على أن "المسائل الخاصة بمجلس الدفاع الوطني وأمانته تتعامل معها الدولة كما تتعامل مع شؤون الاستخبارات وجهاز الأمن القومي، وهو ما يصعّب الحصول على أي معلومات عما يحدث بها". وأشارت إلى أن الوزراء المدنيين، أعضاء المجلس، بعيدون أيضاً عن معرفة ما يجري بداخل أمانته العامة أو في وزارة الدفاع، لأن دورهم محدد بحضور الاجتماعات الرسمية والتصويت على القرارات فقط.
بدا القرار عادياً لدرجة تجاهله من قبل وسائل الإعلام المحلية. وهو لم يستحدث أو ينشئ هيئة جديدة بل اقتصر على تعديل يبدو بسيطاً وسيؤثر فقط على العاملين بالأمانة العامة. إلا أن وضع هذا القرار في سياقه التاريخي واستعراض التعديلات السابقة التي أدخلها السيسي على القرار (الذي أصدره هو عام 2014) بتنظيم الأمانة العامة لمجلس الدفاع الوطني، قد يطرح علامات استفهام كثيرة حول العلاقة بين السيسي ووزير دفاعه، صدقي صبحي، وبين مؤسسة الرئاسة ووزارة الدفاع، اللتين تمثلان رأس السلطة الحاكمة.
تعرض "العربي الجديد" المتغيرات التي طرأت على تنظيم هذا المجلس، من واقع القرارات الخاصة بإنشائه وتنظيمه، في ظل السرية الشديدة المفروضة على عمله والعاملين به، ما يجعل من المناسب تسليط الضوء أولاً على ماهية مجلس الدفاع الوطني واختصاصاته ومدى أهميته.
وفي الأربعين عاماً التالية، تراجعت أهمية مجلس الدفاع الوطني، لا سيما بعد توقيع مصر على معاهدة السلام مع إسرائيل، مع أن رئيس الجمهورية ظل يشرف عليه وكان على رأس أمانته العامة. وواصل المجلس عمله بتجميع المعلومات وأدى دور حلقة الوصل بين رئاسة الجمهورية والأجهزة العسكرية، لإعداد التقارير التي يطلب رئيس الدولة عرضها على المجلس لاتخاذ القرارات المهمة.
وشهدت فترتا الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، إرباكاً في عمل مجلس الدفاع الوطني والاستخبارات العامة، إلى حد سيطرة الأخيرة على المجلس إدارياً، خصوصاً مع زيادة الاعتماد على مدير الجهاز الراحل اللواء عمر سليمان (نائب مبارك في ما بعد)، والذي كان معروفاً بصلاحياته الواسعة وسلطاته الكبيرة المخولة من مبارك شخصياً. وظل الوضع على هذا النحو حتى ما قبل انتخاب الرئيس، محمد مرسي، شفيق بأيام معدودة. حينها فاجأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة، المشير حسين طنطاوي، الحكومة والمراقبين بإصدار قرار في 20 يونيو/حزيران 2012، قضى بتشكيل مجلس الدفاع الوطني، أي قبل تولي الرئيس المنتخب المسؤولية بعشرة أيام فقط.
وفسر مراقبون هذا القرار وغيره من القرارات التي أصدرها طنطاوي في تلك الفترة الحرجة، قبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، بأن الأخير كان مدفوعاً بالخوف من أن يأتي الرئيس الجديد المنتخب بقائمة أولويات وسياسات خاصة به، فيسلب الجيش السلطة التي احتكرها منذ سقوط مبارك. وكانت هناك خشية من نقل السلطة الفعلية للمدنيين في ما يتعلق بشؤون الجيش والدفاع، وهي الأمور التي كانت ولا تزال بعيدة تماماً عن الرقابة البرلمانية أو الشعبية، لأن مناقشتها مقتصرة على القيادات العسكرية.
وإمعاناً من طنطاوي والمجلس العسكري في فرض وصاية على الرئيس الجديد المنتخب، نص القرار على تشكيل المجلس من أغلبية عسكرية مطلقة. وفي مواجهة رئيس الجمهورية (الذي كان محتملاً أن يكون مدنياً أو عسكرياً سابقاً) ورئيس مجلس الشعب ورئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير المالية (المدنيين) يوجد كل من: وزير الدفاع ووزير الداخلية ورئيس أركان الحرب، ورئيس الاستخبارات العامة، وقائد القوات البحرية وقائد القوات الجوية وقائد الدفاع الجوي، ومساعد وزير الدفاع المختص ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ورئيس القضاء العسكري، ومدير الاستخبارات الحربية (السيسي آنذاك) والأمين العام وزارة الدفاع.
واعتبر القرار رئيس الجمهورية "مجرد صوت واحد" ضمن الحاضرين، إذ لم يعطه القرار حق ترجيح الرأي إذا انقسم باقي الأعضاء عليه. كما أن القرار كان ينص على أن يكون الأمين العام لوزارة الدفاع، أميناً لسر المجلس، أي أنه من يتولى تحضير الموضوعات وعرضها بما يضمن تحكم وزير الدفاع بشكل كامل فيما يعرض على هذا المجلس، وسيطرته الفعلية عليه.
وانتقدت جماعة الإخوان المسلمين، في ذلك الوقت، تشكيل المجلس على هذا النحو، وتوقيت القرار. واعتبره النائب السابق، عصام العريان، "دليلاً على سوء نية المجلس العسكري". ووصفته بعض صفحات المواقع الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي المؤيدة لـ"الإخوان" بـ"انقلاب عسكري مبكر استباقاً لإعلان فوز مرسي".
وبقي الوضع على ما هو عليه، حتى مطلع عام 2014. وقبيل تولي السيسي الرئاسة، أصدر الرئيس المؤقت، عدلي منصور، قانوناً بإنشاء مجلس الدفاع الوطني وتشكيله وتنظيم أمانته. وعبّرت نصوص القانون (التي وافق عليها السيسي وهو وزير للدفاع) عن توازن في السلطات بين رئيس الجمهورية ووزير الدفاع في إدارة المجلس. وتم تخفيض عدد العناصر العسكرية (المنتظمة بالخدمة) في المجلس بشكل واضح. واستبعد رئيس القضاء العسكري ومساعد وزير الدفاع والأمين العام لوزارة الدفاع، في مقابل الإبقاء على عدد الوزراء التنفيذيين بالعدد نفسه. ومنح القانون رئيس الجمهورية صلاحية إضافية عند التصويت، من خلال تمكينه من ترجيح الجانب الذي يؤيده في القرار عند انقسام عدد الأصوات.
وحافظ القانون على نفس صلاحيات واختصاصات هذا المجلس، مع إضافة اختصاصه بمناقشة موازنة الجيش، على أن يتم ذلك بحضور رئيس هيئة الشؤون المالية للقوات المسلحة ورئيسي لجنتي الخطة والموازنة والدفاع بمجلس النواب، واشتراك هؤلاء الثلاثة في التصويت. ونص القانون على إنشاء أمانة عامة للمجلس برئاسة الأمين العام وعضوية "عدد كاف من الأعضاء من ضباط القوات المسلحة أو غيرهم"، على أن تحدد اختصاصات الأمانة ووظائفها ونظامها بقرار من رئيس الجمهورية بناء على ما يعرضه وزير الدفاع.
وكانت هذه النصوص تشير إلى أن الأمانة العامة للمجلس ستكون تابعة لوزير الدفاع عملياً. وبالفعل أصدر السيسي بعد توليه الرئاسة بشهر واحد، قراراً بتشكيل الأمانة العامة للمجلس، واتخذ قراراً بأن يكون مقرها في وزارة الدفاع ذاتها. وأسند السيسي للأمانة العامة وظائف مهمة تجعلها العقل المدبر لمجلس الدفاع. ومن بين هذه المهمات: إعداد جدول أعمال الجلسات، وتلقي تقارير الوزراء وقادة الجيش المطلوب عرضها على المجلس، وإعداد الدراسات والبحوث والوثائق والمستندات اللازمة للعمل، ومتابعة تنفيذ قرارات المجلس، وحفظ وثائق المجلس ومحاضر الجلسات.
وبحسب قرار السيسي، فإن وزير الدفاع هو من يرشح الأمين العام للمجلس، على أن يصدر قرار جمهوري بتعيينه وبتحديد معاملته المالية، في حين منح وزير الدفاع سلطة تعيين أعضاء الأمانة العامة من ضباط القوات المسلحة، كما تم تفويض هذا الوزير بمفرده في اختيار الضباط الذين سيلحقهم لمعاونة الأمانة العامة في أعمالها. والصورة التي حملها قرار السيسي الصادر في يوليو/ تموز 2014، لا تختلف كثيراً عن التي حملها القانون. ورئيس الجمهورية ووزير الدفاع شريكان في إدارة الأمانة العامة للمجلس، إلا أن الأمانة موجودة بوزارة الدفاع وليست تابعة بأي شكل لرئاسة الجمهورية.
وبناءً على ذلك، رشح وزير الدفاع الأمين العام للمجلس، ثم أصدر قرارات بتعيين أعضاء الأمانة العامة واختيار الضباط الملحقين بها، إذ اختارهم بالفعل في مارس/آذار 2015، من بين العاملين في وزارات الدفاع والخارجية والداخلية والاستخبارات والمالية. إلاّ أن السيسي تدخل بصورة مفاجئة في ديسمبر/كانون الأول 2015، وأجرى تعديلاً واسعاً على قرار تنظيم الأمانة العامة، يتضمن نقلها من وزارة الدفاع إلى رئاسة الجمهورية، وإدراج الاعتمادات المالية الخاصة بها في فرع مستقل بموازنة رئاسة الجمهورية. كما انتزع السيسي من وزير الدفاع سلطة تعيين أعضاء الأمانة العامة. وقرر أن "يصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح فقط من وزير الدفاع" أي أنه لم يشترط موافقته على ذلك. وعلى ضوء ذلك التعديل في ديسمبر 2015، يمكن وصف التعديل الأخير الصادر يوم الأربعاء الماضي بأنه "استبعاد كامل لدور وزير الدفاع في إدارة مجلس الدفاع الوطني".
ويطرح هذا التسلسل القانوني لنظام العمل بالمجلس وأمانته العامة تساؤلات عن أسباب استحواذ السيسي عليه أخيراً، وتجريد شريكه، وزير الدفاع صدقي صبحي، من سلطاته الإدارية في هذا الملف. ووفقاً لمصادر حكومية مطلعة فإن نقل السيسي تبعية الأمانة العامة من مجلس الدفاع إلى الرئاسة يشكل "أمراً طبيعياً بالنسبة لرغبة السيسي في أن يدير بنفسه جميع الأجهزة التي يعتمد عليها لصنع القرار السياسي أو العسكري، حتى إذا تعلق الأمر بتجريد وزير الدفاع من بعض صلاحياته الإدارية".
وعرضت المصادر أمثلة عدة لما تصفه بـ"رغبة السيسي في الاستحواذ بالإدارة". وتشير إلى قيامه بتغيير إدارات جهازَي الاستخبارات العامة والرقابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات بالكامل، خلال عامين فقط في الحكم. وقرر الاعتماد على مجموعة من أخلص المقربين له في إدارة هذه الأجهزة الحساسة، مقابل منحها سلطات أكبر على أرض الواقع، ثم إدارة هذه الأجهزة كلها بواسطة مدير مكتبه عباس كامل شخصياً. ونفت المصادر تداول أية معلومات في دوائر السلطة عن حدوث خلافات بين السيسي وصبحي على خلفية هذا الملف، مشددة على أن "المسائل الخاصة بمجلس الدفاع الوطني وأمانته تتعامل معها الدولة كما تتعامل مع شؤون الاستخبارات وجهاز الأمن القومي، وهو ما يصعّب الحصول على أي معلومات عما يحدث بها". وأشارت إلى أن الوزراء المدنيين، أعضاء المجلس، بعيدون أيضاً عن معرفة ما يجري بداخل أمانته العامة أو في وزارة الدفاع، لأن دورهم محدد بحضور الاجتماعات الرسمية والتصويت على القرارات فقط.