قام مئات المصلين الفلسطينيين اليوم الجمعة، بفتح "باب الرحمة" أحد أبواب المسجد الأقصى، بالقوة بعد 16 عاماً من إغلاق الاحتلال له عام 2003، وسحب الاحتلال الإسرائيلي جنوده الذين كانوا يتمركزون في نقطة عسكرية أعلى الباب.
ووفق المصادر التاريخية، فإن "باب الرحمة" جزء من المسجد الأقصى، ويقع في السور الشرقي للمسجد، ويبلغ ارتفاعه 11.5 متراً، ويوجد داخله مبنى مرتفع ينزل إليه بدرج طويل من داخل المسجد، وهو مكون من بوابتين، هما الرحمة جنوباً، والتوبة شمالاً، وبينهما عمود من الحجر.
دمر الباب في كثير من الحروب، وأعيد ترميمه، ومنه دخل هرقل القدس بعد انتصاره على الفرس عام 628، أما البناء الحالي فيؤكد باحثون أن الذي أمر ببنائه هو الخليفة مروان بن عبد الملك، ثم تم تجديد البناء في عهد صلاح الدين الأيوبي.
وبناء الباب تم بمهارة فائقة جعلته أشبه بلوحة فنية، ويضم البناء زخارف توثق ازدهار الفن المعماري الإسلامي، وأطلق عليه العديد من الأسماء سابقاً، بينها البوابة الأبدية، والبوابة الدهرية، وباب توما، وباب الحكم، وباب القضاء، كما يطلق عليه اسم الباب الذهبي.
ويقع إلى الشرق من الباب خارج السور مقبرة باب الرحمة التي تضم قبري الصحابيين شداد بن أوس وعبادة بن الصامت، وعدد من علماء وشيوخ المسجد الأقصى، وعدد كبير من الشهداء، وهي أكبر المقابر الإسلامية في القدس، وقام الاحتلال بالاستيلاء على جزء منها وهدم القبور تمهيدًا لبناء تلفريك يمتد من جبل الزيتون إلى باب الرحمة، بهدف ضم المنطقة إلى المسارات التوراتية في القدس.
أغلق الباب من الخارج بالحجارة في العهد المملوكي، أو الأيوبي، حسب روايات متباينة، وليس معروفًا على وجه الدقة سبب إغلاقه، إلا أن الرائج كان الرغبة في التحكم في الداخلين إلى الأقصى، فأغلقت جميع الأبواب التي توصل مباشرة إلى خارج مدينة القدس.
واستخدم المبنى الواقع داخل الباب من جهة المسجد الأقصى كقاعة للصّلاة، ويقال إن الإمام أبو حامد الغزالي (1058 - 1111) كان يعتكف في زاويته عندما سكن القدس ليدرِّس في المسجد الأقصى، وفيها وضع كتابه الأشهر "إحياء علوم الدين"، كما اتخذت لجنة التراث الإسلامي القاعة داخل الباب مقراً لأنشطتها الدعوية داخل الأقصى منذ عام 1992، حتى حلت سلطات الاحتلال اللجنة عام 2003.
وتروّج مصادر الاحتلال الإسرائيلي أن المكان بُني على يد النبي سليمان، ويسعى الاحتلال جاهداً للاستيلاء عليه وتحويله إلى كنيس يهودي.
في حرب 1967، حاول قائد جيش الاحتلال حينها، موشيه ديان، اقتحام الباب عنوة لكنّه فشل، كما جرت محاولة فاشلة لاقتحامه في 2002، حين حاول متطرف إسرائيلي فتح قبر المولوية الملاصق للباب من الخارج، وحفر نفقاً تحته ينفذ إلى داخل المسجد الأقصى.
وبعد سيطرة الاحتلال على الحائط الغربي للمسجد الأقصى (حائط البراق) عام 1967، اتجهت أنظاره إلى المنطقتين الجنوبية والشرقية من الأقصى، وفي الجهة الشرقية التي تضم الباب، خططوا للاستيلاء على المصلى المرواني، وهو مصلى تحت الأرض يتسع لخمسة آلاف مصل، إلا أن الحركة الإسلامية قامت بترميمه عام 1996، وأفشلت مخطط الاستيلاء عليه.
وكان باب الرحمة مقراً للجنة زكاة القدس قبل أن تقوم سلطات الاحتلال بإغلاقه عام 2003، وظل المبنى مغلقاً وغير مستخدم منذ ذلك الحين، وفي شهر رمضان الماضي، قام مصلون بتحويل "تلة الرحمة" إلى مكان يصلح للصلاة، فقامت شرطة الاحتلال بتخريب كل الممرات والمقاعد.
وفي الشهور الأخيرة، بات المستوطنون الذين يقتحمون الأقصى يقيمون صلوات توراتية لدى وصولهم إلى منطقة باب الرحمة، في حين تمنع قوات الاحتلال المسلمين من التواجد في المكان.