دفع النظام السوري بحزب "البعث" لإدانة التطبيع البحريني مع إسرائيل، من دون التطرق إلى الإمارات سوى بالتلميح. وجرت العادة أن تصدر مثل هذه المواقف (الإدانة والشجب) عن وزارة خارجية النظام، أي عن الدولة بشكل مباشر، إلا أن لجوء النظام للحزب لتمرير الإدانة، وعبر بيان غير رسمي، نقلته صفحة القيادة القطرية لحزب "البعث" على موقع "فيسبوك"، دون أن يحمل توقيعاً حتى، يشير إلى محاولته المراوغة في تصدير موقف واحد والاختباء وراء الحزب في عملية الإدانة بغرض غير مفهوم في الوقت الحالي.
وجاء في بيان القيادة القُطرية أنه "حصل ما هو متوقع منذ انفراط عقد مقاطعة الكيان الصهيوني، بعد قيام بعض الدول العربية بتطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي. لذلك لم تكن صدمة التطبيع هذه كسابقاتها، لأن توقع انضمام البحرين إلى جوقة المُطبعين لم تكن مفاجئة لأحد. وكانت مجرد تأكيد على توجه تطبيعي تقوم به بعض الأنظمة العربية تنفيذاً لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة وللمشروع الصهيوني حول الشرق الأوسط الكبير". وأشار البيان إلى أن "القرار البحريني يُضر أولاً بمصالح الشعب البحريني الشقيق، وهو جزء من مخطط الكيان الصهيوني القائم على مبدأ السلام مقابل السلام، بما يجعل من احتلال فلسطين والجولان وبعض الأراضي اللبنانية حقاً مشروعاً للصهاينة، وهذا يشكل سابقة خطيرة مهينة للبحرينيين ولجميع أبناء الأمة العربية الشرفاء". وتابع: "إننا في حزب البعث العربي الاشتراكي ندين هذا القرار الذي اتخذه النظام البحريني إدانة تامة، ونحيي الرفض الواسع والمباشر لشعبنا العربي الشقيق في البحرين ولأبناء الأمة العربية كافة. ولا يمكن لحق أن يسقط بقرار من أنظمة تابعة. فالحق هناك من يحميه ويقاوم من أجله مهما كانت التضحيات".
دفع النظام بحزب "البعث" لإدانة التطبيع البحريني مع إسرائيل، دون التطرق إلى الإمارات سوى بالتلميح
ولا شك أن استخدام "البعث" سياسة "الكيل بمكيالين" بإدانة البحرين وتجنب الإشارة إلى الإمارات، التي بدأت أساساً بالتطبيع مع إسرائيل، يعود لكون أبوظبي من أول الساعين لإعادة تطبيع علاقاتها مع النظام بعد المقاطعة العربية والدولية له، على خلفية تعامله الأمني والعنيف مع متظاهري الحراك السلمي بداية الثورة السورية. وشهدت الأيام الأخيرة من العام 2018 إعادة الإمارات فتح سفارتها في دمشق، بعد سبعة أعوام من قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وبذلك يسعى النظام لكسب ود مزيد من الراغبين في تطبيع العلاقات معه، أو الحفاظ على من قام بذلك على الأقل، وهذا ما جنب ذكر الإمارات في بيان "البعث"، غير الرسمي أساساً. كما أن تقارير أمنية دولية أشارت إلى أن أبوظبي قدمت أخيراً مساعدات مالية كبيرة للنظام السوري مقابل مواجهة النفوذ التركي شمالي البلاد من خلال العمليات العسكرية، وتقديم دعم غير علني للحملة العسكرية الروسية في إدلب ومحيطها، ما يجعل النظام يغض الطرف عن توجيه الإدانة لها بشكل مباشر أو غير مباشر.
الباعث على تطبيع العلاقات الإماراتية مع النظام، هو الخوف من الشبح الإيراني في الخليج. وربما ذلك يجعل أبوظبي جسراً لنقل الرسائل بين النظام وتل أبيب حول الوجود الإيراني في سورية، والذي يؤرق إسرائيل بشكل رئيسي، وربما يصبح ثقيلاً على النظام، في مقابل الوجود الروسي في البلاد، والذي بات من الواضح أنه يلقى مباركة غربية غير معلنة لمواجهة التمدد الإيراني، أو ضبطه على الأقل، والتحكم بتصرفات النظام في قضايا استراتيجية. كل ذلك يجعل من صمت النظام عن الإدانة الواضحة، مؤشراً، ربما، على قبوله بصفقة جديدة لتقليل التمدد الإيراني في البلاد، أو جنوبها على الأقل، مقابل تهدئة التصعيد الإسرائيلي ضد سورية، وتلك مهمة قد يكون لأبوظبي اليد الطولى فيها، إذا ثبتت صحة هذه الفرضية. وكان المسؤول البعثي ووزير الإعلام الأسبق في النظام مهدي دخل الله قد لمّح إلى إمكانية خروج سورية من "حلف المقاومة"، مشترطاً ذلك بتحقق الأهداف النهائية للمقاومة. وأشار دخل الله، خلال لقاء تلفزيوني على "الفضائية السورية"، إلى احتمال حصول "وفاق روسي – أميركي على خروج سورية من محور المقاومة" وهو ما قد يكون ممكناً شرط حل القضية الفلسطينية، بحيث تكون لفلسطين ارتباطات مع إسرائيل. ولمّح أيضاً لإمكانية إقامة علاقات مع إسرائيل بعد حل القضية الفلسطينية، معتبراً أن الفرضيات التي تحدث بها قريبة وليست بعيدة، وفق رؤية زمنية.
النظام لم يتوقف عن إقامة محادثات مع اسرائيل، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة
ورأى الدبلوماسي السوري السابق والمنشق عن النظام بسام بربندي، الذي يقيم في واشنطن، أن "النظام لم يتوقف عن إقامة محادثات مع اسرائيل، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، وعن طريق العديد من الوسطاء، مثل تركيا أو الأميركيين، عبر جون كيري عندما كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أو عن طريق منظمات دولية، مثل مجموعة الأزمات الدولية، أو أشخاص مثل الأميركي اليهودي رونالد لاودر، والسوري الأميركي إبراهيم سليمان. وفي كل المحادثات التي جرت كانت نقاط الخلاف والتوافق معروفة سلفاً بين الطرفين". وأضاف بربندي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "المطلب الأميركي – الإسرائيلي من النظام هو قطع العلاقات مع إيران، وهو الذي كان يرفضه (بشار) الأسد. وفي بداية الثورة زار (وزير الخارجية الإماراتي) عبد الله بن زايد الأسد، وعرض عليه نيابة عن دول الخليج أن يقوم بالإصلاحات السياسية دون أن يتخلى عن الحكم، وأن الخليج سيدعم النظام بمليارات الدولارات، وأنهم سيبذلون كل ما لديهم من وساطة لإعادة الجولان لسورية ضمن اتفاق سلام سوري ــ إسرائيلي مقابل التخلي عن إيران، ورفض النظام هذا الطرح".
وتابع بربندي "بالتالي النظام ليس بمكان أن يدين أي إعلان سلام بين أي دولة عربية وإسرائيل، لأنه نفسه كان يبحث عنه. وأشار إلى أنه "جرى لقاء تحت رعاية روسيا وقوات الفصل الدولية، بين إسرائيل والنظام في يونيو/حزيران من العام الماضي، وفق ما ذكرت صحف عربية، وبعد ذلك تم نقل رفات جنود إسرائيليين من دمشق لإسرائيل، وعرض (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو ساعة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين التي حصل عليها من دمشق". وقال الدبلوماسي السابق إن "كل هذه الأمور تدل على أن الاتصالات لم تنقطع بين الطرفين، والنظام اليوم بحاجة إلى نوع من الرعاية الإسرائيلية كي يستمر".