[الشعر كما يراه دامر شودان نوع من رحلة داخلية تقود المرء عبر نفق الذات نحو أنوار العالم الخارجي.
يعد شودان أبرز أسماء جيله الشعري في كرواتيا، ولد في سبليت عام 1964 وبدأ بكتابة وترجمة الشعر في وقت واحد تقريباً في منتصف الثمانينيات، وبدأ النشر في منتصف تسعينيات القرن الماضي، متأثراً بالشعر الأميركي المترجم، وخصوصاً شعر جيل "البيت" بعد الحرب العالمية الثانية. وأكثر السمات التي جذبته لدى شعراء هذه الحركة أهمية، العفوية ومقاومة التجريد والتشديد على المخيلة الملموسة.
يكتب للمسرح أيضاً، ويرى تماثلاً بين الشعر والدراما من حيث أن النوعين "كتابة في حالة حركة"، ومن حيث أنهما مشتقان من بنية الأسطورة. ففي كتابة المسرحية كما يقول، استناداً إلى ديفيد مامت، من النادر أن تنقل دلالة الكلمات محتوى ما يقال، إنه يصل بوساطة إيقاع الكلام ووضعية المتكلم وأشياء أخرى كثيرة، وينطبق هذا على الشعر إلى حد ما، حين يشعر المرءُ بأن ما تحت النص، أو القصد الضمني، يصل بغض النظر عن مناورات الشاعر "البلاغية" إن كان الصوت الذي يتحدث سليماً.
فضلا عن ذلك، يؤمن شودان بأن "الشعر "الحقيقي" يرفض أن يكون إحالة غامضة إلى الذات، ويرغب أن يكون في أحضان العالم". ووقف هذا الإيمان وراء خياراته وممارساته كشاعر ومسرحي ومترجم، وكإنسان متفائل حيال وضعية الشعر الكرواتي المعاصر].
حجارة
دائماً هذه الحجارة. حجارةٌ طائرة،
لم يعد يزعجني حتى الخروج لمراقبتها
بعد الآن. أعمل وآكلُ، برأسٍ
مضروب، في خضمّ ضجيجِ غضبٍ فظٍ متقطّع
حجارةُ حصارٍ، حجارة شاعرٍ، حجارة توراتية،
حجارة جزيرة (حجارة من كل الأنواع)
تتدفق جداولَ نحو وجنات أجيالٍ قادمة.
ومع أن لا شيء فيها
لا شيء من الجبس أو المعادن أو الإرادة
(لا شيء من الحجر ذاته) لا تتوقف
كتلتها المنهارة أبداً. تواصل رجمي:
نصالٌ وضيعة قاسية
من تلك التي تجعل حتى الملائكة تجفل.
عصا
أتساءلُ إن كنتُ سأمتلك عصا ذات يوم
مثل تلك التي يستخدمها المكفوفون والعجائز والسادة
عصا أجسّ بها الجليد مثل ييتس
أو أربتُ بها على رصيف المشاة، أُبعد بها الحشرات
والحمائم، حين تجيء الأزمانُ
القلقة، تلك السنوات العتيقة الكئيبة المنحدرة
سأحتاج إلى تلك العصا
عصا من خشب الورد، أو
من خشبٍ آخر، عصا للتسلية
بل وحتى عصا لتحية
هي بالفعل ملقط غسيل لعصا
يربط فكّي كماشتيه المتشابكين
بين يد وتراب
حيث أحببتني ذات يوم.
ما لا نتحدّث عنه حين نتحدّث عن الحب
كلُّ شيء قيل وتمَّ
رسالته حول الافتداء
انتهت في كيس نفاياتٍ بلاستيكي أسود
وسط قطع أثاث مبعثرة
حيث تجلس صبية صغيرة تتصفّح
كتاباً مصوّراً عن الطحالب.
سرعان ما سيخلع البابُ مفاصلَه عن المنزل بنفسهِ
(على الأقل هكذا يبدو الأمر)
ويسير مبتعداً عبر المرج
ساحباً وراءه الارتعاشات غير المرئية
ولكن ما إن تدخل
إلى ذلك الحد من أجل الطين
وعد الربيع المعتكر ذاك..
(يكاد لسانه يغمغم
بشيء شبيه بهذا)
أياً يكن، لا تحاول الاحتضار زمناً طويلاً
مثل فيوليتا في أوبرا لاترافيتا
على طبعة دليل التلفاز
للسنة الجديدة
هذا ليس وقتاً لانفجارات مفاجئة ونبوءات.
إنه يشعر بحافز مفاجئ لينزل في جندول بلاستيكي
أو يهبط نحو أقلام رصاص مسنّنة
نعم، أقلام رصاص، ولم لا؟
قطبي جنوبي
مباركٌ بياضُ
الأماكن النائية
قميصٌ بكم قصير، عادي ونظيف،
من دون أحد للقتل.
في الخامسة بعد الظهر، في غرفةِ فندقٍ
تنقّبُ في حقيبتكَ
باحثاً عن صابون حلاقة
ومفكّراً بالقطبيّ الجنوبي
لن تتوقف بالفعل، ما دمتَ
مستعداً دائماً
لبدايةٍ مبكرة مثل هذه.
روتردام
لا شيء مميّز
كان يوم خميس
(لا خصوصية لشيء)
وفاتني القطار
دراجة هوائية عتيقة كانت تراقبني
من تحت إعلان سوني
أحدهم سرق عجلتها الأمامية أثناء الليلة الماضية
وفي الأسفل، في الميناء
1920، كان ميشو يركب ناقلة
هدية ألمانيا إلى فرنسا
تزن عشرة آلاف طن
ذات خطوط أنيقة
أطلقوا عليها تسمية
"المنتصر".
ترجمة وتقديم محمد الأسعد
اقرأ أيضاً: ثوب جديد للملكة