يتعذر توصل المسؤولين وأعضاء الأحزاب السياسية العراقية إلى اتفاق موضوعي فيما بينهم لتشكيل ما يعرف بـ"الكتلة الكبرى"، وهي أولى خطوات تشكيل الحكومة الجديدة في البلاد، ويرجعون السبب في ذلك إلى حجج وأسباب عدة.
من بين هذه الأسباب تمسك كل طرف من الأطراف بشروطه وامتناع الكل عن الذهاب للمعارضة والإصرار على الاشتراك بالحكومة الجديدة، وهو ما لا يمكن اعتباره بجديد، إذ إن أسباب تأخر حكومات سابقة بالعراق في فترة ما بعد الاحتلال تتكرر هذه المرة، في مباحثات ولادة الحكومة السادسة.
وتشير الوقائع إلى أن الكتل السياسية الفائزة بالانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو/ أيار الماضي، مثل تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، وهو واجهة مليشيات "الحشد الشعبي"، وتحالف "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، متمسكة بشروطها التي لا تتنازل عنها، فضلاً عن تأخر الأحزاب الكردية بالوصول إلى اتفاق نهائي والمجيء إلى بغداد بتحالف "قومي شامل"، كذلك الأحزاب "السنية" التي لم تتضح وجهتها، بعد بروز جبهتين مختلفتين بالرؤى، متمثلتين بخميس الخنجر وحزبه "القرار"، وما تبقى من "اتحاد القوى" بزعامة سليم الجبوري.
وتسعى "جهات شيعية"، أبرزها "حزب الفضيلة"، إلى دفع القطبين "الفتح وسائرون" إلى الجلوس والتفاهم، وإعادة إحياء التحالف الوطني، للدخول إلى البرلمان كأكبر قوة سياسية طائفية.
ودعا حزب الفضيلة، الثلاثاء، إلى عقد اجتماع بمائدة مستديرة للكتل الفائزة بالانتخابات، وترك الانقسام إلى محورين. وذكر الحزب في مؤتمر صحافي عقده في بغداد، "ما زلنا نرى أن الحل في اجتماع مائدة مستديرة للكتل الفائزة لتضع شروط ومواصفات رئيس الوزراء، ويجرى التصويت على المرشحين في إطارها".
وأضاف أنه "لا مانع من إعلان المحور الثاني (الفتح – دولة القانون) لنواة أخرى للكتلة الكبرى ثم تجتمع النواتان على المائدة المستديرة، أما التشظي والانقسام فليسا من مصلحة العراق ولا شعبه الذي أنهكته المشاكل والحروب".
وأرجع تحالف "الفتح" سبب تأخر وصول الأحزاب إلى نتيجة بشأن تأسيس "الكتلة الكبرى" إلى الضغوط الأميركية والسعودية.
وقال عضو التحالف حسن سالم، في تصريح صحافي، إن "وزير الدولة السعودي ثامر السبهان، والإدارة الأميركية يقفان ضد حكومة عراقية تساند الحشد الشعبي"، معتبراً أن "هدف أميركا والسعودية هو السعي إلى عدم تشكيل حكومة عراقية قوية، لا تسمح بالتدخل الخارجي والوجود الأميركي والأطماع السعودية. وهناك ضغوط من السبهان وأميركا تمارس على السنة".
في السياق، قال عضو "ائتلاف دولة القانون" والمقرب من نوري المالكي، سعد المطلبي، لـ"العربي الجديد"، إن "اللقاءات بين الأحزاب لا تزال مستمرة لحد الآن، واللجان ما تزال تعمل على كتابة البرامج الحكومية لهذه الأحزاب، ولكن حتى الآن لم تفض هذه اللقاءات إلى أي نتيجة معنا، ولا حتى مع غيرنا"، موضحاً أن "دولة القانون ستتحرك بعد إتمام كتابة برنامجها الانتخابية، وسيكون خلال الأيام القليلة المقبلة، وسنعلن عما سنتوصل إليه".
ولفت المطلبي إلى أن "إصرار السنة والكرد على رفض مشروع الأغلبية السياسية (مشروع المالكي)، والتقوقع طائفياً أو قومياً، سيجبر الأحزاب الشيعية على العودة مرة أخرى إلى التقوقع الطائفي، وربما نشهد عودة التحالف الوطني من جديد".
بدوره، قال عضو تحالف سائرون، وسكرتير الحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، إن "الاجتماع الأخير الذي عقدناه في فندق بابل وسط العاصمة بغداد، ثبت موقفنا والذين يؤمنون ببرنامجنا، وأوضح التوجهات الرسمية لسائرون وغيرها من المتآلفين معنا، مع أننا لم نتواصل مع الأحزاب السياسية كافة حتى الآن".
وأشار فهمي إلى أن "الأحزاب الكردستانية الكبيرة (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني)، تستعد لتحضير وفد مشترك من أجل زيارة بغداد، ونحن في سائرون لم نتصل بهم، ولحد الآن لم نصل معهم إلى قرار حاسم بشأن التحالف معاً، وخلال الأيام المقبلة، سنفهم الموقف الكردي".
ولفت في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "أحزاباً سياسية تسعى إلى إعادة إحياء التحالفات الطائفية، كأن يعود الشيعة إلى التحالف الوطني، والسنة إلى تحالف القوى، ونحن نرفض التكتلات الطائفية، وإذا تحقق هذا الأمر، فإننا سنسلك طريق المعارضة السياسية، لكننا ما زلنا نقاتل لمنع التحالفات على أساس المذاهب والطوائف".
3 خيارات لحكومة خدمية
يشار إلى أن رئيس "تيار الحكمة" عمار الحكيم، حليف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في البرنامج السياسي، طرح ثلاث 3 خيارات لتشكيل حكومة خدمية جديدة تخدم العراقيين، فيما رفض العودة إلى التكتلات المذهبية.
وقال الحكيم في بيان إن "إعادة مسلسل الاصطفاف المذهبي والقومي، وتحالفات المصالح الإقليمية والدولية المتقاطعة في الشأن العراقي، سيعيد العراق إلى المربع الأول".
وأضاف أنه "توجد أمامنا ثلاثة خيارات لتشكيل حكومة خدمية، الخيار الأول، تحالف الأغلبية الوطنية، الذي لا يغيب الجميع فيه عن المشاركة والمعارضة في آن واحد، وقوى تشارك، وقوى تعارض، ضمن فضاء المصلحة والمسؤولية الوطنية. والخيار الثاني، هو تشكيل حكومة شراكة في الفضاء الوطني من دون العودة إلى الفضاءات المذهبية والقومية، والخيار الثالث، هو عدم المشاركة في الحكومة المقبلة والانتقال إلى المعارضة البناءة في حال لم يتحقق الخياران الأول والثاني".
محاولات لمّ شمل الأحزاب الكردية
إلى ذلك، أكدت القيادية في الحزب الديمقراطي الكردستاني أشواق الجاف، أن "حزبها لديه أولوية مهمة، وهي لم شمل الأحزاب الكردستانية من خلال توجيه الدعوات لها، والاتحاد من جديد، ثم زيارة بغداد"، مشيرة إلى أن "الاتحادي الوطني الكردستاني أعلن موافقته على مرافقتنا، ولكن الأحزاب الكردية المعارضة لحد الآن لم تجيب على دعواتنا بصورة رسمية".
وقالت لـ "العربي الجديد": "نحن سنتحالف مع الأحزاب التي تطبق الدستور بشكل كامل وقانوني وصارم، وليس تطبيقه وفق الأهواء الشخصية للقادة السياسيين والحكام. وننتظر حالياً الرد الرسمي من الأحزاب الكردية المعارضة، لننتقل بعد ذلك من مرحلة التفاهمات إلى مرحلة التحالفات ومن ثم الانطلاق بالبرنامج الحكومي، وخلال الأيام المقبلة، أي ما بعد عيد الأضحى، سنعرف سر تأخر الأحزاب الكردية المعارضة والتعرف إلى مضمون مطالبهم أو شروط أو وجهة نظرهم".
بدوره، رأى المحلل السياسي العراقي محمد شفيق، أن "قضية الكتلة الكبرى لا بد أن يتم التوصل إلى تشكيلها مهما طالت أو قصرت المدة، خصوصاً أن انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان سيعطي الأمر حافزاً ودافعاً كبيراً"، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أن "التأخر لدى الأحزاب السياسية هو بسبب عدم المرونة في الشروط التي وضعها كل حزب".
كذلك أوضح شفيق أن "اجتماع فندق بابل، الذي جمع الصدر بباقي الأحزاب، لإعلان تشكيل الكتلة الكبرى، جاء متسرعاً للغاية من أجل ضرب المحور الآخر، وهو الفتح ودولة القانون، لكن القيادات لم تأخذ بالاعتبار حدة الانقسام والخلاف الموجود في حزب حيدر العبادي وائتلاف إياد علاوي، لذلك فشل".