بيتُ الحيوان
لا لتسْتوليَ على ما تحب،
ليس لها أن تحتكرَ أو تسيطر،
ولا أن تملك أيَّ شيءٍ، أيَّ شيء.
بصبر نباتٍ غارقٍ في النمو،
تسيرُ إليه،
ليتحوَّلَ عبرها
ليكونَ اللَّهفةَ والبيت.
غافلاتٍ عن الموت،
ممتلئاتٍ برحيقٍ جنائزيّ،
حدّ بلوغ أقسى درجات الصّمتِ وأشدّها فتنةً،
تقضي الحيواناتُ أيام بهاءٍ أعمقَ من الخلود.
سواءٌ إليها إن بَقيتْ تمطرُ بغزارةٍ،
مازجةً بذور الأرض،
أو تحت لهيبِ صيفٍ حارق
عادتِ المعاركُ إلى أسماءٍ ميتة.
بلا ملل وبلا اكتراث،
متكتِّمةً غائصةً في كيانها،
تجد طريقها في العتمة، في ضياءِ اللاسؤال،
دونما إفصاح، ترافقُنا وترشدُنا.
لم نرَ بعد، لم نندهشْ
كيف لم يلوّث الخرابُ عين القطّ؛
هذا الزجاج المتنبِّهَ العريق،
تحت سيف العزلة، موحِّدِ اليقظة بالنوم،
وفي الجلاء المرحِ الثاقب لقفزات جدْيٍ،
ما من مكانٍ لأي ندمٍ.
نحن المكتفين بمنازل كالرّيح لا تحمي أحداً،
نتمرَّغُ في مياهٍ سرقاتٍ خسيسة.
مرة إثر أخرى،
لا نولي وجود الحيوان شأناً.
غير أنّه، كما يجدر بملكٍ حقيقيٍّ،
دون أن يضيّعَ الوقتَ،
كي لا يفسد التّعبَ ولا الخسارة،
لا يفرّطُ بإرثه المدمَّر، بنا.
هذه مدينَتُك
هذه مدينتك.
أكياسٌ مرميَّةٌ ينفخُها هواءُ الظهيرة،
أوراقُ أشجارٍ، وأرصفةُ ضيّقةٌ.
ثمّة أطفالٌ قرْب أحذيةٍ،
مراهقون - خارج المدارس- يدخّنون،
خصلاتُ شعرهم تلمع فوق الجباه
حدَّ أنها تبدو مجمَّدةً يابسة.
هذه هي مدينتك.
بنوكٌ كالسّرطان وفقراءُ كالدّماء ومشافٍ كالمسالخ.
عاطلون عن العمل، مهاجرون غرباء،
التصق الخجلُ بوجوههم
مثلما يلتصقُ البردُ بزجاجٍ معتم.
هي مدينَتُك.
قفْ، لا تنظرْ، ولا تنسَ.
شاشةُ إعلانٍ ضخمةٌ تجمِّدُ عينيك
كما يجمِّدُ الصقيعُ تاجَ زهرةٍ صغيرة.
اقرأ أيضاً: كما لو أنني لا أستحقّ الصباح