عدد المتسوّلين في العاصمة الإيرانية طهران ليس ضئيلاً. ويتحدث خبراء عن شبكات تسوّل كبيرة تحصل على مبالغ مالية كبيرة من جرّاء استغلال فقراء وأطفال، في وقت تتحمل الدولة مسؤولية رعاية هؤلاء
خلال السنوات الأخيرة، لوحظ ازدياد عدد المتسوّلين في شوارع العاصمة الإيرانية طهران، خصوصاً في المناطق الواقعة شمالها وغربها، حيث الأحياء الراقية التي يسكنها الأغنياء. ويعزو البعض الأمر إلى ارتفاع نسبة المشاكل الاقتصادية والمعيشية التي تواجه الطبقة الفقيرة. وعلى الرغم من صحة الأمر إلى حدّ ما، فإنّ التقارير التي نشرتها صحف إيرانية تؤكد أنّ ثمّة عصابات منظمة، خصوصاً تلك التي تستغل الأطفال، يجني أصحابها من المتسوّلين أموالاً طائلة تفوق رواتب الموظفين في القطاعَين العام والخاص.
وكانت مواقع إيرانية قد نقلت عن مكتب بلدية طهران احتجاز نحو 24 ألف شخص من المتسوّلين والمشرّدين والمدمنين، من الرجال والنساء على حد سواء، على مدى ستة أشهر، ابتداءً من مارس/ آذار الماضي. وفي وقت سابق، نشرت صحيفة "إيران" تقريراً أكدت فيه أنّ سبب زيادة التسوّل في العاصمة هو المبالغ الطائلة التي يجنيها هؤلاء نتيجة الاحتيال. البعض يحصل على 500 ألف تومان إيراني يومياً، أي ما يقارب خمسين دولاراً أميركياً، في وقت يجني بعض رؤساء المجموعات الذين يحركون أفرادها بين المناطق تسعة ملايين تومان (نحو 214 ألف دولار). وهو أمر أكّده رئيس دائرة الحماية الاجتماعية التابعة لمؤسسة الخدمات الاجتماعية في بلدية طهران، علي صادقي، الذي صرّح بأنّ السلطات عثرت على ملايين التومانات في جيوب بعض المتسوّلين لدى اعتقالهم، مشيراً إلى أنّ هذا هو السبب الرئيسي في زيادة نسبة التسوّل، بالإضافة إلى عدم وجود مؤسسات معنيّة بمتابعة الملف والوقوف عند الأسباب الحقيقية ومنع التسوّل من دون مبرّر حقيقي. ونقلت وكالات إيرانية عن صادقي قوله إنّ المتسوّلين يُنقلون إلى مركزَين تابعَين لطهران، أحدهما للرجال والآخر للنساء، يكفيان لاستيعاب نحو 400 ألف شخص، ثمّ يتمّ التعرّف عليهم والتأكد من حقيقة وجود حاجة تدفعهم إلى التسوّل. كذلك انتقد صادقي دور بعض المؤسسات التي من المفترض أن تكون معنيّة بالأمر لكنّها تخلّت عن مسؤولياتها.
وخلال العام الماضي، أشار عضو اللجنة الاجتماعية في البرلمان الإيراني سلمان خدادادي إلى أنّ المستحقات المالية التي يكسبها متسوّلو العاصمة في اليوم الواحد تصل أحياناً إلى ما بين ثلاثة ملايين تومان وأربعة ملايين (نحو 71 ألف دولار - 95 ألفاً)، موضحاً أنّ مساعدة غير المحتاجين تزيد المشكلة تعقيداً، داعياً إلى مكافحة العصابات المنظمة من قبل الأجهزة المعنيّة.
بالإضافة إلى الأحياء الغنيّة، يتجمّع المتسوّلون بالقرب من المساجد المعروفة والأماكن الدينية، حيث يوفي الإيرانيون نذوراً أو يوزّعون الطعام. ولا يتردد كثيرون في دفع المال لهؤلاء وقد رأوا أنّهم محتاجون. كذلك ينتشرون عند تقاطعات الطرقات الرئيسية. ويلاحَظ أنّ ثمّة إيرانيين من الأرياف أو مهاجرين من دول مجاورة كباكستان وأفغانستان، يقصدون العاصمة لأنّها قد تكسبهم المال.
في هذا السياق، يقول عضو الهيئة التعليمية في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة طهران، حسن حسيني، الذي كان مستشاراً في مؤسسة الرعاية الاجتماعية الحكومية، إنّ "التسوّل موجود في عدد كبير من الدول النامية والمتطورة، ولا يمكن القضاء عليه بالكامل، لكنّه يتعاظم بين الحين والآخر مع زيادة معدّلات الهجرة من القرى إلى المدن". ويشير حسيني لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "المتسوّلين في طهران خصوصاً، وفي إيران عموماً، كانوا بمعظمهم أشخاصاً من ذوي الإعاقة ولا يستطيعون العمل. لذلك، لم يكن الناس يتردّدون في مساعدتهم. أمّا اليوم، فالمتسوّلون في الطرقات بمعظمهم، قادرون على العمل لكنّهم قد يصطدمون بمشكلة البطالة".
ويوضح حسيني أنّ "التسوّل تحوّل إلى مهنة لهؤلاء، خصوصاً الذين يستغلون الأطفال. ثمّة عائلات كاملة يُجبَر أفرادها على النزول إلى الشارع للتسوّل، مهما اختلفت أعمارهم، ما يعني استغلال الطفولة ومشاعر المارّة". ولا ينفي حسيني وجود الفقر في المجتمع الإيراني، لكنّه يشدّد على أنّ "الأمور لا تحلّ بالتسوّل والمسؤولية تقع على عاتق الجميع". ويلفت إلى تجربة مهمّة في إيران نفسها، فيقول إنّه "في مدينة تبريز، الواقعة شمال غربي إيران، لا نرى أيّ متسوّل على خلفيّة حملة توعية قام بها سكان تبريز أنفسهم. فحينما كانوا يرون محتاجاً يتسوّل، كانوا يقصدونه ويتأكدون من عدم قدرته على العمل. وإذا كان بالفعل كذلك، كانوا يصطحبونه إلى إحدى الجمعيّات لمساعدته. وفي حال كان قادراً على العمل في مهنة ما، كانوا يساعدونه على العثور على وظيفة".
ويتابع حسيني أنّ "الحكومة والسلطات المعنيّة مسؤولة عن الوضع، لأنّه يتوجّب عليها الحرص على توفّر جمعيات ذات صلة والتأكد من تأمين احتياجات الأفراد. لكنّ المواطنين في الشارع يستطيعون المساهمة كذلك، إذ إنّ دفع المال للمتسوّلين غير المحتاجين في طهران يزيد الأمور سوءاً ويساهم في استغلال الأطفال". وينتقد حسيني وعدد من الخبراء الإيرانيين خطط السلطات. يقولون: "نسمع بين الحين والآخر عن حملات تنفّذها الشرطة لسحب المتسوّلين من الطرقات. لكن، إلى أين يذهب هؤلاء؟ ماذا يفعلون بهم؟".
وفقاً للقانون، فإنّ البلديات تمسك بالمتسوّلين الذين تجاوزوا 15 عاماً، وتفصل النساء عن الرجال وترسلهم إلى مراكز معنيّة، حيث يخضعونهم إلى فحوصات طبية، ثمّ تحوّل ملفاتهم إلى مؤسسة الرعاية الاجتماعية. ولأنّ التسوّل جريمة يعاقب عليها القانون في إيران، يوقّع هؤلاء على تعهّد بعدم نزولهم إلى الشارع مجدداً، وتصادر الأموال التي تكون في حوزتهم وأحياناً يُسجن المتسوّل ثلاثة أشهر بحسب الحالة. لكنّ من المفترض التأكد من حاجتهم الحقيقيّة إلى المال، وبالتالي يتوجّب على الرعاية الاجتماعية تولّيهم. ويرى بعض المطّلعين أنّ ذلك ليس كافياً، في ظل قلة عدد المراكز والجمعيات إلى جانب ضرورة التأكد من حاجة الأفراد إلى التسوّل.