متحف الرباط للفن المعاصر: سيرة مشروع متعثّر

10 سبتمبر 2014
واجهة المتحف
+ الخط -

يشكّل مشروع "متحف الفن المعاصر"، في الرباط، قضية جدلية دائمة الحضور في المشهد الثقافي المغربي منذ بداية الألفية الجديدة. فمع تحديد الـ 25 من أيلول/ سبتمبر الجاري موعداً رسمياً لإطلاق المتحف، طفا على السطح، مجدداً، النقاش حول الأسماء والأعمال الفنية التي سيضمها، وحول ميزانيته كذلك.

المشروع الذي سيصبح من أكبر المؤسسات الثقافية في البلاد، بمساحة قدرها 6813 متراً مربعاً، وكلفة بلغت 200 مليون درهم، طرح إشكالات وأسئلة عديدة حول السياسة الثقافية المعتمدة في المغرب. ذلك أن مساره طالما اتسم بالغموض، وفتح الباب على علامات استفهام كثيرة مرتبطة باستغلال النفوذ وحضور الوساطات والصراعات الطاحنة بين كبار التشكيليين والأكاديميين والسياسيين والمهندسين. وتتضارب الروايات حول بدء قصة المتحف؛ إذ يعيدها بعضهم إلى النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي؛ الوقت الذي شهد تأسيس لجنة أو "خلية تفكير" تبحث في إمكانية فتح أول متحف للفنون بالمغرب منذ الاستقلال. لكن النتائج التي انتهت إليها تلك المشاورات لم تعرف أبداً.

في عام 2000، أثارت تصريحات حول إسناد وزارة الثقافة المشروع، بطريقة سرية، إلى المهندس المقرب من "حزب التقدم الاشتراكي"، رشيد الأندلسي؛ احتجاج مجموعة من المهندسين، ما أدى إلى تدخل السلطات، التي أوقفت العمل في المشروع، من دون توضيحات. وجرى استبدال الأندلسي، الذي يشرف اليوم على بناء "المسرح الكبير" في الدار البيضاء، ويترأس جمعية "كازا ميموار" المعنية بحماية التراث المعماري في العاصمة الاقتصادية، بالمهندس الخاص بالقصر الملكي، كريم شاقور. هكذا، أعيد استئناف المشروع في عام 2004، وهو التاريخ المعتمد، رسمياً، لبدء تأسيس المتحف.

هذه الرواية الرسمية يعيد سردها مدير المتحف الحالي، عبد العزيز الإدريسي، في حديثه إلى "العربي الجديد"، مؤكداً أن المشروع "انطلق عام 2004، لكنه واجه العديد من الصعوبات، خصوصاً أن المغرب يخوض، لأول مرة منذ الاستقلال، تجربة إنشاء متحف بالمعايير الحديثة"، مرجعاً تلك الصعوبات إلى ضعف خبرة بلاده في هذا المجال.
ويرد الإدريسي على منتقدي سياسة "المؤسسة الوطنية للمتاحف"، التابعة لوزارة الثقافة، بالقول إن المؤسسة لم تكن وصية على المشروع منذ بدايته، بل تسلمت إدارته قبل سنتين فقط. أما في ما يخص اختيار الفنانين المشاركين في المتحف ولوحاتهم، فيشير إلى أن لجنة خاصة، أشرف عليها الباحث في الفنون محمد الراشدي، هي التي تكفلت الموضوع، وأعدت ورقة مفصلة تحدد "المشروع العلمي والثقافي" للمتحف.

غير أن للراشدي رأياً آخر؛ إذ يقول، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه جرى تكليفه، عام 2012، بإعداد ورقة نظرية عن المشروع، ما يعتبره تأخراً، "إذ كان يفترض تهيئة تصوّر وتخطيط للمشروع قبل البدء في بنائه". لكن الراشدي اضطر، كما يقول، إلى مغادرة المشروع قبل بضعة أشهر من افتتاحه، مرجعاً ذلك إلى وجود أطراف تتدخل في عمله، وإلى "افتقار المشروع للاحترافية في العمل وطريقة التسيير".

وتعليقاً على حديث الراشدي، الذي يرى أن المتحف يعاني من مشكلة تضارب المصالح بين الكثير من الأطراف المتحكمة فيه، يقول مدير المتحف، الإدريسي، إن مغادرة الراشدي للمشروع لم تكن احتجاجاً منه على ما عرفته عملية بناء المتحف من صعوبات ومشاكل، بل كانت مغادرة عادية، إذ انتهت مدة العقد المبرم بينه وبين القائمين على المشروع في نيسان/ أبريل من العام الحالي.

وتعكس التغييرات الكثيرة في المشروع وفي القائمين عليه، وعدم الاستقرار على اسم للمتحف؛ الحال المتعثر والغامض الذي طبع مسيرته. وكان المتحف قد حمل عدة تسميات، بدأها بـ"متحف الفن المعاصر" عام 2000، لينتقل عام 2003 إلى تسمية "المتحف الملكي للتراث والحضارات"، قبل أن يستقر أخيراً، حسب ما يؤكد مديره، على "متحف محمد السادس للفن المعاصر والحديث".

من جهتها، ترى التشكيلية والأكاديمية ريم اللعبي أن المشروع يُدار بطريقة "مَخْزِنية" تقليدية (تُطلق على السلطة الحاكمة، في المغرب، تسمية "المخزن")؛ ذلك أن كل القرارات التي جرى الإعلان عنها لم تبنَ على معايير علمية أو حوارات مع مختلف الفاعلين في القطاع، من مسؤولين وفنانين ومتخصصين. وتضيف: "ما يجري إعلانه في كل مرة، حول المشروع، شبيه بالنقاشات والخلاصات التي تجرى في المقاهي، ولا يمت بصلة إلى ما يفترض أن يكون قرارات ورؤى صادرة عن مؤسسة حديثة".

المساهمون