مجزرة الغوطة: حقوقيون لم ييئسوا من الأمل بالعقاب

22 اغسطس 2014
المطالبة بالمحاسبة مستمرة (خليل مزراوي/فرانس برس/yGett)
+ الخط -
تجاوزت المنظّمات الحقوقيّة، بعد مرور عام على مجزرة الغوطة الشرقيّة في ريف دمشق، مسألة استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي، المحرّم دولياً، كما لم يتمكّن مجلس الأمن الدولي بعد، برغم ثبوت الأدلّة على استخدام غاز السارين بشكل موسّع، من إصدار أي قرار، يتضمّن إدانة النظام السوري.

لا يعكس غضّ النظر عن محاسبة النظام السوري على استخدام الكيماوي، بعد موافقته على تسليم ترسانته من "الكيمياوي"، تقصيراً من الجهات الحقوقية والدوليّة المعنيّة، بقدر ما يرتبط باستخدام النظام ذاته أسلحة أخرى، على نطاق واسع، بات أكيداً أن ضررها على المدنيين أشدّ من واقعة "الكيماوي".

يلتصق الحديث عن "كيماوي" الغوطة اليوم ببراميل الموت المتفجّرة، التي تحصد أرواح المئات من المدنيين. طالب مجلس الأمن الدولي، في قرار أصدره في فبراير/شباط الماضي، بالكفّ عن "الاستخدام العشوائي للأسلحة" في المناطق المدنيّة، بما في ذلك البراميل المتفجّرة، لكن القرار بقي حبراً على ورق. يندّد الحقوقيون والناشطون بارتفاع عدد ضحايا البراميل المتفجّرة، منذ إصدار القرار الدولي المذكور.

تقول الباحثة في الشأنين اللبناني والسوري في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، لمى فقيه، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تحرّك مجلس الأمن، على خلفيّة استخدام السلاح "الكيماوي" أمر جيّد، وتخلّي سورية عن مخزونها أمر جيد أيضاً، لكنّ هناك انتهاكات أخرى بأسلحة أخرى، تُستخدم يومياً". من هنا، ترى أنّه بات لزاماً اليوم، الانتقال إلى مرحلة ما بعد "خط الكيماوي الأحمر": "مجلس الأمن مطالب بخطوات مماثلة إضافيّة، فالسوريون يموتون يومياً من جراء استخدام البراميل المتفجّرة".

تقتل البراميل المتفجّرة السوريين يومياً، لكنّ المطالبة بتحرّك المجتمع الدولي لإدانة النظام بشأن استخدامها، لا تبرّر السكوت عن تقاعسه في محاسبة المتورطين بمجزرة الغوطة الشرقيّة. وشهد العالم، قبل عام من اليوم، استخداماً موثّقاً للأسلحة الكيميائية، وصفته "هيومن رايتس ووتش" حينها بأنّه "الاستخدام الموسّع الأوّل، منذ استخدمت حكومة العراق الأسلحة الكيميائية على المدنيين الأكراد العراقيين في حلبجة قبل خمسة وعشرين عاماً". قتل أكثر من ألف مدني، غالبيتهم من الأطفال والنساء، في الحادي والعشرين من أغسطس/آب الماضي في ريف دمشق. أكّدت "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير أصدرته في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي، أنّ الأدّلة المتوفرة لديها، توحي بقوة، بأن القوات النظامية السورية، مسؤولة عن هجمات بالأسلحة الكيماوية على بلدتين في محافظة ريف دمشق في 21 أغسطس/آب 2013.

وقالت إنّ "الهجمات التي قتلت مئات المدنيين وبينهم العديد من الأطفال، يبدو أنها تمّت باستخدام غاز أعصاب على درجة سلاح، يُرجح أنه غاز سارين". توضح فقيه، التي ساهمت في إعداد تقرير "هيومن رايتس ووتش"، أن "كلّ الأدلّة التي توفّرت لدينا، من نوعيّة السلاح وطريقة استخدامه، والهجوم على المنطقة المستهدفة، والأعراض التي ظهرت على الضحايا، تؤكّد أنّ الحكومة تقف وراء المجزرة".

تذكّر فقيه بتحرّك المجتمع الدولي بعد المجزرة، بدءاً من إجبار الحكومة السورية على الاعتراف بمخزونها الكيميائي، وصولاً إلى تخليها عنه. تبدي فقيه، مراراً، أسفها الشديد، للفشل في محاسبة المسؤولين عن المجزرة أو التحقيق بشأنها، رغم أن استخدام الأسلحة الكيمائية يُعدّ خرقاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني.

تشير إلى أن "هيومن رايتس ووتش"، وبالشراكة مع مائة منظّمة دوليّة ومحليّة، رفعت رسالة الى مجلس الأمن، طالبت فيها بتحويل النظام السوري إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة، لـ"التحقيق ومحاسبة المسؤولين السوريين عن الانتهاكات خلال أكثر من ثلاث سنوات". وتعود، مرة جديدة، لتبدي أسفها، بشأن معارضة كل من روسيا والصين لصدور أي قرار يدين سورية.

لا يدفع عجز مجلس الأمن الدولي عن التحرّك لمحاسبة المرتكبين، المنظمات الحقوقيّة إلى اليأس من إمكانية إحقاق العدالة. تشدّد فقيه على أنّ الناشطين الحقوقيين، كما أهالي ضحايا مجزرة الغوطة، يأملون بمحاسبة المجرمين. وتقول في هذا الصدد "نتواصل مع عدد من عائلات الضحايا. بعضهم يتمسّك بأمل معاقبة المتورطين، لكنّ حياة البعض الآخر، تدمّرت". أكثر من ذلك، تفيد فقيه بأن معاناة بعض العائلات مستمرة. تتحدّث عن أمراض يعانيها مدنيون ويُعتقد أنّها مرتبطة بتنشّقهم كميات من الغاز المستخدم، مؤكدة أنّ نتائج استخدام "الكيماوي" مستمرة.
المساهمون