تدخل إلى المتحف الوطني وسط دمشق، فيصدمك ما ترى من حال البؤس والإهمال الذي وصل إليه شاهد حضارة عمرها أكثر من 7000 سنة، فالتماثيل تنتصب هناك وحيدة دون أن يتجمّع حولها مصور أو زائر أجنبي، إذ اختفت المجموعات السياحية التي كانت تجوب العاصمة السورية مشياً على الأقدام، يتقدمها دليل سياحي يشرح تاريخ الأماكن والقطع الأثرية بإسهاب ونشوة.
افتتح المتحف المهندس الفرنسي الشهير (إيكوشار)، واضع مخطط مدينة دمشق عام 1936، بعد أن كان مجرد قاعة في مبنى المدرسة العادلية حتى عام 1920. وقامت حينذاك العائلات الدمشقية العريقة بإهداء كل ما لديها من مقتنيات أثرية إلى هذه القاعة، حيث خلت سورية، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، من أي متحف يدل على تاريخها العريق.
يتوسط المتحف الوطني الآن قلب العاصمة، ويقع بين جامعة دمشق والتكية السليمانية قرب جسر الرئيس، في شارع قصر الحير الشرقي. وعدا عن الموقع الجميل، يتميز المتحف بسهولة الوصول إليه. ومنذ سنوات قليلة تم فرش الطريق المؤدية إليه بالحجر السوري البازلتي الأسود، وأصبحت المجموعات السياحية تضعه في برنامجها، كأول ما يمكن زيارته من مواقع.
يضم المتحف خمسة أقسام شيدت على مراحل، بالإضافة إلى حديقة واسعة تنتشر فيها التماثيل القديمة التي تحكي قصة وطن غارق في التاريخ، وهذه الأقسام هي: قسم آثار عصور ما قبل التاريخ - قسم الآثار السورية القديمة - قسم الآثار الكلاسيكية (1936م) - قسم الآثار الإسلامية - قسم الفن الحديث (1956م).
اليوم، "أكل" الصراع الدائر في سورية كل ما يمكن أن يجعل من هذه الأوابد أكثر من مجرد حجارة لا معنى لها. الزوار الأجانب اختفوا، وأما المهتمون من أبناء البلد فابتعدوا بسبب الأحداث، وما بقي من حياة في هذا المتحف، فهو عبارة عن مقهى يقدم الشاي والعصائر والنرجيلة للشباب والصبايا (العشّاق)الذين لا يدخلون إلى المتحف من أجل الفرجة، بل من أجل التلاقي، بسبب انخفاض الأسعار في هذا المكان، أو حتى لالتقاط الصور التذكارية. وفي أوقات ما بعد الظهر، يكن لعابر الطريق بين المتحفين؛ الوطني والحربي أن يلاحظ الفراغ والصمت المخيف الذي يلف المكانين.
وتعرض الكثير من المناطق الأثرية السورية خلال الأزمة للتدمير أو للنهب والسرقة، في غياب رقابة السلطات. ففي ريف إدلب، تعرضت الآثار (المدن المنسية) هناك، للقصف وأعمال النبش والسرقة، كما دكت مدفعية النظام وصواريخه العديد من القلاع، كالحصن وقلعة حلب، ما أحدث دماراً كبيراً فيها.
وقد أجبرت الحرب الكثير من الأهالي على السكن في مناطق الآثار، ما ساهم كذلك في إحداث أضرار كبيرة، عدا عن تحويلها إلى مكبات للقمامة، وهذا ما جعل خبراء الآثار يحذرون من مخاطر التدمير والنهب المحدقة بالكنوز الأثرية في سورية، بما فيها آثار مدينة تدمر والآثار اليونانية والرومانية في غير مكان.
تقول مديرة المتاحف في سورية، هبة السخل، في تصريح لها إلى وكالة فرانس برس: "لدينا مقطع مصور يظهر لصوصا ينتزعون فسيفساء بواسطة آلة ثقب. وفي تدمر تنشط حركة سرقة الآثار والتنقيب بشكل كبير وغير شرعي".