ما هي قصة الطُّرشي المصري؟

11 اغسطس 2017
عُرفت المخلّلات منذ عصر الكشوف البحرية (العربي الجديد)
+ الخط -
للمقبلات حول العالم تاريخ طويل مع الطعام. ويقال إنّ الفراعنة كانوا أول من عرف الطُّرشي باعتباره فاتحاً للشهية، بل إنه كان طعاماً مستقلاً للفقراء مع الخبز وبعض ماء النيل. وهو الأمر الذي استمرَّ حتى اليوم، خاصة مع العمال الفقراء والفلاحين البسطاء في الدلتا والصعيد.

وكلمة طرشي كلمة فارسية تعني الثمار المملحة، وبالعربية تسمى "مخلل" أي الثمار الموضوعة في الخل والملح حتى تخللها، وبالتركية تورسو، وباليونانية القديمة تورسي. ويقول المخضرمون من أهل المهنة في أحياء مصر الفاطمية إن كلمة طرشي جاءت من اسم البرميل الخشبي الذي كانت تحفظ فيه الثمار المملحة ويطلق عليه اسم الطرشة. وكان التخليل سابقاً يتم في أنواع عدة من الأواني أهمها الفخار والخشب والحديد والزجاج، ولكن براميل الخشب كانت المفضلة لدى الصناع القُدامى لقدرتها على ترشيح الماء الزائد دون دخول الهواء للمكونات.

كشفت النقوش المتنوعة على آثار الفراعنة عن وجود قديم للمخللات، خاصة الخضراوات مثل الجزر والخيار بل والطماطم الخضراء، لكن أكثرها مصرية وتميُّزاٍ كان مخلل جمار النخل، وهو قلب النخلة الذي لا يمكن الحصول عليه إلا بقطعها وشقها نصفين. ولايزال الجمار المخلل موجوداً في بعض الأماكن بالصعيد حتى الآن، مع اختلاف في طريقة التخليل عمّا كان قديماً، فقد أصبح الأمر اليوم لا يتعدى نقع شرائح الجمار في الماء والملح والخل والثوم. أما الطريقة الفرعونية القديمة فكانت أكثر ثراءً، فشرائح الجمار الرقيقة كانت تنقع في خل النبيذ الأحمر والملح وبعض النبيذ الأحمر والزيت النقي، إضافة للثوم والفلفل الأحمر الحار والجزر والليمون وأحيانا الزنجبيل الأخضر الذي كان التجار يجلبونه من خارج البلاد، ولا تعرفه سوى موائد الأغنياء، وتترك لعدة أسابيع حتى تصبح القطعة منها خليطاً من كل المكونات.

ويعد تناول المخلل من الموروثات الشعبية المصرية، لذا فهو متوفر دائماً، لكن تختلف أنواعه وأسعاره بصورة كبيرة، لدرجة أن بعض أنواعه، خاصة الزيتون والمانجو المخلل والليمون المستورد، خارج قدرة الكثيرين المادية. كذلك ابتكر "الطرشجية" أنواعاً جديدة مثل الباذنجان بالمكسرات والزيتون والليمون بالمكسرات أيضاً، وهي أصناف تصل أسعارها إلى مئات الجنيهات للكيلو الواحد. فيما بقي البصل والخيار والجزر والكرنب والقرنبيط واللفت والليمون البلدي والفلفل والباذنجان هي الأنواع الوفيّة بالعهد مع الطبقتين الفقيرة وبقايا المتوسطة.
ويمتاز المصريون بنوع آخر من المخلل لا يوجد في مكان آخر، وهو الجبن المملح أو المش المصري. وهو طعام مصنوع من الجبن القريش واللبن والملح الغزير، ويوضع معه قشور البرتقال والليمون المقطع لأنصاف وقشور اليوسفي والجزر والفلفل. ثم يحفظ كل ذلك في إناء من الفخار يسمى "زلعة" وهي جرة فخارية تصنع بنفس الطريقة منذ العصر الفرعوني، وتترك لمدة عام كامل محكمة الغلق في الشمس، وتجفف الشمس المكونات التي يرشح سوائلها عبر الفخار، حتى يتحول الخليط الداخلي إلى كتلة شبه لينة تعرف بالمش.


وقد عُرفت المخللات في الثقافة الغربية منذ عصر الكشوف البحرية، ويذكر المؤرخون أن المخللات لعبت دوراً مهماً في الحفاظ على صحة البحارة الذين كانوا عرضة لتساقط الأسنان ونزيف اللثة بسبب نقص الفيتامينات.


المساهمون