تواجه حكومة المحافظين بقيادة رئيسة الوزراء تيريزا ماي تحديات مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، التي يطلق عليها اختصاراً مفاوضات "بريكست"، وترتيب طبيعة العلاقات التجارية الجديدة مع دول المنظومة الأوروبية وبناء شراكات تجارية في فترة ما بعد الطلاق النهائي المتوقع في مارس/ آذار 2019. وحتى الآن تركز حكومة السيدة ماي ذات التفويض الشعبي الضعيف، والتي تواجه معارضة حتى من بعض أعضاء حزبها، ناهيك عن حزب العمال، على ترتيب الشكل الجديد للعلاقات التجارية مع الكتلة الأوروبية.
وتعد الكتلة الأوروبية أهم شريك تجاري واستثماري لبريطانيا، حيث تأخذ حصة 50% من حجم الاستثمار والتجارة البريطانية، وذلك وفقاً للإحصائيات البريطانية الرسمية. وكانت السيدة ماي قد قالت في نهاية الشهر الماضي، (30/8/2017)، إنها ستطلب من شركاء التجارة الحاليين، مواصلة المتاجرة مع بريطانيا بالشروط نفسها القائمة حالياً، أي شروط المتاجرة مع دول الاتحاد الأوروبي، حتى نهاية مفاوضات "بريكست"، والخروج النهائي من عضوية الاتحاد الأوروبي. وتصريحات ماي جاءت في إطار محاولاتها لتطمين قطاع الأعمال البريطاني، والإيحاء بأن الخروج من أوروبا سيكون مرناً وغير مؤثر على الأعمال التجارية.
وحسب المسوّدة الخاصة التي وضعتها بشأن الترتيبات التجارية للفترة الانتقالية، من الآن وحتى الخروج النهائي، فإن تركيز السيدة ماي، في مفاوضات "بريكست"، سينصب على كيفية الحصول على شروط مرنة، تبقي على المتاجرة مع السوق الأوروبية، خاصة بالنسبة للخدمات المالية، وعلى رأسها "جواز المرور" بالنسبة لشركات حي المال البريطاني، الذي تتمركز فيه المصارف العالمية وترغب في الاحتفاظ بها بعيداً عن اقتناص المراكز المالية الأوروبية، وخدمات تسوية الصفقات المستقبلية التي تتم في سوق المال البريطاني. يضاف إلى ذلك الاتفاق على التعرفة الجمركية في التبادل التجاري بين بروكسل ولندن في فترة ما بعد "بريكست". وهنالك خيارات شراكة متاحة أمام بريطانيا للاختيار منها، من بينها النموذجان السويسري والنرويجي، حيث إنهما دولتان غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولكن لديهما ترتيبات شراكة تجارية مع الكتلة الأوروبية.
ولكن ماذا لو رفض الاتحاد الأوروبي الاستجابة لمطالب بريطانيا بالإبقاء على أي نمط من أنماط الشراكة التجارية، وأصر على التعامل معها كدولة أجنبية تماماً، مثلما يتعامل حالياً مع الدول غير الأعضاء. يرى بحث صدر هذا الشهر عن جامعة "لندن سكول أوف إيكونومكس"، في هذا الشأن، أن بريطانيا ستكون مضطرة للتعامل مع الكتلة الأوروبية بالتعرفة الجمركية الجاري العمل بها في منظمة التجارة العالمية. وهي تعرفة منخفضة على معظم السلع لا تتجاوز 1.5%. ولكن، وحسب البحث الذي صدر هذا الشهر في كتاب، فإن بريطانيا ستواجه تعرفة مرتفعة على بعض السلع، مثل السيارات وبعض المواد الغذائية.
أما على صعيد الفضاء التجاري والاقتصادي الجديد الذي تنوي بريطانيا بناءه لما بعد فترة "بريكست"، فإن رئيسة الوزراء تيريزا ماي، قامت بجولة خلال العامين الماضي والجاري على مجموعة من الدول لإجراء مفاوضات أولية حول ترتيب هذه الشراكات التجارية التي ستصنع الفضاء الجديد. من بين هذه الشراكات التجارية مع الدول الكبرى ودول الاقتصادات الناشئة، كل من الولايات المتحدة واليابان والصين والهند وكندا وأستراليا ودول مجلس التعاون الخليجي. ولكن ماي، وكما صرحت في زيارتها الأخيرة لليابان (30/8/2017)، فإنها تأمل في الإبقاء على علاقات التجارة القائمة مع شركاء التجارة لفترة زمنية محددة إلى حين بناء الفضاء التجاري الجديد وإنهاء مفاوضات التجارة مع الشركاء الجدد.
وسعت رئيسة الوزراء، وحسب مجلة "بوليتيكو يورب" الأسبوعية، في زيارتها، إلى إقناع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، بتوقيع اتفاقية الشراكة التجارية اليابانية القائمة مع الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا.
وكانت السيدة ماي قد اتفقت مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال زيارتها للولايات المتحدة (26 يناير/ كانون الثاني)، على ترتيبات لإجراء شراكة تجارية مع أميركا. وحسب بحث صدر عن جامعة "لندن سكول أوف إيكونومكس" هذا الشهر، فإن الشراكة التجارية مع أميركا، يمكن أن تبنى على نمط مشروع الشراكة التجارية الذي كان تحت النقاش مع الكتلة الأوروبية، قبل اغتياله من قبل الرئيس ترامب قبل وصوله للحكم.
والشراكة مع الاقتصاد الأميركي الذي يعادل اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي ستكون مفيدة بالنسبة للشركات البريطانية ولحي المال البريطاني، ولكن يتخوف البريطانيون من هيمنة الشركات الأميركية الضخمة على المنتجات الزراعية.
أما مشروع الشراكة الثاني المهم بالنسبة لبريطانيا فهو مشروع الشراكة التجارية مع الصين والهند، وهما من أكبر الاقتصادات الناشئة في العالم. بالنسبة للصين، على الرغم من تطور العلاقات البريطانية الصينية في السنوات الأخيرة، وأن الشركات الصينية تستثمر حالياً أكثر من 30 مليار جنيه إسترليني في بريطانيا، إلا أن ترتيب هذه الشراكة لن يكون سهلاً. على الصعيد الإيجابي بالنسبة لبريطانيا، في هذا الصدد، يشير البحث الجديد الذي أصدره كل من الدكتورة سواتي دنقرا والباحث نيكيل داتا بجامعة "لندن سكول أوف إيكونومكس"، إلى أن المستهلك البريطاني سيستفيد من الشراكة مع بكين على صعيد رخص البضائع الصينية التي ستستورد إلى السوق البريطاني. ولكن وحسب البحث، فهنالك مخاوف من أن إنشاء علاقات تجارية قوية مع الصين سيقود إلى ضرب القوى العاملة البريطانية، لأن البضائع الصينية ستغرق السوق البريطاني وتقتل العديد من الصناعات والخدمات. وبالتالي، ينصح كل من الدكتورة سواتي دنقرا والباحث داتا، الحكومة البريطانية بأن تأخذ في الحسبان عند المفاوضات، أن لدى الصين إجراءات إنتاجية مختلفة من حيث معايير السلامة والبيئة، كما أن لديها عمالة رخيصة. وبالتالي، فإن الوحدة السلعية المنتجة في السوق الصيني، يصعب على المنتج البريطاني منافستها. وبالتالي ينصح البحث بأن تصر بريطانيا على أن تنص أية اتفاقية شراكة مع الصين على معايير السلامة والبيئة. ولكن السؤال: هل سترضى الصين بذلك؟ وهل تملك بريطانيا الثقل الاقتصادي للضغط على الصين؟
ولدى الصين اتفاقية شراكة تجارية مع سويسرا. ويرى اقتصاديون أن نموذج الشراكة التجارية السويسرية مع الصين، يمكن أن يكون صالحاً لبريطانيا، وخاصة أن الصين لديها فوائض مالية ضخمة (أكثر من 3 ترليونات دولار)، وبالتالي قادرة على ضخ استثمارات ضخمة في الاقتصاد البريطاني، ولكن يلاحظ أن مفاوضات الشراكة السويسرية مع بكين أخذت 4 سنوات و9 جولات من المفاوضات.
من محفزات الصين للشراكة مع بريطانيا، أن بكين تحدوها رغبة جامحة في استغلال سوق لندن المالي لتدويل اليوان عبر إصدار سندات دولية ومنصة تسوية للصفقات. ولكن في المقابل، فإن شراكة تجارية عميقة مع الصين ستخيف شركاء بريطانيا الآخرين، خاصة الولايات المتحدة، من احتمال استغلال الشركات الصينية لبريطانيا كمنصة للتصدير إلى السوق الأميركي. وتواجه بريطانيا عقبات تجارية في الشراكة مع الهند، كما أن خطط شراكاتها مع دول مجلس التعاون تعطلت بسبب أزمة الحصار الرباعي على قطر.
اقــرأ أيضاً
وحسب المسوّدة الخاصة التي وضعتها بشأن الترتيبات التجارية للفترة الانتقالية، من الآن وحتى الخروج النهائي، فإن تركيز السيدة ماي، في مفاوضات "بريكست"، سينصب على كيفية الحصول على شروط مرنة، تبقي على المتاجرة مع السوق الأوروبية، خاصة بالنسبة للخدمات المالية، وعلى رأسها "جواز المرور" بالنسبة لشركات حي المال البريطاني، الذي تتمركز فيه المصارف العالمية وترغب في الاحتفاظ بها بعيداً عن اقتناص المراكز المالية الأوروبية، وخدمات تسوية الصفقات المستقبلية التي تتم في سوق المال البريطاني. يضاف إلى ذلك الاتفاق على التعرفة الجمركية في التبادل التجاري بين بروكسل ولندن في فترة ما بعد "بريكست". وهنالك خيارات شراكة متاحة أمام بريطانيا للاختيار منها، من بينها النموذجان السويسري والنرويجي، حيث إنهما دولتان غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولكن لديهما ترتيبات شراكة تجارية مع الكتلة الأوروبية.
ولكن ماذا لو رفض الاتحاد الأوروبي الاستجابة لمطالب بريطانيا بالإبقاء على أي نمط من أنماط الشراكة التجارية، وأصر على التعامل معها كدولة أجنبية تماماً، مثلما يتعامل حالياً مع الدول غير الأعضاء. يرى بحث صدر هذا الشهر عن جامعة "لندن سكول أوف إيكونومكس"، في هذا الشأن، أن بريطانيا ستكون مضطرة للتعامل مع الكتلة الأوروبية بالتعرفة الجمركية الجاري العمل بها في منظمة التجارة العالمية. وهي تعرفة منخفضة على معظم السلع لا تتجاوز 1.5%. ولكن، وحسب البحث الذي صدر هذا الشهر في كتاب، فإن بريطانيا ستواجه تعرفة مرتفعة على بعض السلع، مثل السيارات وبعض المواد الغذائية.
أما على صعيد الفضاء التجاري والاقتصادي الجديد الذي تنوي بريطانيا بناءه لما بعد فترة "بريكست"، فإن رئيسة الوزراء تيريزا ماي، قامت بجولة خلال العامين الماضي والجاري على مجموعة من الدول لإجراء مفاوضات أولية حول ترتيب هذه الشراكات التجارية التي ستصنع الفضاء الجديد. من بين هذه الشراكات التجارية مع الدول الكبرى ودول الاقتصادات الناشئة، كل من الولايات المتحدة واليابان والصين والهند وكندا وأستراليا ودول مجلس التعاون الخليجي. ولكن ماي، وكما صرحت في زيارتها الأخيرة لليابان (30/8/2017)، فإنها تأمل في الإبقاء على علاقات التجارة القائمة مع شركاء التجارة لفترة زمنية محددة إلى حين بناء الفضاء التجاري الجديد وإنهاء مفاوضات التجارة مع الشركاء الجدد.
وسعت رئيسة الوزراء، وحسب مجلة "بوليتيكو يورب" الأسبوعية، في زيارتها، إلى إقناع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، بتوقيع اتفاقية الشراكة التجارية اليابانية القائمة مع الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا.
وكانت السيدة ماي قد اتفقت مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال زيارتها للولايات المتحدة (26 يناير/ كانون الثاني)، على ترتيبات لإجراء شراكة تجارية مع أميركا. وحسب بحث صدر عن جامعة "لندن سكول أوف إيكونومكس" هذا الشهر، فإن الشراكة التجارية مع أميركا، يمكن أن تبنى على نمط مشروع الشراكة التجارية الذي كان تحت النقاش مع الكتلة الأوروبية، قبل اغتياله من قبل الرئيس ترامب قبل وصوله للحكم.
والشراكة مع الاقتصاد الأميركي الذي يعادل اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي ستكون مفيدة بالنسبة للشركات البريطانية ولحي المال البريطاني، ولكن يتخوف البريطانيون من هيمنة الشركات الأميركية الضخمة على المنتجات الزراعية.
أما مشروع الشراكة الثاني المهم بالنسبة لبريطانيا فهو مشروع الشراكة التجارية مع الصين والهند، وهما من أكبر الاقتصادات الناشئة في العالم. بالنسبة للصين، على الرغم من تطور العلاقات البريطانية الصينية في السنوات الأخيرة، وأن الشركات الصينية تستثمر حالياً أكثر من 30 مليار جنيه إسترليني في بريطانيا، إلا أن ترتيب هذه الشراكة لن يكون سهلاً. على الصعيد الإيجابي بالنسبة لبريطانيا، في هذا الصدد، يشير البحث الجديد الذي أصدره كل من الدكتورة سواتي دنقرا والباحث نيكيل داتا بجامعة "لندن سكول أوف إيكونومكس"، إلى أن المستهلك البريطاني سيستفيد من الشراكة مع بكين على صعيد رخص البضائع الصينية التي ستستورد إلى السوق البريطاني. ولكن وحسب البحث، فهنالك مخاوف من أن إنشاء علاقات تجارية قوية مع الصين سيقود إلى ضرب القوى العاملة البريطانية، لأن البضائع الصينية ستغرق السوق البريطاني وتقتل العديد من الصناعات والخدمات. وبالتالي، ينصح كل من الدكتورة سواتي دنقرا والباحث داتا، الحكومة البريطانية بأن تأخذ في الحسبان عند المفاوضات، أن لدى الصين إجراءات إنتاجية مختلفة من حيث معايير السلامة والبيئة، كما أن لديها عمالة رخيصة. وبالتالي، فإن الوحدة السلعية المنتجة في السوق الصيني، يصعب على المنتج البريطاني منافستها. وبالتالي ينصح البحث بأن تصر بريطانيا على أن تنص أية اتفاقية شراكة مع الصين على معايير السلامة والبيئة. ولكن السؤال: هل سترضى الصين بذلك؟ وهل تملك بريطانيا الثقل الاقتصادي للضغط على الصين؟
ولدى الصين اتفاقية شراكة تجارية مع سويسرا. ويرى اقتصاديون أن نموذج الشراكة التجارية السويسرية مع الصين، يمكن أن يكون صالحاً لبريطانيا، وخاصة أن الصين لديها فوائض مالية ضخمة (أكثر من 3 ترليونات دولار)، وبالتالي قادرة على ضخ استثمارات ضخمة في الاقتصاد البريطاني، ولكن يلاحظ أن مفاوضات الشراكة السويسرية مع بكين أخذت 4 سنوات و9 جولات من المفاوضات.
من محفزات الصين للشراكة مع بريطانيا، أن بكين تحدوها رغبة جامحة في استغلال سوق لندن المالي لتدويل اليوان عبر إصدار سندات دولية ومنصة تسوية للصفقات. ولكن في المقابل، فإن شراكة تجارية عميقة مع الصين ستخيف شركاء بريطانيا الآخرين، خاصة الولايات المتحدة، من احتمال استغلال الشركات الصينية لبريطانيا كمنصة للتصدير إلى السوق الأميركي. وتواجه بريطانيا عقبات تجارية في الشراكة مع الهند، كما أن خطط شراكاتها مع دول مجلس التعاون تعطلت بسبب أزمة الحصار الرباعي على قطر.