متحف البرادو.. دهشة الألوان والظل تختصر تاريخ الفن

08 يوليو 2015
يحتوي على أكثر من ثلاثة آلاف لوحة زيتية (Getty)
+ الخط -
يقع متحف البرادو في وسط العاصمة الإسبانية، مدريد، وتحديداً في حي باسيو ديل برادو. يحتوي المتحف على أكثر من ثلاثة آلاف لوحة زيتية هي المجموعة الأكثر تكاملاً في العالم، وأكثر من أربعمائة منحوتة، ويحوي عدداً كبيراً من المخطوطات ومن القطع النقدية الثمينة.
يعتبر هذا المتحف من أهم متاحف الفن في العالم، وأهم معلم سياحي في إسبانيا، إذ يزوره سنويا حوالى ثمانية ملايين شخص، بين سائح ومقيم، يفتشون فيه عن قيمة مذهلة للفن والجمال، إذ يحتوي هذا الصرح على أروع المجموعات في العالم للفن الأوروبي بين القرنين الثاني عشر إلى بدايات القرن التاسع عشر.

اقرأ أيضاً: دار الكريتلية.. متحف الغرف السرّية في مصر القديمة


اعتمد المتحف في مقتنياته بشكل أساسي على المجموعة الملكية الإسبانية السابقة التي هي مجموعة فريدة من الفن الإسباني، ولا سيما أن هذا المتحف شيد على يد الملك تشارلز الثالث عام ألف وسبعمائة وخمسة وثمانين، وذلك لجعل مدريد مدينة أكثر حضارة وحداثة.
ما مرت به إسبانيا على مدى القرون الماضية، كان له أثره على المتحف، إذ أقفل أثناء حرب شبه الجزيرة، والتي قامت بين فرنسا وإسبانيا. وعاد نابليون لافتتاحه بعد أن سقطت إسبانيا بيد الفرنسيين، وذلك أيضاً رغبة لتقليد الفاتحين العظام مثل الإسكندر الأكبر عبر إضاءة شمعة الفن والجمال في البلاد المقهورة، ليكون، على حد قوله، "منفعة للناس كل الناس، الإسبان والأجانب". إلا أن حكم بونابرت سقط بعدها بحوالى خمس سنوات وجاء ملك إسبانيا فرديناند السابع وأعاد افتتاح المتحف في سبتمبر/أيلول 1839.
وعندما نشبت الحرب الأهلية الإسبانية في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، تم تعيين الرسام الإسباني بابلو بيكاسو أمينا على المتحف، لكنه لم يستطع النجاح في هذه المهمة، وتم نقل مقتنيات المتحف عندما أغلق يوم 3 أغسطس/آب 1936، إلى فالنسيا في البداية، ثم إلى كتالونيا قبل أن تودع في النهاية في جنيف تحت رعاية عصبة الأمم، وظلت هناك حتى عادت في عام 1939 إلى مدريد.
لا يمكن لك أن تزور هذا المتحف المذهل في يوم واحد، ولا يمكن لك أن تمر على أجنحته مرور الكرام من دون أن تستوقفك اللوحات بمن فيها، فتصير تبحث عن اليد التي سحبتك للتأكد من اسم صاحبها ولتعرف في أي زمن وبأية هوية كان يرسم.
حين تدخله بعد الوقوف لساعات في انتظار دورك أمام بابه، يسبقك شعور بالرهبة ويظل هذا الشعور يسير إلى جانبك طول فترة وجودك فيه، تتلقاك أولا اللوحات الأقدم حسب تاريخ رسمها والتي تجسد الفن الكلاسيكي الأوروبي منذ القرن الثاني عشر، وفيها رسومات لصور الملوك وعائلاتهم بدقة تفوق الوصف. وكلما تنقلت بين القاعات يتنقل معك الزمن والتاريخ وتبدأ موضوعات وشكل الرسومات بالتغير.

اقرأ أيضاً: مكتبة الإسكندرية.. بانوراما حضارية مصرية باتساع العالم

هنا تصل إلى قاعة روبنز الشهير، وفيها تنطق الحياة بكل قوتها من خلال رسومات هي غاية في الجمال للأنوثة ولجسدها ولونها ووجوهها. هنا تعلقك اللوحة ضمن إطارها ولا تترك لك مجالاً للهرب. وهنا قاعات رسام إسبانيا الشهير غويا، الذي عاصر إسبانيا قبل الحرب وأثناءها، لتشاهد ما لا تصدقه من اختلاف روح ولون هذا الرسام قبل الحرب في إسبانيا وبعدها. ففي القاعة الأولى لغويا تكون ألوانه حادة وواضحة ولوحاته تموج بالفرح والحب، أما حين تدخل قاعة غويا الثانية فقد لا تصدق أبدا أنك تقف في حضرة اليد نفسها التي رسمت لوحات القاعة الأولى. هنا تصير كل الألوان بين الأسود والأصفر الباهت والبني، وهنا يعيش الموت وتعيش الكآبة في كل ضربة ريشة باللوحة فيصور الموت العبثي الذي تنتجه الحروب ويصور انتشار الجهل والخرافة فيها، ويصور ظلم الإنسان في لوحته الشهيرة التي تواجهك وتجرحك بأظافرها الخشنة. أما لوحته الضخمة، والتي تتصدر القاعة والتي فيها تحدي الفلاحين الإسبان للجنود الفرنسيين أثناء مجزرة مايو/أيار الشهيرة، ففيها ما لن تنساه طيلة ما حييت فيها، أنت الساكن بعمق نظرة هذا الفلاح الذي فتح يديه أمام الرصاص أعزل إلا من الكبرياء القاتل.
المساهمون