ما وراء عودة شفيق

04 ديسمبر 2017

أحمد شفيق.. قرار ليس شخصياً منفردا

+ الخط -
مثل إعلان رئيس الوزراء المصري الأسبق، الفريق أحمد شفيق، نيته الترشح لرئاسة مصر، مفاجأة صادمة، إلى حد صعوبة فهمها وتفسيرها. لم يكن القرار مفاجئاً لرواد وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى للمراقبين والمهتمين فقط، لكن يبدو أنه كان أيضاً صادماً للمسؤولين الإماراتيين. وبالطبع، لنظرائهم المصريين. وإلا ما جاءت ردود الفعل الإماراتية قاسية، إلى حد وصف شفيق "ناكر جميل". ومما يؤكد أن وقع المفاجأة كان قوياً تطور موقف الإمارات غير مرة. بدءاً بنفي أن شفيق محتجز أو مقيد الحركة، انتهاء بإجباره بشكل مفاجئ على السفر، وترحيله بطائرة خاصة إلى مصر. وهو تصرّف لم يكن ليتم من دون تنسيق كامل مع القاهرة. ولهذا دلالاتٌ شديدة الأهمية عند تحليل خطوة شفيق، ومحاولة استجلاء خلفياتها.
مؤكّد أن الخطوة التي أقدم عليها الفريق أحمد شفيق أثارت جدلاً كبيراً في مصر على كل المستويات. وتنوعت محاوره، بين ترحيبٍ بترشح الرجل واعتباره منقذاً لمصر من وضعها الراهن، ورفض للخطوة، سواء اعتراضاً على شخص شفيق بصفته أحد رموز عهد حسني مبارك أو تحفظاً وغضباً من كل من يطرح نفسه معارضاً أو يتخذ مساراً يتقاطع ولا يواكب المسار الرسمي الحالي في مصر. وهنا، لا بد من الانتباه إلى أن الحجر الذي ألقاه شفيق في مياه الساحة السياسية المصرية الراكدة حرّكها في اتجاهات متضاربة، تتنازعها مواقف قوى واتجاهات متعارضة، بل متناقضة، فحزمة مؤيدي لخطوة شفيق تشمل بعض أطياف ثورة يناير، ومجموعات من أصحاب المصالح، منهم الغاضبون إزاء منظومة "3 يوليو" بعد أن خابت آمالهم في الحفاظ على مصالحهم معها، ومنهم من ظنوا أنهم رجال المرحلة، وفوجئوا أنهم مجرد أدوات. ومن المفارقات أن حزمة المعترضين تضم أيضاً بعض المتمسكين بثورة يناير، وبعض من يرفضون، بالمطلق، أي دور سياسي للعسكريين، فضلاً عن زمرة المؤيدين للوضع الحالي، وأكثرهم من المطبلين المهللين دائماً لمن يجلس على كرسي الحكم أياً كان. وهكذا جمع أحمد شفيق في تأييد خطوته بين مجموعاتٍ هي في الأصل متنافرة، وكذلك من يشتركون في الرفض أيضاً على الرغم من تناقض دوافعهم.
صحيح أن من شأن هذا الموزاييك غير المتجانس إضفاء إثارة وحيوية على الثغرة التي فتحها شفيق في جدار السياسة المصرية، لكن البعد المهم والجدير بالتحليل في فكرة ترشّح (أو منع ترشح!) الفريق أحمد شفيق للانتخابات المقبلة المفترضة لا يتعلق بفرص فوزه الفعلية، أو حتى فرص اكتمال ترشحه وخوضه السباق. وإنما بكيفية تشكل ذلك التصور القائم لديه عن إمكانية فوزه، ومصدر ثقته في القدرة على المضي في إجراءات الترشح وخوض المنافسة الانتخابية، بل والفوز بالمنصب.
تُرى، هل يمكن لشفيق أن يقنع نفسه بذلك التصور ويتحرك وفقاً له، من دون أن يحظى مسبقاً أو بدعم قوى أو تيارات أو أجنحة أو أطراف معينة في الساحة المصرية ومساندتها؟
بالنسبة لرجل دولة، مثل أحمد شفيق بتاريخه الطويل في منظومة الحكم والسلطة ومؤسسات الدولة، يصعب تصور أنه اتخذ قراراً مفصلياً في تاريخ مصر، ومصيرياً بالنسبة له، بحسابات منفردة، من دون التواصل مع بعض تلك المؤسسات أو بأطراف ما بداخلها. فإن لم تكن هذه الخطوة قد تمت بإيعاز أو تأييد كامل حصل عليه من جهاتٍ ما أو أوساط نافذة، فعلى الأقل عدم ممانعة، وربما ضوء أخضر.
في حالة أحمد شفيق ومن مثله، عندما يقرّر شيئاً أو يتبنّى موقفاً، لا يكون موقف فرد أو تحرّك شخص. لذا فالقرار لا يكون أبداً شخصياً منفرداً. إن لم يكن من البداية في الفكرة، فبالتأكيد في تحويلها إلى قرار وتحرّك عملي بالتخطيط له، ووضع حساباته، ثم تنفيذه. بالطبع، يفترض هذا التحليل أن سيناريو التمثيلية الذي يطرحه بعضهم ليس صحيحاً، وهو ما ستثبته طريقة التعامل الرسمي والإعلامي مع شفيق. وقد بدأ يتعرّض بالفعل لهجوم إعلامي شرس، غير أن خبرة الإعلام المصري في التقلب والتلون تدفع إلى الحذر الشديد قبل تصديقه.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.