مباني خروتشوف إلى زوال

01 ابريل 2017
أصبح مصيره معروفاً (العربي الجديد)
+ الخط -

يبدو أنّ المباني الخروتشوفيّة التي شُيّدت ابتداءً من أواخر خمسينيات القرن الماضي، سوف تختفي قريباً من موسكو، مع استكمال تطبيق برنامج إزالتها الذي انطلق بعيد تفكك الاتحاد السوفييتي.

يناقش مجلس الدوما الروسي مشروع قانون إزالة المباني القديمة والمتهالكة المؤلّفة من خمس طبقات والمعروفة بين الروس بـ "الخروتشوفية". معظمها شُيّد في عهد الزعيم السوفييتي الراحل، نيكيتا خروتشوف، منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، كمبان مؤقّتة لمدّة ربع قرن تحوّلت إلى مساكن دائمة شهدت حياة أجيال عدّة.

عُرفت المباني الخروتشوفية بشققها الضيّقة التي أتت مساحتها ثمانية أمتار مربّعة فقط للفرد الواحد، بالإضافة إلى رداءة التنفيذ وسوء العزل الصوتي. لكنّ كلفة البناء المنخفضة ساعدت الدولة السوفييتية في توفير مساكن لمواطنيها على وجه السرعة، إذ كان من الممكن جمع عمارة من الكتل الخراسانية خلال 15 يوماً فقط. ونتيجة ذلك، تجاوز عدد سكان المناطق الحضرية في عام 1961 عدد سكان الأرياف في الاتحاد السوفييتي. وبحلول نهاية فترة حكم خروتشوف في عام 1964، كانت المباني الخروتشوفية قد وفّرت سكناً لنحو 54 مليون مواطن سوفييتي، ليزداد عدد المستفيدين منها إلى 127 مليوناً خلال السنوات التالية.

لم ترتبط المباني الخروتشوفية في ذهن المواطن السوفييتي بتحقيق حلم السكن في شقة مستقلة فحسب، وإنّما جاءت كإشارة إلى طيّ صفحة الاستبداد في عهد الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين، إذ أضفت "بعداً إنسانيا" على العلاقة بين المرء والدولة وأصبح المواطنون يعملون رغبة منهم في الحصول على سكن وليس خوفاً من القمع.

بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي، بدأت سلطات موسكو بتطبيق برنامج إزالة المباني الخراسانية من عهد خروتشوف. وشمل البرنامج الذي ينتهي في عام 2018 المباني الأكثر تهالكاً أو التي لا تملك شرفات أو المزودة بسخانات مياه تعمل بالغاز، فيما تُوفَّر شقق بديلة لقاطنيها.




ومع اقتراب انتهاء البرنامج، أعلن عمدة موسكو سيرغي سوبيانين أخيراً عن خطة إزالة كلّ مباني خروتشوف، بما فيها تلك المبنية بالطوب، مع توفير شقق في مبان حديثة لنحو 1.6 مليون شخص. وعلى الرغم من أنّ هذا البرنامج يبدو للوهلة الأولى طموحاً ويوفّر سكنا كريماً لمئات آلاف العائلات، إلا أنّ الناشطين المدافعين عن حقوق قاطنيها يتخوّفون من انتهاك حقوق هؤلاء عند الانتقال إلى مبان جديدة.

في السياق، يشير رئيس لجنة "مهاجرو موسكو" بافيل كوشاكوف إلى مجموعة من الثغرات القانونية تؤدّي في أحيان كثيرة إلى المساس بالحقوق المشروعة لسكان المباني القديمة. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "سلطات المدينة تختار الشقة البديلة بنفسها، شريطة ألا تقل مساحتها عن مساحة الشقة المراد إزالتها وألا تقل حصة الفرد في الشقة الجديدة عن 18 متراً مربعاً. لكنّها لا تراعي المسافة بين الشقة الجديدة ومحطات المترو ووسائل النقل العام، مثل السكن السابق، علماً أنّ ذلك يؤثّر بصورة مباشرة على قيمتها في سوق العقارات". يضيف كوشاكوف أنّ "ثمّة مشكلة أخرى تكمن في سوء جودة المباني الجديدة وتشطيب الشقق، إذ تعلم شركات المقاولات أنّها ليست مخصصة للبيع بل لتوفير سكن لقاطني المباني المنوي إزالتها. بالتالي، تكون جودة أعمال البناء والتشطيب غير مقبولة في أحيان كثيرة".

لا تقتصر النقاشات حول قضية المباني الخروتشوفية على ضمان حقوق سكان العمارات القديمة فحسب، وإنّما يجري تداول المسألة من وجهة نظر الاستخدام الأمثل للأراضي المقامة عليها تلك المباني بما يتناسب مع متطلبات المدينة الحديثة في عصر ما بعد الصناعية. ويشير المهندس المعماري فيتالي ستادنيكوف إلى أنّ تلك المباني "لم تتهالك فحسب، وإنّما أصبحت قديمة من وجهة نظر مفهوم بيئة المدن الحديثة". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّه "في فترة إنشاء المباني الخروتشوفية، كانت موسكو مدينة صناعية، وكانت الأحياء السكنية مكاناً للمبيت والانطلاق إلى العمل فقط". يضيف ستادنيكوف: "لكنّ العالم تغيّر، وبات الاقتصاد يكتسب طابعاً خدمياً أكثر منه صناعياً. لم تعد الأحياء المخصصة للمبيت تلبّي تطلعات الإنسان الحديث المتعلقة بالخدمات الثقافية والترفيهية والتجارة والمقاهي".

تجدر الإشارة إلى أنّ البرنامج الأول لإزالة المباني الخروتشوفية شمل 1722 مبنى بمساحة إجمالية بلغت 6.3 ملايين متر مربّع من السكن، الأمر الذي أتاح توفير سكن بديل لـ 160 ألف أسرة. ولم يبقَ في إطار هذا البرنامج سوى إزالة نحو 75 مبنى، قبل الإعلان عن الخطة الجديدة الطموحة التي قد تطاول نحو ثمانية آلاف مبنى آخر بمساحة سكنية إجمالية تبلغ 25 مليون متر مربع.