ما وراء الحجب المصري لأكثر من 20 موقعاً: قمع ومصادرة ومآرب أخرى

27 مايو 2017
(العربي الجديد)
+ الخط -
أصدر النظام المصري قراراً بحجب 21 موقعًا صحافيًا، بادعاء "بث أخبار تحريضية والتشجيع على الإرهاب"، يوم الأربعاء الفائت.
وفي غضون ساعات، كانت مواقع "الجزيرة" و"مصر العربية"، و"عربي 21"، و"الشعب"، و"قناة الشرق"، و"كلمتي"، و"الحرية بوست"، و"حسم"، و"حماس"، و"إخوان أون لاين"، و"نافذة مصر"، و"بوابة القاهرة"، و"رصد"، و"مدى مصر" قد حُجبت تماماً عن جميع متصفحي مصر.
وكانت الحكومة المصرية قد أقدمت في ديسمبر/ كانون الأول 2015 على حجْب موقع صحيفة "العربي الجديد"، وهو قرار دانته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وتقدمت بدعوى قضائية لإلغائه في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي ضد رئيس مجلس الوزراء ووزير الاتصالات ورئيس الجهاز القومي للاتصالات ووزير الداخلية ومدير الإدارة العامة للتوثيق والمعلومات بوزارة الداخلية، قبل أن تحال الدعوى إلى هيئة للمفوضين لإبداء الرأي في يوليو/ تموز الماضي.


وقالت الشرطة المصرية، في بيان لها، الأربعاء، بعنوان "مصر تقطع أذرع التطرف والإرهاب"، إن مصدرا أمنيا رفيع المستوى، كشف عن حجب 21 موقعًا إلكترونيًا داخل جمهورية مصر العربية، لتضمنها محتوى يدعم الإرهاب والتطرف ويتعمّد نشر الأكاذيب. وأضاف المصدر أن إجراءات حجب المواقع الإلكترونية تمت وفقاً للقانون، موضحا أن هذه المواقع دأبت خلال الفترة الماضية، على بث الشائعات والأكاذيب، كما دعت إلى العنف والتطرف والتحريض على الإرهاب، وكانت سبّاقة في نشر الأخبار المتعلقة بالعمليات الإرهابية التي ضربت أماكن متفرقة في أنحاء البلاد.
وأشار المصدر إلى أن مَن يدير هذه المواقع، "هم عدد من الأشخاص المنتمين إلى تيارات فكرية متشددة، أو الذين ينفذون أجندات أجنبية لزعزعة استقرار الدولة المصرية، ويتلقون دعماً ضخماً من عدة جهات".
وأشار المصدر إلى أن "صبْر الدولة المصرية نفد إزاء هذه المواقع وما تبثه من أخبار تستهدف هدم الوطن وبث الكراهية بين المسلمين والمسيحيين واستقطاب الشباب وتحريضهم على العنف، وبث الإحباط واليأس"، مؤكداً أن حالة السيولة التي كانت في الماضي لم تعد مجدية، وأن دول العالم تتعامل مع وسائل الإعلام باعتبارها ركنا أصيلا من أركان الأمن القومي، وبالتالي فإن مصر تخوض حرباً حقيقية ضد الإرهاب، ليس فقط على المستوى الأمني والعسكري وإنما على المستوى الفكري والثقافي والإعلامي".
في المقابل، كانت صرخات منظمات المجتمع المدني والمهتمين بشأن الحريات والحقوق تشجب وتدين هذا القرار، الذي وصفه المرصد العربي لحرية الإعلام - منظمة مجتمع مدني مصرية ـ بأنه "اتهام كيدي لا يستند إلى دليل، كما أنه قرار يخالف نص المادة 71 من الدستور المصري، التي تحظر تماما إغلاق أو حجْب أو مصادرة الصحف".
وأشار المرصد إلى أن هذا الإجراء الخطير بحجب مواقع مشهود لها بالمهنية يؤكد تصاعد حدة عداء السلطات الحاكمة في مصر لحرية الصحافة والتي بدأت منذ اليوم الأول لانقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013 بإغلاق العديد من القنوات والصحف الرافضة للانقلاب العسكري.
وأكد المرصد "يأتي هذا الإجراء مواكباً ومتزامناً مع قرارات سعودية وإماراتية مشابهة بحجب العديد من المواقع، وهناك بعض المواقع المحجوبة شملتها قرارات الدول الثلاث مصر والسعودية والإمارات، وهي مواقع القنوات والصحف القطرية، ما يشي بأن الأمر يرتبط بأزمة سياسية بين هذه الدول ودولة قطر، وليس له علاقة بادعاءات محاربة الإرهاب".
وأنهى المرصد بيانه بـ"إزاء هذه الهجمة المنسقة بين الدول الثلاث ضد حرية الصحافة، يدعو المرصد العربي لحرية الإعلام إلى تحرك عاجل من كل الهيئات والمنظمات المعنية بحرية الصحافة والتعبير في العالم للتصدي لهذه الهجمة، التي ـ لو مرت - فإنها ستفتح شهية الأنظمة المستبدة لغلق وحجب المزيد من المنابر الإعلامية".
من جانبه، علّق مقرر لجنة الحريات بنقابة الصحافيين السابق، خالد البلشي: "الحجب مصادرة لا بد من التصدي لها"، وقال "الخطوة الأمنية بحجب 21 موقعًا إلكترونيًا، هي انتهاك شديد الخطورة ضد الصحافة وحريتها، وهي خطوة لم يفعلها نظام مبارك سوى خلال أيام الثورة ولمدة لم تتجاوز عدة ساعات".


وأضاف البلشي "الغريب أنه في الوقت الذي ادّعى المصدر الأمني أن الحجب بزعم الترويج للعنف، فإن الحجب طاول موقعاً كـ(مدى مصر)، وهو واحد من أهم المواقع المستقلة في مصر، و(المصريون)، وهو موقع تابع لصحيفة تصدر بترخيص مصري، بما ينذر بمصادرات قادمة. وامتد المنع لعدد من المواقع الشهيرة التي تعمل منذ فترة طويلة وتصدر من الداخل المصري".
وأعلن البلشي تضامنه مع "الزملاء في كل المواقع المحجوبة"، مطالبًا بـ"خطوات أوسع من التضامن وحملة قوية تفضح هذه الجريمة ضد الصحافة وحريتها".
وكان موقع "مدى مصر" قد نشر تدوينة عبر موقع التوصل الاجتماعي "فيسبوك"، محتواها "أصدقاء مدى الأعزاء..
تأكدنا الآن بعد التواصل مع شركائنا التقنيين أن موقع مدى مصر قد حُجب عبر حقن (ريسيت) تعطل الاتصال بعنوان موقعنا عبر أغلب مقدمي خدمة الإنترنت في مصر. نحاول الآن تعقب وتحديد مصدر الهجوم، لكنه حدث بالتزامن مع أخبار حجب الحكومة 21 موقعًا بسبب دعمها الإرهاب ونشرها اﻷكاذيب".
وأضافت الصفحة "على كل اﻷحوال، فلنستمر: رغم أن الحصول على إجازة كان سيسعدنا كثيرًا، إلا أننا مستمرون في النشر عبر كافة المنصات المتاحة إلى جانب موقعنا اﻹلكتروني أيضًا. انتظروا صحافتنا كالمعتاد. يمكن الوصول إلى موقعنا عبر البروكسي، والنسخ المخبأة (الكاش). ليس هذا مثاليًا لكن علينا جميعًا أن نتأقلم مؤقتًا".
"نحن أبناء الهامش، منه خرجنا، ومنه سنظل نخرج. انتظروا تحديثًا قريبًا جدًا عن كيفية الوصول إلينا من جديد"، هكذا أنهت صفحة مدى مصر حديثها.
يشار إلى أن موقع "مدى مصر" بدأ عمله فعلياً اعتبارا من الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، بالتزامن مع دعوات الإطاحة بأول رئيس مصري منتخب، محمد مرسي، وما تلاه من انقلاب عسكري.
كما أن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان دانت قرار الحكومة المصرية بحجب 21 موقعا إلكترونيا، بزعم تحريضها على التطرف أو مساندتها للإرهاب.
وقالت الشبكة "هي تهم واهية يعلم الجميع أنها تصطنع لتغطية عداء النظام المصري لحرية الصحافة والتعبير، وسعيه الحثيث لملاحقة المخالفين في الرأي".
وأكد بيان الشبكة أن الحملة تأتي على خلفية سلسلة لم تنقطع حلقاتها منذ منتصف 2013 من التضييق على حرية التعبير على الإنترنت تحت زعم محاربة الإرهاب أو التحريض عليه أو سعي المستهدفين بالملاحقة لقلب نظام الحكم. كانت آخر حلقات تلك السلسلة هي الحملة الأمنية الشرسة الجارية التي لاحقت بها الدولة عشرات الشباب على خلفية نشر آرائهم بشكل سلمي على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان "أمسينا في سجن تزداد أسواره ارتفاعاً يوماً بعد يوم. فبعد قانون منْع التظاهر، وملاحقة منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، وحبس الناشطين السياسيين وناشطي مواقع التواصل اﻻجتماعي، فوجئنا مساء أمس، بقرار حجب 21 موقعا إخباريا دون حكم قضائي أو سابق إنذار من أي جهة قضائية أو حتى إدارية، وهو الأمر الذي يعمل على ترسيخ دعائم حكم الفرد، وغياب القانون والمؤسساتية في القرارات الحكومية".
واعتبرت الشبكة أن "السلطات المصرية تلجأ إلى سياسة حجب المواقع الإخبارية وقرارات حظر النشر للحيلولة دون نشر أخبار الانتهاكات القانونية والحقوقية. حيث سبق أن قامت هذه السلطات بحجب العديد من المواقع التي تراقب العملية الانتخابية في يوم التصويت في الانتخابات البرلمانية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، وقطعت اﻻتصالات بشكل عام عن مصر يوم 28 يناير/ كانون الثاني من عام 2011 بالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات خلال ثورة يناير".


المساهمون