أطلق قادة الجيش الجزائري عملية "اجتثاث الإرهاب" وأعلنوا بدء عملية الحسم العسكري مع المجموعات الإرهابية النشطة في البلاد، وذلك بعد قتل الرهينة الفرنسي، ايرفيه بيار غورديل، الشهر الماضي، على يد "جند الخلافة في الجزائر".
ووجّه نائب وزير الدفاع، رئيس أركان الجيش الفريق، قايد صالح، رسالة الى أفراد وضباط القوات المسلحة، يطلب فيها منهم "الاستعداد لخوض عمليات اجتثاث الإرهاب واقتلاع هذه الآفة من جذورها". لكن هناك تساؤلات عن أهمية الخطوة وإمكانية هذه المعركة المنتظرة إنهاء وجود المسلحين في الجبال والأدغال، الذين على ما يبدو بايع جزء منهم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
في هذا الحوار، يقرأ القائد السابق للقوات البرية في الجيش الجزائري اللواء، عبد العزيز مجاهد، هذه الخطوة وأبعادها السياسية والعسكرية. فيرى أن الجيش الجزائري يحارب الإرهاب من 20 عاماً ولديه الخبرة والتجربة ليسحم عسكرياً مع "الإرهابيين". ويؤكد أن الجزائر جزء من التوجه العالمي في مكافحة الإرهاب، وعليه من واجب الجزائر أن تعمل على "اجتثاث الإرهاب".
* إعلان قائد أركان الجيش إطلاق عملية اجتثاث الإرهاب، كيف يمكن أن تقرأه، وهل يمكن أن يشكل تحولاً حقيقيّاً على أرض المواجهة بين الجيش والمجموعات الإرهابية؟
في اعتقادي، أن رسالة قائد أركان الجيش موجّهة في أكثر من اتجاه. صحيح أنها رسالة موجّهة إلى القوات المسلّحة، تحديداً على أساس رفع المعنويات والاستعداد لبدء عمليات اجتثاث الإرهاب، لكني لا أعتقد أنها تتوقف عند هذا الحد.
أرى أنها موجهة أيضاً إلى الرأي العام الوطني والدولي لتأكيد التزام الجيش بمكافحة الإرهاب والتوجه الى الحسم العسكري ضد المجموعات الإرهابية، في لحظة بات فيها العالم كله متوجساً من الإرهاب ومتوجهاً الى محاربته. وفي هذا أيضا تذكير بالجهد الجزائري في محاربة الإرهاب منذ التسعينيات. إذ أنه في تلك الفترة كان العالم لا يستعشر المخاطر ولا يأبه بالتحذيرات الجزائرية، بل كانت هناك أطراف دولية تساعد بشكل ما المجموعات المسلحة بفعل القراءة الخاطئة للوضع في الجزائر حينها.
* هل هي رسالة عسكرية موجهة الى الأطراف السياسية؟
تعمّد قائد الأركان نشر البيان والرسالة وعدم إبقائها في شكل داخلي، لكي يشعر الجميع بمسؤولياتهم. أعتقد أن في بيان قائد الجيش رسالة إلى الإعلام والفاعلين السياسيين للتعاون، وتحمّل جزء من المسؤوليات في مكافحة الإرهاب، خصوصاً وأن تجربة الجزائر في مكافحة الإرهاب، أثبتت أنها عملية لا تتعلق بحرب عسكرية فقط، لكنها عمل في أكثر من صعيد وشراكة مجتمعية وأمنية وإعلامية وسياسية أيضاً.
لا يمكن محاربة الإرهاب فقط بالقوة العسكرية، فالإعلام جزء مهم في هذه الظروف. الملاحظ أن غالبية العمليات الإرهابية التي تقوم بها المجموعات الإرهابية الهدف منها استعراضي وإعلامي، وإذا وقع الإعلام في فخ هذه المجموعات عبر الترويج غير مقصود لعملياتها، فإنها تكون المستفيدة الأولى. كما أنها رسالة الى المجموعات المسلحة أن الجيش يتجه الى الحسم العسكري، بعد فترة أبقت فيها السلطات أبواب التوبة مفتوحة أمام عناصر المجموعات الإرهابية.
* هل سنشهد تنفيذ استراتيجية عسكرية جديدة مثلاً؟
الجيش لم يتوقف عن محاربة الإرهاب منذ بداية التسعينيات، لكن بالتأكيد سنشهد استراتيجية جديدة. أعتقد أن الجيش يتوجه إلى الحسم العسكري. لكن من الضروري عدم فصل التطورات في الجزائر عما يحدث في باقي العالم، فهذا التحول العسكري ينخرط ضمن المناخ الدولي العام. حاليّاً، الحراك الدولي العام متجه إلى محاربة تنظيم "داعش" والمجموعات الإرهابية، لكني أؤكد أنه حتى وإن كانت هناك خطط عسكرية تستهدف محاربة الإرهاب عمليّاً عبر تطوير أداء الجيش وإطلاق عمليات تمشيط ومحاصرة المجموعات الإرهابية وتفكيك شبكات الدعم والإسناد، فإن الثابت في العرف العسكري عدم إذاعة هذه الخطط. لكن يمكن أن نتحدث عمليّاً على استراتيجية مبنية على مراجعة وتقييم حصيلة مكافحة الإرهاب، والبحث في المسببات التي سمحت للإرهاب بأن يدوم في الجزائر كل هذه الفترة، فهي أكثر من 20 عاماً.
* هناك من قرأ في رسالة قائد الأركان بعض الرد على ما اعتبره البعض فشل الجيش في إنقاذ الرهينة الفرنسي الذي خطفه وأعدمه تنظيم "جند الخلافة"؟
ليس هناك إخفاق. لا يمكن منع هكذا عمليات إرهابية. المجموعات الإرهابية ما زالت تعتمد على تحركات معزولة. الولايات المتحدة الأميركية نفسها لم تمنع حصول هكذا حوادث، وإسرائيل التي تعد من بين أقوى المنظومات الأمنية لم تمنع المتطرف يغال عمير، من اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحاق رابين. وعليه لا يمكن للجيش الجزائري منع حصول حوادث إرهابية بشكل كامل، لكن حين نضع النجاحات العسكرية للجيش الجزائري في ميزان القوة، نجد أنه أنجز مرحلة مهمة في مكافحة الإرهاب وباتت تجربته مرجعية على الصعيد الدولي.
* عندما يقول قائد الجيش "يجب منع بعث النشاط الإرهابي في الجزائر"، هل هذا تخوف من استفادة المجموعات الإرهابية من الزخم الذي حظي به تنظيم "داعش"؟
مما لا شك فيه أن المجموعات الإرهابية في الجزائر تحاول الاستفادة من الزخم السياسي والإعلامي الذي صنعه "داعش"، ومن الضروري منع هذه المجموعات من الاستفادة من الوضع الدولي الجديد. المقصود منع المجموعات الإرهابية من الوصول الى تجنيد إرهابيين جدد خصوصاً وأن الإرهاب لم يعد صناعة محلية، بقدر ما بات صناعة دولية.