حرص وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره التركي مولود جاووش أوغلو، بعد مباحثات روسية - تركية تركزت على الوضع السوري في موسكو، أمس السبت، على ترويج أجواء إيجابية للمحادثات والحديث عن تفاهم البلدين على تنسيق جهودهما في سورية، لكن تفاصيل هذه التفاهمات بقيت غير واضحة بشكل تام، خصوصاً في ظل عدم الحديث عن وضع شرق الفرات ولا سيما مدينة منبج، بعد حديث النظام السوري عن دخول قوات منه إلى المدينة، ونفي أطراف متعددة لهذا الإعلان.
ولا يبدو أن أنقرة وموسكو تستعجلان حسم خياراتهما في الساحة السورية بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته، خصوصاً أن هذا الانسحاب لن يحصل بشكل سريع جداً، وهو ما يفتح المجال أمام البلدين لبحث صفقة شاملة تضمن تفاهمات عسكرية وسياسية، قد تنضج خلال القمة الرئاسية الروسية - التركية - الإيرانية مطلع العام 2019. وأمام هذا الوضع، بقي سكان منبج في حالة ترقب لما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من تطورات، في ظل تأهب فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا قرب منبج لأي عملية عسكرية للدخول إلى المدينة.
ووصف لافروف، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي بعد اللقاء، المباحثات بأنها مفيدة، معلناً أن موسكو وأنقرة اتفقتا على تنسيق العمليات البريّة "من أجل القضاء على الإرهاب" في سورية، من دون تقديم مزيد من التفاصيل عن ذلك. وأوضح أن البحث تركز بشكل خاص "على الظروف الجديدة التي تبدو مرتبطة بالانسحاب العسكري الأميركي المعلن". وأضاف "تم التوصل إلى تفاهم بشأن الطريقة التي سيواصل من خلالها الممثلون العسكريون لروسيا وتركيا تنسيق خطواتهم على الأرض في ظل ظروف جديدة، وفي إطار رؤية تتمثل باجتثاث التهديدات الإرهابية في سورية".
وأعلن لافروف أيضاً الاتفاق بين الطرفين على "تكثيف العمل من أجل تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم". وأعرب عن أمل موسكو في ألا يواجه تشكيل اللجنة الدستورية السورية محاولات عرقلة من قبل الدول الغربية، مؤكداً أن "روسيا وتركيا، بمشاركة زملائنا الإيرانيين، أنجزنا ما تعهدنا بتنفيذه بشأن تشكيل اللجنة الدستورية التي ينبغي أن تبدأ عملها في جنيف". وأضاف: "سنواصل مساهمتنا في إطلاق نشاطات هذه اللجنة الدستورية بأسرع ما يمكن، وذلك مع المبعوث الخاص الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، غير بيدرسن".
من جهته، وصف جاووش أوغلو المفاوضات مع المسؤولين الروس حول سورية بالجيدة جداً، مؤكداً أن البلدين سينسقان العمليات في سورية، مضيفاً "سنواصل العمل بشكل نشط والتنسيق مع زملائنا من روسيا وإيران لتسريع التوصل إلى تسوية سياسية في سورية". وقال إن بلاده وروسيا تمتلكان إرادة مشتركة لتطهير الأراضي السورية من كافة المنظمات الإرهابية. وأكد مواصلة تركيا التعاون بشكل وثيق مع روسيا وإيران حول قضايا المنطقة. وأضاف: "باعتبارنا ضامنين لمسار أستانة، فإننا ندافع عن وحدة تراب سورية وكيانها السياسي، ونعارض كل الجهود التي من شأنها الإخلال بهما".
وأعلن الوزير التركي أنه جرت في المباحثات "مناقشة الخطوات لتحقيق اتفاق إقامة منطقة عازلة في إدلب والخطوات التي سنتخذها لتطبيق هذا الاتفاق وحل المشاكل التي قد تنتج"، مضيفاً "يجب أن نؤمن الأمن والهدوء، وذلك سيسمح لنا بدفع العملية السياسية إلى الأمام". كما أوضح أن مسؤولي البلدين ناقشوا تأمين عودة اللاجئين السوريين وتحقيق ظروف عيش آمنة لهم.
وفي سياق الحراك السياسي حول سورية، اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على ضرورة المضي قدماً في المسار السياسي من أجل تسوية الصراع في سورية. وقالت نائبة المتحدث باسم الحكومة الألمانية، أولريك ديمر، في بيان، إن ميركل وبوتين تباحثا هاتفياً حول الوضع الدولي، ولا سيما سورية وأوكرانيا. ولفتت إلى أنهما بحثا مسألة تشكيل اللجنة الدستورية السورية، وإعلان الولايات المتحدة سحب قواتها من سورية.
ميدانياً، كان سكان منبج يعيشون، أمس، حالة من القلق والترقب غداة إعلان النظام انتشاره في المنطقة بطلب من الوحدات الكردية. وشهدت المدينة حركة اعتيادية في أسواقها، أمس، وسط استنفار أمني، وفق وكالة "فرانس برس"، التي أشارت إلى أن قوات محلية قامت بالتدقيق في هويات الداخلين إلى المدينة وتفتيش سياراتهم. وأوضحت الوكالة أن سيارات مزودة برشاشات من طراز دوشكا انتشرت في الشوارع الرئيسية والساحات العامة، وقربها مقاتلون ملثمون ومدججون بسلاحهم. كما أفادت بأن التحالف الدولي واصل تسيير دوريات في المنطقة.
في السياق، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن القيادة التركية أبلغت قادة الفصائل السورية الموالية لها الموجودة في الشمال السوري وعند نقاط التماس في محيط منبج، بأنها تنتظر نتائج مفاوضات موسكو لتحديد مصير العملية العسكرية المحتمل إطلاقها لانتزاع منبج. في الوقت نفسه، أكد المرصد أن المفاوضات قائمة في المنطقة بين ممثلين عن "قوات سورية الديمقراطية" وقوات النظام بشأن تسليم مزيد من المناطق للأخير، لكن من دون تحقيق أي نتيجة تذكر حتى الآن.
ومع الانسحاب الأميركي، تبرز تساؤلات عن مصير الأسلحة الأميركية المقدّمة لـ"قوات سورية الديمقراطية". وفي هذا السياق، كشفت وكالة "رويترز" أن قادة أميركيين أوصوا بالسماح للمقاتلين الأكراد الذين يحاربون تنظيم "داعش" بالاحتفاظ بالأسلحة التي قدمتها لهم الولايات المتحدة. ونقلت الوكالة عن ثلاثة من هؤلاء المسؤولين لم تكشف أسماءهم، أن هذه التوصيات جزء من مناقشات تجري بشأن مسودة خطة للجيش الأميركي. وسيتم عرض الخطة على البيت الأبيض خلال الأيام المقبلة كي يتخذ ترامب القرار النهائي. لكن الوكالة نقلت عن "شخص مطلع على المناقشات الخاصة بخطة الانسحاب الأميركي"، لم تكشف هويته، أن البيت الأبيض والرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيعارضان اقتراح السماح باحتفاظ الوحدات الكردية بالأسلحة التي حصلت عليها من الولايات المتحدة. وأضاف أن هذه التوصية تمثل "رفضاً لسياسة ترامب الانسحاب من سورية".