مبادرة ليبية جديدة برعاية إيطالية لطمأنة المليشيات المسلحة

29 يونيو 2016
تخوف ليبي من وصول الوضع لنقطة اللاعودة(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
تكشف شخصيات ليبية بارزة لـ"العربي الجديد" عن مبادرة جديدة يجري الإعداد لها منذ حوالى شهر، بين طرابلس وتونس وروما، من أجل حلحلة الوضع السياسي الذي وصفته بـ"الجمود"، والبحث عن صيغ جديدة لإنهاء حالة الانقسام التي تعيشها ليبيا. وكانت العاصمة التونسية قد احتضنت، بعيداً عن الأضواء، عدداً من هذه اللقاءات التي جمعت وزراء سابقين في الحكومتين غير المعترف بهما دولياً، "الحكومة المؤقتة" و"حكومة الإنقاذ"، ونواباً، وقد تركز البحث على توضيح المسار العام لهذه المبادرة.

وتذكر المصادر نفسها لـ"العربي الجديد" أن المبادرة تحظى بدعم إيطالي رفيع المستوى، وأن لقاءات تمت مع رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي ووزير خارجيته باولو جنتيلوني ومسؤولين في البرلمان، كما أن كل هذه الأطراف عبرت عن دعمها للمبادرة. وتضيف المصادر أنه سيجري قريباً الاتصال بالجزائر وتونس ومصر، كما سبق أن تم الاتصال بالمملكة العربية السعودية، لبحث دعم دول الجوار والدول العربية المؤثرة في المشهد الليبي والعربي، مشيرة إلى أن وفوداً ليبية مختلطة ستتوجه إلى هذه العواصم بهدف بسط خطوات المبادرة.

وتتمحور المبادرة حول فكرة إنهاء حالة الريبة المشتركة وإزالة مخاوف كل معسكر من الطرف المقابل وطمأنة مكوّنات المليشيات المسلحة التي ترفض تسليم السلاح بسبب خوفها من العقاب، عبر آلية عفو شامل يسقط كل الملاحقات ويفتح صفحة جديدة في العلاقات الليبية-الليبية، التي تعقدت كثيراً بسبب إمساك كل طرف بملفات تجاه خصومه.

وبحسب المصادر، فإن المبادرة تقوم على مشروع يمتد على خمس سنوات، بدءاً بالمصالحة، ثم فتح ملفات مؤسسات الدولة وإعادة بنائها على قاعدة وطنية تنهي حالة الانقسام بين الشرق والغرب، دون إقصاء أيّ كان من المشهد الليبي. وتقف خلف المبادرة شخصيات ومسؤولون ليبيون من شرق البلاد وغربها، بينهم نواب من المجلس الأعلى للدولة، في طرابلس، ونواب من برلمان طبرق، ومؤسسات وجمعيات مدنية عديدة، بالإضافة إلى عدد كبير من وزراء حكومة الإنقاذ والحكومة المؤقتة.

وتكشف المصادر أن لقاءات كثيرة حصلت بين الحكومتين وجرى تذليل كل الخلافات، كما تم التوصل إلى صيغ للانطلاق في هذه المبادرة بشكل مشترك. ولن تستثني هذه المبادرة أحداً من المشهد الليبي، واللقاءات ستشمل جميع الفرقاء، ومن بينهم قائد "عملية الكرامة" اللواء خليفة حفتر، وقادة المليشيات والكتائب والأحزاب والشخصيات الليبية الفاعلة في المشهد السياسي العام، بحسب ما أكدت المصادر التي لم تنكر وجود صعوبات أمام كل ذلك.


ويخشى أصحاب المبادرة أنْ يصل الوضع الليبي المتأزم إلى نقطة اللاعودة، واحتمال دخول البلاد في مرحلة التقاتل والمواجهة المباشرة بين المجموعات الليبية، لا سيما بعد انتهاء العمليات العسكرية في سرت ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). فضلاً عن ذلك، يدرك أصحاب المبادرة أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في ليبيا لم يعد يحتمل، بعد تدني الدينار الليبي ووصوله إلى خُمس الدولار تقريباً، وغياب السيولة وارتفاع الأسعار، وتزايد انقطاع التيار الكهربائي، بما يهدد المؤسسات والمستشفيات، وينذر بموت مرضى الكلى والأطفال، هو ما حدث منذ أيام بأحد المستشفيات.

وتتحدث المصادر عن نفاد صبر المواطنين في ليبيا، لا سيما أن حكومة الوفاق لم تنجح في تحسين حياة الناس البسطاء، بل زادت في تعميق الأزمة بحسب قولها، وتؤكد أن اختلاف الأجندات الدولية أقنع الجميع بأن الحل لن يأتي من الخارج، بل ينبغي أن يكون ليبياً، وهو ما ساهم في إقناع عدد من النشطاء السياسيين والمدنيين بضرورة العمل على حل ليبي-ليبي يبدأ من الداخل، ويبحث عن غطاء دولي بالتالي. وهذا الأمر دفع إلى التوجه نحو روما المعنية أكثر من غيرها، دولياً، بالشأن الليبي، لأنها ستدفع الفاتورة الأكبر من تدهور الوضع واستمرار حالة انعدام الاستقرار وتدهور المؤسسات وتراجع إنتاج النفط.

وتؤكد المصادر أن الولايات المتحدة تتقاطع في مصالحها مع وجهة النظر الإيطالية، وأنها تراقب، عن بعد، تطور هذه المبادرة وقياس مدى جديتها وقبولها من الأطراف الليبية، كما أن بعض الشخصيات الليبية الداعمة للمبادرة ستدخل قريباً في حوار مع الأميركيين.

وعلى الرغم من صعوبة تحقيق المبادرة، في ظل الوضع الحالي المعقد وغياب حوار سياسي وطغيان المظاهر المسلحة، فإنها قد تشكل فرصة ممكنة وقاعدة لإطلاق حوارات ليبية مباشرة بين الأطراف المتنازعة، خصوصاً أمام فشل عملية فرض الاتفاق السياسي بالقوة على بعض مكونات المشهد الليبي.

وتبدو هذه الأطراف متحمّسة كثيراً لفكرة المبادرة وما تطرحه من فرصة أمل سياسي على الأطراف المتنازعة، بعد سنوات من الحوارات والمواجهات التي لم تنته بتفوق أي طرف، وأقنعت الجميع بأن الحل الوحيد هو الحوار على قاعدة الوطن، بعيداً عن الخلافات الأيديولوجية والجهوية والقبلية التي فتّتت البلاد، بحسب ما ذكرت المصادر الليبية المطلعة على مسار المبادرة.

المساهمون