ما لم تقله ياسمين

04 مارس 2016
صرخة الخروج بمصر من النفق المظلم (فيسبوك)
+ الخط -

السيدة "ياسمين عبد الفتاح" إحدى الثائرات المصريات اللواتي جعلني موقع "فيسبوك" أتابع آراءهن بدقة، بخاصة بعد استشهاد زوجها الراحل "أحمد عمّار" في أحداث مجزرة رابعة الشهيرة، وما جعلني أتابعها أكثر ما لمحتُه في كتاباتها من حس نقدي، وقدرة على طرح حلول.


وذات مرة وجدتُني رئيساً لتحرير أحد المواقع الإلكترونية التابعة لأحد الفضائيات الشهيرة المناوئة للانقلاب، ولما فكرتُ في تجديد دماء الموقع قفزت السيدة ياسمين إلى ذهني، فخاطبتُها على الخاص بأن تكتب قصة استشهاد زوجها وترسلها فاعتذرتْ بلطف شديد، وسمحتْ لي بإعادة كتابة "بوستاتها" كما أريد لإبراز معانيها.

ومؤخراً رأيتُ مقالاً لها بملحق "جيل"، وفهمتُ أن نبوءتي كان فيها شيء من التوفيق، ربما مرة في العمر، ولكني راهنتُ نفسي على أن بوستات السيدة ياسمين سيظل لها السبق، وأن الأمر سيأخذ بعض الوقت لتواكب المقالات كتاباتها على موقع "فيسبوك"..

أما عن سر متابعتي كتابات هذه السيدة فروح الألم التي لمستُها من خلال ما كتبته عن زوجها المهندس الراحل، تمنيّه الشهادة، ونزوله في 25 من يناير، ثم ما روته عن أحداث محمد محمود، وعن الخيط الفاخر الذي "أخطأ" طبيب ميداني و"خاط" به جرحاً له أعلى حاجبه ذات نوبة ثورية، ثم تعمده التصدي للبلطجية في إحدى النوبات التي خرجت منها مظاهرات من ميدان رابعة، أيام ظن الثوار هناك أن المظاهرات ستأتي لهم بحق، ومعرفته ببعض البلطجية عن طريق الدعوة، ثم غيابهما عن الميدان يوم الفض، وإسراعهما إليه، وتفرقهما في الزحام، وأقسى خبر وصل لمسامعها باستشهاد زوجها الشاب، وبوحها بأنها كانت أقصى أمنية لديه "الشهادة"، ولا أنسى وصفها لخروجها من الميدان ليلتها بعد معرفتها باستشهاد رفيق سنيّ تفتح عمرها، ذلك الذي تزوجها ولديها من العمر 19 ربيعاً فقط، وعاشتْ معه 12 عاماً فقط، وعبرتْ عن نفسها بالقول إنه رباها على عينيه.

ليلتها أطل واحد من المحسوبين على البشر من شرفة إحدى الشقق المطلة على الميدان معلناً شماتته في الثوار وما لاقوه، وبكل حرقة القلب التي هي فيه دعتْ عليه، فاستشاط أحد الثوار الذين لا "علم" لهم بما حدث وقال لها:

ـ لا تدعي على الناس هكذا يا "أخت"..!

السيدة ياسمين حسن عبد الفتاح، كما أخبرتني بوستاتها ابنة أحد أشراف اللواءات، ورأتْ الحياة من وجهيها المُخلصين، أو من رجال وجهيها المُخلصينِ، الأب والزوج، رحمهما الله، ولا أنسى إنني ثاني يوم نجاحي في الخروج من مصر قرأتُ خبر اعتقالها فحزنتُ لأسرة مات عائلها، وتم القبض على عائلتها الوحيدة، ثم سررتُ مساءً لما علمتُ أن فريق إحدى الفضائيات الذي كان يُصور معها عند اعتقالها أصر على خروجها معه، إحدى الفضائيات الأجنبية طبعاً، ولا أنسى دعوة مأمور القسم لها لكي تشرب شاياً معه وتعليقها بأنها "عملتْ له وجه كلب"، كما لا أنسى وصفها لموقف تعرضتْ فيه للموت مع فتيات "شعبة الحي السابع"، فخلعتْ إحداهن حجابها وبدأت في "غسيله"!

أما "البوست" الرائع الذي ذكرني بجميع المواقف الماضية عن طريق "البوستات"، فهو قولها مساء الأربعاء 4 من نوفمبر/تشرين الثاني: بأن كل الكرة الأرضية والكواكب وحتى الخائن السفاح "عبد الفتاح السيسي" يبحث عن مخرج للإخوان مما هم فيه فيما عدا الإخوان أنفسهم، والبرلمان المفترض لهم في المهجر، ورئيسه ـ بعد استقالة ثروت نافع ـ وتصدي الدكتور حشمت، وهو ما عهدتُه بنفسي لكل من يعترض على خط سيره، وفي النهاية لا أمل في إصلاح شيء، والمعتقلون وأهاليهم يزداد حالهم سوءاً يوماً بعد يوم لا أكثر، ولا أمل في شيء، فقتلة الشهيد "حسن البنا" لم يحاسبهم أحد، وشهداء الإخوان في عهد "عبد الناصر" لم يؤاخذهم أحد، وأن من خرج من عمله لا يفكر في الرجوع إليه.. فما بالنا برئيس الجمهورية الدكتور "محمد مرسي"، وإن من رأيها أن نرحم الناس من قسوة الحياة وبخاصة المعتقلين.. ونسير خلف أقرب حل.

تمتاز السيدة ياسمين بالشعور المُتدفق بالآخرين حتى أنها بعد وفاة زوجها نصحت الزوجات بعد ممارسة أحد حقوقهن المكتسبة بالتسبب في "القرف" لأزواجهن، وبوستها الأخير ذكرني بكلمات سابقة لها عن مرارة الاستشهاد والاعتقال على الأهل والأقارب، وربما لهذا السبب تحدثتْ عن أثر اليتم على الأبناء في مقال ملحق جيل..

السيدة ياسمين تُلمح إلى حوار للمدعو السيسي مع قناة إخبارية غربية في نفس اليوم يقول فيه إن الإخوان جزء من نسيج المجتمع المصري، ثم هي تعيب على المكابرة الإخوانية في رفض الوصول إلى حل مع تعمق المشكلات لدى أسر المُضارين وتركتْ آلاف منها بلا مساعدة، وكلمات السيدة ياسمين توافق كلمات باحت بها السيدة "سناء عبد الجواد" خفف الله عنها، زوجة الدكتور محمد البلتاجي، وهو الذي طالما عارض قرارات الإخوان المتسرعة ومنها عدم النزول في تظاهرات محمد محمود وغيرها، ثم إنه والد الشهيدة أسماء، رحمها الله، ورب الأسرة المُعتقل جميع أبنائه تقريباً، ولكن السيدة سناء أعلنتها مدوية منذ شهور بوجوب البحث السريع عن حل للأزمة المصرية، وعدم الارتكان إلى عدم وجود حل..!

يبقى أن كلمات السيدة ياسمين واكبتْ معنى كلمات السيدة سناء، وصرخات كل عاقل بإعمال العقل للخروج بمصر من النفق المظلم، بخاصة من جماعة الإخوان، وهي الكلمات التي أثق في كون السيدة ياسمين ستحسن ترجمتها في مقال قريباً مشفوعاً بمواقف دامغة من تجربتها المريرة، أعانها الله ..!

(مصر)