تذرّع أصحاب هذه الدعوات بأهمية الوزارة في محاربة الإرهاب، إذ اعتبر النائب القاص يوسف القعيد أن "الثقافة أمن قومي"، مبرّراً أن تخفيض إيراداتها قد "يزيد من أعداء النظام"، مكرّراً الأسطوانة ذاتها بأن "التطرّف يبدأ من العقول، والثقافة والمعرفة لا يجب أن تقلّ موازنتها عن بقية الوزارات".
المنشغلون بالأرقام هم من كبار موظفي "الثقافة" والمحسوبين عليها، وبدأت تصريحاتهم تملأ وسائل الإعلام محذّرين من "انهيار قادم"، نتيجة انخفاض الموازنة بنسبة 15- 20% عن العام الماضي، غير أنه لا يُمكن مقاربة آرائهم بمعزل عن مصالحهم ومكتسباتهم الحالية.
في مراجعة بسيطة لخطاب المؤسسة الثقافية الرسمية ومدى فعاليتها وتأثيرها في المجتمع، تجدر العودة إلى ظهور وزير الثقافة حلمي النمنم على إحدى الفضائيات المصرية مطلع العام الحالي، وقوله إن "92.5% من موازنة وزارته تكاد تغطّي الرواتب والأجور، وأن ما يُنفق على المهرجانات وقطاعات النشر والترجمة لا يتجاوز 150 مليون جنيه فقط (حوالي 8 مليون دولار)".
رغم إقرار الوزير أن أغلبية الفعاليات تنحصر في العاصمة، وأن لا تأثير يُذكر لها في مواجهة الإرهاب الذي يستهدف الأطراف بشكل أساسي، إلا أنه اعتبر أن تلك الندوات والمحاضرات التي أقيمت في الأرياف والمدن البعيدة باسم "التنوير" لها دورها البارز في "المعركة".
وفق هذه المعادلة، يستطيع المتابع فهم أسباب هذه الضجة المفتعلة حول انخفاض الميزانية التي يذهب معظمها إلى أنشطة يتنفّع منها مثقّفون لترويج خطاب السلطة والدعاية لها، وهي لا تذهب باعتراف الوزير نفسه إلى تشييد بنية تحتية من مسارح وغاليريهات وصالات عرض في بلد ليس فيه سوى دار أوبرا واحدة بنيت عام 1869.
قد ينجح هؤلاء المعترضون في زيادة الدعم الحكومي بضعة ملايين، لكنها حتماً لن تغيّر معطيات الواقع التي تشير إلى وجود 34 ألف موظف في وزارة الثقافة – أتوا إليها عبر التعيينات العشوائية والمحسوبيات- وأن حصة المواطن المصري من الإنفاق على الثقافة لا تتجاوز جنيه ونصف سنوياً، وأن "الهيئة العامة للكتاب" لا تطبع أكثر من ألف نسخة من كلّ مؤلّف تصدره في بلد يزيد عدد سكانه عن 90 مليون نسمة، وأن 300 فرقة مسرحية في مصر تقدّم إنتاجاتها في عرض ليلة واحدة، بحسب إحصائيات الوزارة.