مجزرة الغوطة.. ثلاث سنوات والغازات السامة تخنق سورية

21 اغسطس 2016
هؤلاء أيضاً يحفظون "السارين" و"الكلورين" (عبد دوماني/ فرانس برس)
+ الخط -

21 أغسطس/ آب 2013 - 21 أغسطس/ آب 2016. ثلاث سنوات على مجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام السوري في الغوطة الشرقية لدمشق، مخلّفة ألفاً و127 قتيلاً مدنياً سورياً، من بينهم 201 امرأة و101 طفل فيما جُرح المئات وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان.

هذا التاريخ بالنسبة إلى السوريين، نقطة تحوّل مهمة في مسار الثورة السورية، إذ أدركوا وكذلك العالم، استعداد النظام للقيام بأيّ شيء في سبيل استمراره. ثلاث سنوات مرّت، إلا أنّ السوريين ما زالوا قلقين، لا يشعرون بأنّهم في منأى عن خطر الغازات السامة، ويتوقّعون التعرّض لها في أي لحظة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. وهذا ما دفع عدداً كبيراً من الناشطين ومتطوعي الدفاع المدني إلى تنظيم حملات توعية مستمرة حول طرق الإسعاف والوقاية من تلك الغازات. ولعلّ أبرز ما يزيد من تخوفات السوريين هو عدم التحرّك بجدية في اتجاه محاكمة مرتكبي هذه الانتهاكات ومحاسبتهم، وهو ما يفسره كثيرون بأنّه تهاون في أرواح السوريين طالما أنّ هذه الأسلحة لا تستعمل ضد دول أخرى.

غاز السارين

رجّحت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ومنظمات أخرى تُعنى بالمجال الطبي، أن يكون غاز السارين هو الذي استخدم في مجزرة غوطة دمشق. يقول غسان محمد وهو صيدلاني متخصص في علم السموم، إنّ "السارين من أكثر الغازات السامة خطورة، ويصيب العشرات والمئات من دون أن يشعروا بوجوده قبل الإصابة، إذ هو عديم الرائحة واللون". يضيف أنّ الناس "لا يلاحظونه إلا بعد ظهور الأعراض العصبية على أناس آخرين. فيعاني المصاب من تشنجات لا إرادية في البطن والأطراف وحركة العين، بالإضافة إلى ضيق في التنفس قد يصل إلى حد الاختناق، بحسب تركّز المادة في جسم الإنسان". ويتابع أنّ "المصابين يقضون اختناقاً من جرّاء هذا الغاز، بسبب تقلّص عضلات الحجاب الحاجز، الأمر الذي يوقف عملية الشهيق والزفير في الرئتين ويؤدّي إلى نقص مميت في الأكسجين في جسم المصاب".

ويوضح محمد أنّ "أوّل ما يجب فعله عند الشكّ في احتمال حدوث هجوم بغاز سام في الجوّ، هو تغطية كل أجزاء الجسم بالملابس، إذ تمتصّه مسام الجلد. وكذلك لا بدّ من التنفّس من خلال كمّامة مبلولة بالماء". أمّا عن العلاج، فيشير إلى أنّ "ثمّة ترياقاً يُبطل تأثير مادة السارين على العضلات، لكنّه قليلاً ما يتوفّر، إذ تقع هذه الهجمات بطريقة غير متوقعة ولا يتسنّى للطواقم الطبية التعرّف على المادة السامة في الوقت المطلوب".

وعن آلية تأثير السارين على جسم الإنسان، يقول محمد: "يمكننا تلخيصها ببساطة في أنّها تؤثّر على النواقل العصبية التي تعيد العضلات إلى وضعية الراحة، ما يسبّب حركة مستمرة فيها". ويلفت إلى "ضرورة تهوية الأماكن المغلقة لأيام عدّة قبل المكوث فيها، بعد حوادث إلقاء الغازات السامة في منطقة ما. كذلك، لا بدّ من تجنّب الشرب أو الاستحمام من خزانات المياه المكشوفة".

من جهته، يشير حسام وهو متطوّع في الهلال الأحمر السوري سبق وتدرّب على إنقاذ السكان من الغازات السامة، إلى أنّه "في حال الشكّ في هجوم بغاز السارين من خلال ملاحظة إلقاء قنابل غريبة أو ملاحظة أعراض على أشخاص آخرين، لا بدّ من وضع قناع واق على الفور أو كمامة أو تغطية الأنف بقطعة قماش مبلولة. وعلى الجميع أن يهربوا من الأماكن المغلقة، ليس إلى الشوارع بل إلى الأماكن المرتفعة كأسطح المنازل أو التلال المرتفعة". ويشدّد على "ضرورة عدم التردد في الهروب في هذه الحالات، لأنّ بضع لحظات قد تحدث فرقاً بين حياة الشخص وموته".

ويشرح حسام طرق مساعدة المصاب وإسعافه، قائلاً: "يجب أولاً اتخاذ الإجراءات الكافية لإيقاف دخول المادة إلى جسمه، عبر سحبه إلى مكان مرتفع ومفتوح من دون ملامسته، ثم تمزيق ملابسه ووضعها في أكياس بلاستيكية مغلقة. بعدها، نغسل جسمه بالماء والصابون الذي يساعد في تعطيل تأثير هذه المادة، بالإضافة إلى غسل العينين. هكذا نصبح قادرين على نقله إلى أقرب نقطة طبيّة". ويلفت إلى "ارتفاع مستوى المعرفة لدى السوريين عقب الهجمات التي طاولت ريف دمشق، خصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، إذ يحتفظ عدد كبير من السوريين بكمامات وقائية في منازلهم، صُنعت محلياً".




غاز الكلورين

لم يتردّد النظام السوري في استخدام غاز الكلور أو "الكلورين" خلال هجومه على مدن وبلدات عديدة، لا سيما في الهجوم الأخير الذي شنّه على بلدة سراقب في ريف مدينة إدلب (شمال) للمرة الرابعة، الأمر الذي تسبّب في إصابة نحو 24 شخصاً من المدينة.

ويرى محللون أنّ المجتمع الدولي تهاون في السماح للنظام السوري باستخدام غاز الكلور، خصوصاً أنّ المواد والأسلحة الكيماوية التي نُقلت إلى خارج سورية لتدميرها في إطار عمل منظمة الحدّ من الأسلحة الكيماوية، لم تشمل هذا الغاز. فيقول طبيب الأعصاب محمد الطيب إنّ "الهجوم بغاز الكلورين يختلف عن غيره، إذ إنّ أبخرته تكون ذات لون مائل إلى الأصفر أو الأخضر. لكنّ النظام السوري استخدم غالباً أسلحة تمزج بين المواد المتفجرة والكلورين، كأن يضعه في البراميل المتفجرة، وهو ما يصعّب على السكان تمييز أبخرته بسبب دخان المواد المتفجرة، خصوصاً أنّ هذا الغاز يزيد من حدّة انفجار المواد الأخرى، ويتبدّد لونه مع انتشاره في الهواء".

ويوضح الطيب أنّ "الكلورين يتركّز في الجهاز التنفسي لدى المصاب، ويأتي تأثيره على شكل شعور بضيق شديد في التنفّس. كذلك يظهر سيلاناً من الأنف وحرقة في العينَين مع إفراز شديد للدموع، وقد يحدث تقيؤ. وفي حالات أشدّ، يحدث اختناق وتتوقّف عضلة القلب". وعن الإجراءات الطبيّة الممكن اتباعها لإنقاذ حياة المصابين، يقول الطيب إنّ ذلك يأتي بحسب شدة الإصابة. وتتركز جهود المسعف على وقف تعرّض المصاب لكميات إضافية من الكلورين، فيما تتركز جهود الطبيب على ضمان وصول الأكسجين إلى رئتَيه وإنقاذ الوظيفة التنفسية ومعالجة التهابات العينَين. وذلك من خلال تزويده بالستيرويدات والأدوية الموسّعة للقصبات بهدف تحسين أداء الرئتين". ويشير إلى أنّ "هذا الغاز الذي غالباً ما يخلّف إصابات كثيرة، إلا أنّ نسبة الوفيات الناجمة عنه تكون أقلّ من تلك التي يتسبب فيها السارين. ففرصة إنقاذ المصاب به أكبر".

إلى ذلك، يوضح حسام أنّه "من غير الصعب تمييز الإصابات بغاز الكلور، إذ إنّ كل أعراضها تنفسية. كذلك فإنّ الناس يعرفون بمعظمهم رائحة هذا المركّب الذي يستخدم في التنظيف، بنسب منخفضة، وهم قادرون على تمييزها". وينصح ببعض الخطوات من قبيل "الخروج إلى مكان مرتفع للتقليل من حدّة التعرّض له، وخلع الملابس عبر تمزيقها أو تمرريها خارج الجسم نحو الأسفل حتى نتجنب استنشاق كميات إضافية، ووضعها في أكياس بلاستيكية مغلقة، بالإضافة إلى غسل الجسم والعينَين بالماء والصابون". ويتابع حسام: "في حال ظهور أعراض الإصابة على شخص ما، يقوم المسعف أو من في الجوار، بمساعدته على تنفيذ الإجراءات السابقة، ثم مراقبة تنفسه، واللجوء إلى التنفس الاصطناعي في حال توقّفه، أو تزويده بالأكسجين في حال توفّر".

ويلفت حسام إلى أنّ "في هجمات الكلور، تلاحَظ إصابات في مناطق بعيدة نسبياً عن موقع الهجوم، لأنّه ينتقل مسافات بعيدة في الهواء. كذلك يلاحَظ أنّ هذه الهجمات تكون أكثر في الشتاء وفي الأيام غير المشمسة، لأنّ أشعة الشمس تبطل مفعول هذا المركّب وتفككه وتساعد على التخفيف من أضراره".

حالات موثّقة وأرقام

وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 169 حادثة استخدام للأسلحة الكيماوية في سورية، منذ أوّل حادثة في 23 ديسمبر/ كانون الأول 2012 استهدفت حيّ البياضة في حمص، وحتى منتصف آذار/ مارس 2016. ارتكب النظام السوري 167 حادثة منها، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حادثتَين. وأشارت الشبكة إلى أنّ 134 هجمة بالغازات السامة وقعت بعد صدور القرار 2118 الخاص بنزع السلاح الكيماوي في سورية، و33 هجمة قبله. إلى ذلك، بيّنت الشبكة أنّ 97 في المائة من الحوادث وقعت في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة السورية، في ريف إدلب ودمشق وريفها وريف حماه بالإضافة إلى حلب وحمص ودرعا، فيما وقعت ثلاث في المائة منها في مناطق تخضع لسيطرة "داعش".