ما هو الضباب؟

11 مارس 2018
+ الخط -
سألني ابني ذي الأربعة عشر ربيعا: ما هو الضباب يا أبي؟ وبعد لحظة تفكير، كان جوابي: هو الغشاوة السميكة التي تستقر في عقولنا وضمائرنا، وتجعلنا لا نفرق بين الشروق والغروب، بين الليل والنهار، بين الخير والشر، بين العلم والجهل، بين الحياة والموت.
الضباب هو أن لا نسمّي الأشياء بأسمائها، هو حين ننحدر إلى الحضيض، ونحن نعتقد أننا نسمو. الضباب هو حين ننتشي من كثرة اللذة، ونحن نلتهم جميع أطباق الرداءة، هو حين نغطس في المستنقعات، ونحن نعتقد أننا نستحم في البحيرات، وحين نسكن سفوح الجبال ونعتقد أننا نقيم على قممها.
الضباب هو حين نرقص بين حبلين، هو حين نعتقد في الشيء وفي نقيضه في الوقت نفسه، حين لا ننتمي إلى أنفسنا العميقة ونعمل على تبرير ما لا يبرّر، وهو أن ننظر في مرآة الآخر لكي نرى أنفسنا، وألا نحضر في زمننا إلا ككائنات مفعول فيها وبها ونعتقد أننا نحن الفاعلون.
الضباب هو حين نلبس لباسا، ليس على مقاس ذواتنا، أن نعتقد في جمال قبحنا، وأن لا نفرق بين الحمامة والغراب، هو حين يبدو لنا المد جزرا والجزر مدا، وحين نظن أن كل شيء يباع ويشترى، بما في ذلك ديننا وقيمنا.
الضباب هو حينما نسوي بين الضحية والجلاد، حين نكذب على أنفسنا، ونعتقد في صحة كذبنا، وحين نراهن على أوهامنا ونعقد آمالنا على أخطائنا، وحين نعتقد في تفوقنا على الآخرين، ونعتقد في طهارتنا ونجاسة الآخرين، وأن نعتقد بصفاء عرقنا وبشرف نسبنا والآخرون مجرد حثالة وخليط هجين.
الضباب هو أن نعتقد بحقيقة وجودنا وبخرافة وجود الآخرين، وحين نراوح مكاننا، ونحن نعتقد أننا نخطو خطوات ثابتة إلى الأمام، وحين يتعطل قطارنا ويتجاوزنا قطار الآخرين، ونحن نظن أننا نتقدم والآخرون واقفون، وأن نعتقد بعدالة قضايانا وظلم قضايا الآخرين، وهو حين نعتقد أن الله سينصفنا نحن دون الآخرين، وحين نقف في مفترق الطرق، ولا نختار الطريق التي سنسلكها، وأن نجاور الظلام، ونحن نظن أننا ننعم بالنور.
الضباب هو الاعتقاد بأن زمان المعجزات ولى وراح، لكن زمننا نحن لا زال يجود بالخوارق، وحين نؤمن بأن الغيب من علم الله وحده، ونعتقد، في الوقت نفسه، أن المشعوذين والدجالين يتقاسمون هذه الصفة مع الله.
الضباب حين نقتل القتيل ونمشي في جنازته، وحين نخلط بين الجد والهزل، بين الشهامة والدناءة، وحين لا نرى إلا أخطاء الآخرين من دون أن ننتبه إلى أخطائنا، وحين ننصب أنفسنا أوصياء على الآخرين، ونحن قاصرون، وأن ننوب على الآخرين فيما لا يعنينا، وهو أن نفتش في ضمائر الناس، وننسى ضمائرنا، وهو حينما نعتقد جازمين أننا نفكر مكان الآخرين أحسن مما يفكرون لذواتهم ومصالحهم.
كنت ولا زلت أقول إن هناك ما هو أخطر من الظلام، فعلى الأقل الظلام واضح، ولا ينقصه إلا الأنوار، أما الضباب حيث تنعدم الرؤية، لا تفيدنا الأنوار في شيء، ولتسألوا السائقين، خصوصا ربابنة السفن والطائرات.
6CD01A49-74BB-4A9E-AC8F-3FB5631C566B
6CD01A49-74BB-4A9E-AC8F-3FB5631C566B
عمر بن أعمارة (المغرب)
عمر بن أعمارة (المغرب)