مجدي أبو طاقية "فنان المصغرات"

13 مايو 2018
خلال عمله (إيمان عبد الكريم)
+ الخط -


لم يخطر في بال الغزيّين أنّ الرصاص الذي دائماً ما سبب لهم المآسي والحزن والموت، سيكون يوماً عملاً فنيّاً يبعث إلى العالم رسائل حب وسلام. في مخيّم النصيرات، وسط قطاع غزة، وفي منزله المتواضع، يعمل مجدي أبو طاقية (38 عاماً)، على تحويل طلقات الرصاص وقنابل الغاز التي يخلفها جنود الاحتلال الإسرائيلي إلى مجسمات فنية صغيرة، ينحتها بيديه وبأقل الإمكانيات. فنّه يُعرف بـ"فن المصغرات"، وهو الوحيد الذي يُتقنه في قطاع غزة. ينحت العديد من المجسمات الصغيرة، ولكلّ منها رسالة وهدف، إذ يسعى إلى إيصال بعض مما يعانيه الغزيون بشكل خاص والفلسطينيون بشكل عام.

على طاولته البسيطة في إحدى زوايا منزله، يمكن رؤية تحف فنية صغيرة ومختلفة. تجد بندقية ثائر من فدائيي الثورة قديماً، وطائرة أف 16 للاحتلال الإسرائيلي، وكاميرا ودرع صحافي، وبعض التفاصيل التي ترمز إلى الهوية الفلسطينية. صنع بابور كاز وإبريق شاي ومنجلاً وسيفاً ومفتاح العودة وشجرة زيتون، وغيرها من المجسمات الصغيرة.

بدأ مجدي الاهتمام بفن المصغرات قبل بضعة أشهر فقط، لكنّه يهوى تشكيل التحف الفنية منذ كان مراهقاً. ولطالما اهتمت والدته بفنّه وشجعته على الاستمرار. يقول لـ"العربي الجديد": "اكتشفت موهبتي قبل عشرين عاماً. كنتُ أتخيّل الأشكال بعد نحتها على الحجارة، وأصنع سلاسل من الرصاص الصغير، وخريطة فلسطين من الحجر".

من مصغّراته (إيمان عبد الكريم) 

بعد إحالته إلى التقاعد قبل أشهر، فكّر مجدي بالخوض في مجال المصغرات بعدما تعمّق في فهمه واكتشاف أسراره، عن طريق متابعة بعض الفنانين على صفحات التواصل الاجتماعي والإنترنت. يؤكّد مجدي المتزوج والمعيل لثلاثة أطفال، أن لفن المصغرات عشاقه حول العالم. ويقول: "استخدامي الرصاص الذي يطلقه الجيش الإسرائيلي لإصابة أو قتل أبناء شعبي أوحى لي باستخدامه لعكس ما يفعله. حوّلت هذا الرصاص القاتل إلى قطع فنية تحمل رسائل حب وسلام". يتابع مجدي: "المصغرات هي مجسمات صغيرة جداً قد تكون بحجم الإصبع أو أقل، وتحتاج إلى مهارة ودقة عالية في التصنيع وليس إلى الدراسة. تتحقق من خلال حبّنا للتفاصيل، وهي وسيلة لإيصال الرسالة الفلسطينية الواضحة بأسلوب حديث".

زوجته تساعده أحياناً (إيمان عبد الكريم) 

مُستخدماً أدوات بدائية، يبرع أبو طاقية في استخدام الرصاص وقنابل الغاز المسيلة للدموع لصنع مجسّماته الصغيرة، موضحاً أنّه يعبر من خلالها عن معاناة الفلسطينيين وأحلامهم وحقهم في الحياة. وعن المعوّقات التي يواجهها في عمله، يشير إلى نقص الإمكانيات. "أعمل بواسطة أدوات بدائية. أحتاج لبعض الأدوات الكهربائية، إلا أنني لا أستطيع توفيرها. أحتاج إلى عجينة السيراميك ومعدن الرصاص وبعض الأدوات لنحت وتشكيل الرصاص".

ابنه فرح بما أنجزه (إيمان عبد الكريم) 

يُتابع أبو طاقية: "أجمع الرصاصات من كل مكان أينما استطعت إيجادها، فنحن في قطاع غزة الذي خاض ثلاثة حروب متتالية. كما أوصي بعض الأصدقاء بجلب ما يستطيعون من رصاصات". وحول الخطر الذي يمكن أن يواجهه من جرّاء استخدام الرصاص، يؤكد أنه ما من خطر طالما أن الرصاصات فارغة. ويذكر أنّه في بداية تجربته، كانت لديه رصاصة قديمة جداً. وحين بدأ بنحتها، انفجرت لتسبب له جرحاً كبيراً في أصابع يديه. منذ ذلك اليوم، يتأكّد من أن الرصاصات فارغة قبل استخدامها. ويتحدّث عن بعض الأشكال التي ينحتها. يقول: "نحتُّ أكثر من تحفة مصغرة تمثل حرية الصحافة، تخليداً للشهيدين ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين".

بعض من مصغّرات مجدي (إيمان عبد الكريم) 

زوجته ولاء (30 عاماً)، تجلس قربه، وتساعده في تنظيف الأدوات التي يستخدمها في النحت، أو حتى تلوين بعض القطع بعد الانتهاء منها. تقول لـ"العربي الجديد": "أستغل بعض أوقات فراغي لمساعدة زوجي في عمله. أرتب المجسمات وألوّن بعضها". ويشير أبو طاقية إلى أن زوجته هي الوحيدة التي تساعده في عمله، ويعتبرها من أكبر الداعمين له. يؤكّد أنه كان لأمه الفضل الكبير في تنمية موهبته وشغفه، وقد دعمته كثيراً منذ اكتشفت موهبته.




يحلم أبو طاقية في تطوير فنّه وإقامة المعارض في فلسطين وخارجها. كما يرغب في صناعة العديد من التفاصيل الجميلة، وألّا يقتصر فنه على مظاهر الحرب والقتل والدمار التي يعاني الفلسطينيون منها بسبب الاحتلال. يضيف: "أتمنى صنع مجسمات لأشجار جميلة وبساتين وحدائق وأطفال يلعبون وشباب يمارسون هواياتهم بكل حب وأمل. وفي الوقت الحالي، أود نحت لوحة كاملة من فن المصغرات تجسد مسيرات العودة على الحدود الشرقية، وتُظهر المتظاهرين والسلك الشائك والصحافيين والأطفال الذين يحملون الحجارة والورود، يقابلهم الجنود الإسرائيليون الذين يطلقون عليهم الرصاص المتفجر وقنابل الغاز المسيلة للدموع. كما أرغب في تجسيد العديد من القضايا الإنسانية في سورية واليمن والعراق. كلنا شركاء في المعاناة والمأساة".