سعى "الحلف الثلاثي"، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، اليوم السبت، إلى تأكيد فاعلية الضربة التي شنّها على مواقع النظام السوري، فجر اليوم السبت، معلناً عن أسلحة جديدة تُستخدم للمرة الأولى، بينما حاولت روسيا والنظام السوري التقليل من أهمية الضربة وفاعليتها، مع تأكيد فاعلية التصدي لها، حتى تحوّل الأمر إلى ما يشبه المبارزة الدعائية بين الأسلحة الغربية والروسية.
وأعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أن قواتها البحرية والجوية استهدفت فجراً مراكز للبحوث العلمية ومواقع عسكرية للنظام السوري، بينها مطارات، في دمشق ومحيطها وحمص، واشتملت على إطلاق ما بين 100 إلى 120 صاروخاً.
في المقابل، حاولت روسيا والنظام السوري التقليل من أهمية الضربة وفاعليتها، بالإضافة إلى تأكيد فاعلية التصدي لها.
وبينما استبعدت بعض البيانات الصادرة عن العواصم الغربية إسقاط أي من الصواريخ التي تمّ إطلاقها على أهداف في سورية، مؤكدة دقة وفاعلية الضربات، أعلنت وزارة الدفاع الروسية إسقاط 71 صاروخاً من إجمالي الصواريخ الغربية، مؤكّدة عدم سقوط أي قتيل من جرّاء هذه الضربات، وأن المواقع التي قصفت كانت خاوية أصلاً.
وبحسب وسائل إعلام أميركية، فقد شاركت سفينة حربية أميركية في البحر الأحمر في الهجوم، إضافة إلى طائرات وقاذفات القنابل من نوع "بي 1".
ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أميركي قوله إن الولايات المتحدة استخدمت صواريخ "كروز" من طراز "توماهوك" في الغارات، واتجهت مجموعة مكوّنة من 12 سفينة وقطعة حربية أميركية نحو سورية، استعداداً للضربة العسكرية، وهو ما اعتبر أكبر حشدٍ في المتوسط منذ غزو العراق عام 2003. ويضم هذا الحشد العسكري "الثلاثي" حاملة الطائرات العملاقة العاملة بالطاقة النووية "يو إس إس هاري إس ترومان"، التي تحمل 90 طائرة، ترافقها خمس مدمرات وطرادات. وقد انضمت إلى أربع مدمرات موجودة أصلاً في مياه المتوسط، إضافة إلى الغواصتين النوويتين "جورجيا" و"جون وارنر".
من جهتها، قالت وزارة الدفاع البريطانية إن أربع طائرات مقاتلة من طراز "تورنادو جي آر 4"، تابعة لسلاح الجو الملكي، شاركت في العملية، وأطلقت صواريخ "ستورم شادو" على مجمع عسكري، هو عبارة عن قاعدة صواريخ قديمة على بعد 24 كيلومتراً غرب حمص.
أما الرئاسة الفرنسية، فقد بثّت شريطاً مصوراً على موقع "تويتر"، عرض طائرات حربية من طراز "رافال"، تقلع للمشاركة في عملية استهدفت منشآت للأسلحة الكيميائية، تابعة للنظام السوري، مشيرة إلى أن مقاتلات من طراز "ميراج" و"رافال" شاركت في الضربات الجوية، إضافة إلى أربع فرقاطات، ونظام الإنذار المبكر والتحكم المحمول جواً ("أواكس")، إلى جانب خدمات الدعم والإمداد، إلا أن مسؤولين روساً شككوا في أن تكون فرنسا شاركت أصلاً في هذه الضربة.
التصدي للضربة
في محاولة للتقليل من فاعلية الضربة الغربية، قال بيان لجيش النظام السوري إن منظومات الدفاع الجوي تصدت للصواريخ "بكفاءة عالية"، وأسقطت 20 منها، في حين رفع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الرقم إلى 71 صاروخاً تمّ إسقاطها.
وقال شويغو، خلال مؤتمر صحافي، إن روسيا طورت منظومة الدفاع السورية وستعود إلى تطويرها بشكل أفضل، مؤكداً أن لا ضحايا بين المدنيين والعسكريين، ومشيراً إلى أن موسكو ستسلم النظام السوري صواريخ من منظومة "إس 300".
وتعد أنظمة "إس 300" الدفاعية عائلة كبيرة من صواريخ الأرض - جو التي طورها الاتحاد السوفياتي السابق، ولا تزال واحدة من بين أهم مصادر الدفاع الجوي في روسيا.
وشهد عام 1979 أول تشغيل لأنظمة "إس 300". وفي البداية، كان هدفها دفاعياً بحتاً ضد الطائرات وصواريخ "كروز"، قبل أن يتم تطويرها لاعتراض الصواريخ البالستية أيضاً.
وتعمل هذه الأنظمة بشكل آلي تماماً، كما يمكن ضبطها من أجل إمكانية التحكم بها يدوياً.
والأنظمة مزودة بأجهزة رادار، تحدّد الأهداف وترسلها إلى مركز القيادة، الذي يمكن أن يبتعد عن موقع النظام حتى 40 كيلومتراً، بينما تكون مهمة مركز القيادة التمييز بين الأهداف الكاذبة، أو تلك التي يصعب استهدافها بسبب ابتعادها عن مركز إطلاق الصواريخ.
من جهتها، قالت وزارة الدفاع الروسية إن طائرات أميركية من طرازات B-1B وF-15 وF-16، معززة بطائرات "تورنادو" البريطانية، شاركت في العملية العسكرية، إضافة الى سفينتي "لابون" و"مونتيري" الأميركيتين من البحر الأحمر، مشيرة إلى أن القصف اشتمل على إطلاق 103 صواريخ مجنحة، بما فيها "توماهوك" التي أطلقت من السفن الحربية، والقنابل الجوية من نوع GBU-38 التي أسقطتها طائرات B-1B، فيما أطلقت طائرات F-15 وF-16 الأميركية صواريخ "جو- أرض"، والطائرات البريطانية ثمانية صواريخ من نوع Scalp EG.
وفي حين قالت الوزارة إن قوات الدفاع الجوي التابعة للنظام السوري تمكنت من اعتراض وإسقاط 71 صاروخاً، باستخدام منظومات "إس-125" و"إس-200" و"بوك" و"كفادرات" و"اوسا"، إلا أن المحلل العسكري العميد محمد رحال شكك في صحة الرواية الروسية.
وقال لـ"العربي الجديد" "إن الصواريخ التي أطلقتها الدول الثلاث لا يمكن التشويش عليها، مشككاً في قدرة الصواريخ التي ذكرتها وزارة الدفاع الروسية على إسقاط صاروخ "توماهوك"، ومؤكداً أن صواريخ "إس 300" و"إس 400" وحدها القادرة على التصدي للصواريخ الغربية، وهي صواريخ لا يملكها النظام السوري، بل القوات الروسية الموجودة في سورية.
جدير بالذكر أن منظومة صواريخ "إس-125"، هي بطاريات صاروخية قصيرة المدى دخلت الخدمة في الجيش السوفياتي عام 1961 تحت اسم إس-125 "نيفا"، وتستخدم للتصدي للأهداف الجوية على الارتفاعات المنخفضة. وخضعت هذه المنظومة للتحديث بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتمّ تصديرها إلى كثير من الدول، بينها سورية وليبيا والعراق.
أما صواريخ "إس-200"، فهي منصات دفاع جوي صاروخية بعيدة المدى مخصصة لحماية القوات والمنشآت من الطائرات القاذفة والأهداف الاستراتيجية الطائرة الأخرى على مساحات كبيرة. وقد دخلت الخدمة في الجيش السوفياتي عام 1967 وتمّ تصديرها مطلع الثمانينيات إلى الخارج وحملت أسماء: "أنغارا" و"فيغا" و"دوبنا".
ومنظومة الدفاع الجوي "إس 200" هي منظومة متحركة مخصصة للتصدي للأهداف الجوية عالية المناورة على الارتفاعات القصيرة والمتوسطة التي تراوح بين 30 و14-18 كيلومتراً في ظروف التشويش الإلكتروني. وقد دخلت الخدمة في الجيش السوفياتي عام 1979، ولا تزال قيد الخدمة في كثير من بلدان الشرق الأوسط وشرق أوروبا.
أما منظومة "بوك" الصاروخية، المعروفة باسم "كفادرات" ويطلق عليها في الخارج اسم "سام 6"، فهي تستخدم للدفاع عن القوات وحمايتها من الطائرات والقذائف المحلقة على ارتفاعات منخفضة ومتوسطة، ولا تزال في خدمة الجيش الروسي وجيوش كثير من الدول، وتستخدم في العديد من الدول العربية، مثل مصر وسورية والعراق والجزائر وليبيا، وإيران ودول أوروبا الشرقية.
المواقع المستهدفة
من جهته، قال سيرغي رودسكوي، رئيس غرفة العمليات في هيئة الأركان الروسية، إن المواقع التي تمّ تدميرها "كانت مدمرة أصلاً"، مشيراً إلى أن البيانات الروسية تؤكد "عدم مشاركة الطيران الفرنسي في العمليات العسكرية".
وذكرت وزارة الدفاع الروسية بالتفصيل عدد الصواريخ التي أطلقت، وسمّت جميع المواقع المستهدفة، مشيرة إلى أن جميع المطارات السورية المستهدفة لم تتعرّض لأي أذى يذكر، وهي:
- المطار الدولي، بـ4 صواريخ أسقطت جميعها.
- مطار ضمير العسكري، بـ12 صاروخاً أسقطت جميعها.
- مطار بلي العسكري جنوب شرقي دمشق، بـ18 صاروخاً أسقطت جميعها.
- مطار شعيرات العسكري، بـ12 صاروخاً أسقطت جميعها.
- مطار المزة، بـ9 صواريخ تم إسقاط 5 منها.
- مطار حمص، بـ16 صاروخاً، تم تدمير 13 منها من دون أضرار جدية في الموقع.
كذلك تعرضت منطقتا برزة وجمرايا للقصف بـ30 صاروخاً تم إسقاط 7 منها، على حدّ قولها.
وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن الضربات استهدفت "مناطق مدمرة أصلاً"، نافية أن يكون أي من الصواريخ التي تمّ إطلاقها قد دخل منطقة الدفاعات الجوية الروسية في سورية، التي تحمي قاعدتي حميميم وطرطوس.
في المقابل، قال رئيس هيئة الأركان الموحدة الأميركية جوزيف دارفورد إن الجانب الأميركي لم يسجل أي مشاركة روسية في التصدي لضربات الحلفاء، وأن الرد الوحيد على الضربة الغربية تمثل في إطلاق السوريين صواريخ أرض - جو.
إلى ذلك، ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن مراكز الأبحاث والمقرات العسكرية التي طالتها الضربات الغربية كانت خالية تماماً إلا من بضع عناصر حراسة، جراء تدابير احترازية اتخذها جيش النظام مسبقاً.
وكان النظام السوري قد أخلى مطارات وقواعد عسكرية عدة، بينها قيادة الأركان ومبنى وزارة الدفاع في دمشق، على خلفية تهديدات واشنطن بشن ضربة عسكرية.