على مقربة من سوق واقف التراثي، وفي قلب العاصمة القطرية الدوحة، تقع "متاحف مشيرب"، التي افتتحت في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وتتألف من أربعة بيوت تراثية قديمة أُعيد ترميمها، لتشكل وجهة ثقافية تعكس جوانب مهمة من التاريخ القطري وتستعيد ذكريات الدوحة القديمة، وهي: بيت "محمد بن جاسم" وبيت "الشركة" وبيت "بن جلمود" وبيت "الرضواني".
"العربي الجديد" أجرت جولة ميدانية بدأتها في متحف "محمد بن جاسم"، وهو بيت شيده محمد بن جاسم آل ثاني، نجل مؤسس دولة قطر الحديثة، والذي تخلده دولة قطر بتحديدها 18 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام يوما وطنياً للبلاد، إحياء لذكرى اليوم التاريخي من سنة 1878 الذي قاد فيه المؤسس جاسم بن محمد بن ثاني (1826 - 1913) شعبه نحو إرساء قواعد الدولة الحديثة في قطر.
و"مشيرب" تعني المكان المخصص للمياه، وهو الاسم الذي عرفت به منطقة وسط مدينة الدوحة عبر التاريخ. ويجسد البيت مخزوناً من المكنونات القديمة لماضي الدوحة الجميل. ويضم مشروع "صدى الذكريات" مجموعة من التحف كشف عنها أثناء القيام بأعمال التنقيب في الموقع، مثل جهاز راديو قديم يعمل بالبطارية، ولوحات فنية وصور قديمة لحياة الناس كمحل حلاقة يستخدم أدوات بدائية وأواني طبخ غيرها.
ويسلط البيت الضوء على جماليات العمارة القطرية ويحتفي بـ"الحوش" و"البراحة" وفي الوقت نفسه يبرز دور التكنولوجيا في الحياة المعاصرة، والتطوّرات الحديثة في مجال الاستدامة.
أما متحف "بيت الشركة"، فكان مقراً رئيساً لأول شركة نفط عملت في قطر، ويروي قصص الرواد القطريين الذين عملوا في حقول النفط، وكانوا أول من ساهم في إحداث تحوّل حاسم في مسيرة نمو قطر خلال فترة اكتشاف النفط. ويكشف البيت ظروف حياة العمل اليومية القاسية آنذاك، ويضم العديد من المقتنيات والمعدات التي كانت تستخدم في الشركة، مثل أنابيب المياه النحاسية، وتُعرض فيه صور توثيقية للعديد من الذين عملوا في الشركة، إلى جانب منحوتات فنية كتماثيل تجسد العمال وهم في مواقع العمل.
وتُروى عبر شاشات وأسطوانات مدمجة قصص كفاح رسمتها سواعد كافحت من أجل بناء مستقبل أفضل، قبل اكتشاف النفط وبعده، لتصبح مصدر إلهام للشباب القطري لاستكمال مسيرة النمو والازدهار.
وتنتقل "العربي الجديد" إلى متحف "بيت الرضواني"، الذي يعود تاريخ بنائه إلى عشرينيات القرن الماضي، في موقع يفصل بين أقدم حيين في مدينة الدوحة، هما "الجسرة" وحي "مشيرب". ويستعرض المتحف حياة العائلة القطرية قديماً، عبر غرفة نوم بطرازها الهندي القديم وأثاثها المتواضع، والمطبخ القطري الذي يستخدم الأواني الفخارية القديمة، والأدوات المنزلية التي كانت تستخدم في إنتاج الخبز وإعداد الطعام، بجانب غرفة المعيشة بأثاث بسيط وآلة خياطة تجسد صورة المرأة القطرية التي كانت تعمل على حياكة ملابس أفراد أسرتها بنفسها.
ويعطي "بيت الرضواني" الزائر فكرة عن التحول الذي طرأ على حياة العائلة القطرية مع اكتشاف النفط وتوصيل الكهرباء، ويعكس صور الترابط الأسري والاجتماعي بين العوائل القطرية، وكيفية قضاء الأوقات بين أفراد العائلة وفي ساحات "الفريج" قبل ظهور وسائل الرفاهية الحديثة.
وتعتبر الحفريات التي أجراها عدد من علماء الآثار في بيت الرضواني، بمثابة أول عملية تنقيب عن الآثار نفذت وسط مدينة الدوحة، إذ تم العثور على عدد من القطع الأثرية التي تعطي بعض المؤشرات على طبيعة الحياة خلال تلك الفترة.
أما المحطة الأخيرة فكانت في متحف "بيت بن جلمود"، والذي يعتبر من أوائل المتاحف التي تتطرق لموضوع الرق في العالم، إذ يؤدي دورا محوريا في التوعية ومحاربة مظاهر الاسترقاق على مستوى العالم. ويستعرض البيت مظاهر الصبر والمثابرة في مواجهة العديد من المحن والصعاب الإنسانية، ويعرض قضية الرق والمساهمات المتعددة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي قدمها الرقيق في إنماء الحضارات الإنسانية، كما يستعرض عهد ازدهار تجارة الرقيق في منطقة المحيط الهندي والخليج العربي وصولا إلى قطر، إذ تبدأ القصة هناك بمظاهر الرق المتعددة لتنتهي بالحرية والاندماج الاجتماعي والرخاء المشترك، وفقا لروايات وذكريات من عاصر تلك الحقبة. ويستمع الزائر لـ"بيت بن جلمود" إلى قصص أولئك الرقيق وكيف تم استرقاقهم، وحكايات عن تنقلاتهم وسفرهم وتفاصيل حياتهم اليومية من خلال أفلام قصيرة وصور ومعلومات وثّقها مختصون.