يخضع الصحافي مجد كيال (23 عاماً)، من مواليد حيفا، للحبس المنزلي في بيته الكائن بحيّ الحليصة في حيفا، لمدة خمسة أيام، بعدما أطلقت السلطات الإسرائيلية سراحه، مساء الخميس، بشروط، وذلك بعد اعتقال وتحقيق دام 6 أيام في طريق عودته من بيروت، حيث شارك في احتفالات أربعينية صحيفة "السفير" اللبنانية.
وبالإضافة إلى الحبس المنزلي، فرضت عليه المحكمة قيوداً عدة، منها المنع من استخدام الانترنت لمدة 21 يوماً، والمنع من التواصل مع زملائه في لبنان من دون تحديد المدة، والمنع من التواصل مع أي شخص خارج البلاد، والسفر طبعاً. كما صادرت الشرطة جميع أجهزة الكمبيوتر التي يملكها هو وأفراد عائلته.
كل ما فعله مجد، كان علناً ومكشوفاً للجميع: قرر اجتياز الحدود، والذهاب مباشرة إلى بيروت. زيارتها كانت حلماً عند الشاب. يعترف كيال، في حديث مع "العربي الجديد"، بأنه لم يشعر بالغربة بتاتاً في بيروت، لكن الغربة تلقفته في بلاده عند العودة، حين اعتقلوه على المعبر الحدودي عند جسر الشيخ حسن. ويقول عن ذلك "كبلوني وعصبوا عيني واقتادوني إلى بيت أهلي في حيفا. عاثوا في البيت خراباً وفساداً، صادروا أجهزة الكمبيوتر في المنزل، ثم رموني في زنزانة مغلقة من دون شباك أو سرير، لا ضوء يدخلها، لكنهم وضعوا فيها ضوءاً أصفر وقوي طيلة ساعات النهار والليل، حتى فقدت الإحساس بالوقت، كما جرى التحقيق معي بشكل مكثف ولساعات طويلة".
ويوضح كيال أنه مُنع من لقاء محاميه لأربعة أيام متواصلة، بموازاة حظر نشر أمر الاعتقال، وسببه. ويتابع "تناول التحقيق معي قضايا كثيرة متنوعة ومختلفة؛ عن عملي في صحيفة السفير، عن سفري إلى خارج البلاد، وعن نشاطي السياسي، حتى إن التحقيق لم يخل من أسئلة استفزازية، وأخرى نفسية، مثل: من هي الشخصية المحورية في حياتي، من التقيت في لبنان، وهل تم تجنيدي لحزب الله، هل نقلت معلومات لأحد، وسؤال بطبيعة الحال عن مشاركتي قبل ثلاثة أعوام في أسطول الحرية الثاني عام 2011 لكسر الحصار المفروض على غزة، وسؤال عن زيارتي للمغرب عام 2008".
جواز سفر فلسطيني لدخول بيروت
بدأت الحكاية عندما تلقى كيال، الذي يكتب لـ"السفير العربي" منذ عامين، دعوة من الصحيفة البيروتية للاشتراك في احتفالية 40 عاماً على تأسيسها، والمشاركة بندوة. قرّر كيال تلبية الدعوة، فـ"نادرة هي الفرص التي تتوفر لك لتحقيق حلم عربي كزيارة عاصمة بهيبة بيروت"، على حد تعبيره. توجه كيال الى وزارة الثقافة الفلسطينية في السلطة الوطنية، وحاز على جواز سفر فلسطيني مؤقت بمثابة تأشيرة دخول لكي يتسنى له الوصول الى بيروت.
شارك كيال عبر صفحته على "الفايسبوك"، طيلة فترة مكوثه في بيروت، رفاقه وأصدقاءه في البلاد بتفاصيل رحلته. شفافية كيال هذه، ساعدته لاحقاً على دحض ادعاءات الشرطة والمخابرات الإسرائيلية. ومع أن القضية لم تنتهِ بعد، إلا أن رسائل كيال عبر "الفايسبوك"، أفرغت ادعاءات الشرطة والمخابرات من مضمونها، فتمكن محاموه من رفع حظر النشر عن قضيته بدايةً، ومن ثم، وبعد ساعات، الإفراج عنه، وإن تمّ وضعه في الحبس المنزلي.
لم تنتهِ قضية مجد كيال بعد، فأمر الحبس المنزلي متواصل، والملف ضده لم يغلق، لكن تعليقات الصحف العبرية وتسريبات لصحيفة "هآرتس" أشارت إلى أن الملف ضد كيال "ضعيف للغاية، ولن يصمد، فكثير من الصحافيين الإسرائيليين زاروا عواصم عربية ولم يتم اتهامهم بزيارة بلاد العدو، وإن كان الحال هنا يختلف".
وتعليقاً على هذه التسريبات، يعلّق مجد قائلاً إن "لبنان ليس دولة عدوة بالنسبة لي". ويصف كيال شعوره، عندما وطأت قدماه أرض بيروت، بالقول "كانت صدمة حياتي، حلماً تحقق. فلبنان بلد مثير جداً ذهنياً أكثر من كونه جميلاً. لا غربة في بيروت، لافتات الأماكن التجارية تحمل الأسماء نفسها الموجودة عندنا في فلسطين".
وعن مشاركته رفاقه وأصدقاءه في الداخل، بتفاصيل رحلته اللبنانية، يشير إلى أن هناك أهمية كبرى في هذه المشاركة، "لأن على الناس أن تدرك وتفهم بأن هذه الأمور ممكنة ومتوفرة. هذا موضوع يجب أن نفتخر به وألا نخبئه. إنه امتداد لتواصل حضاري ثقافي، والواقع الإسرائيلي لا ينطبق علي، فأنا عربي فلسطيني فُرض علي جواز السفر الإسرائيلي، ومن غير المنطقي أن أقبل بتصنيف لبنان كبلد عدو، هذا غباء". من هنا، يلفت إلى أن طريقة السفر الى بيروت "يجب ألا تكون مرهونة بموافقة إسرائيلية، ولا يجب أن تخضع لحسابات إسرائيلية، ونحن لا نقبل أن تحدِّد لنا إسرائيل الى أين نذهب ونسافر، فنحن كفلسطينيين يجب أن نسافر وندخل بوثائق فلسطينية".
ويكشف كيال أن بيروت هي المدينة التي شكلت الوعي الشخصي له ولكثيرين غيره، فمنذ الطفولة، "تبلورت شخصيتي وأنا أسمع وأقرأ عن شخصيات ورموز فلسطينينة عاشت فيها، من غسان كنفاني وناجي العلي وصمود ياسر عرفات والخروج من بيروت".