ما بعد حادثة أطفال درعا

04 يونيو 2014
+ الخط -
لا يستطيع من تابع الثورة السورية، منذ يومها الأول، أن يُنكر سلميتها، وأنّها لم تكُن ثورةً بقدر ما كانت رد فعل على حادثة اعتقال أطفال درعا الذين تم التنكيل بهم وبأهاليهم، كما درجت عادة النظام في التعاطي مع كل من يجرؤ على مخالفته. ندلّل على ذلك بالنتائج الكارثية التي طالت آلافاً من أبناء سورية، بعد إصدار القانون (49) الذي سنّه النظام لعام 1980، وينص في مادّته الأولى: "يعتبر مجرماً ويعاقب بالإعدام كل منتسب لجماعة الإخوان المسلمين".
هكذا ببساطة. هذا القانون صدر قبل أحداث مدينة حماة في العام 1982، والتي راح ضحيتها أكثر من 40,000 مواطن سوري، عدا عن أن حوالي نصف هذا العدد ما زالوا مفقودين. إذن، ما الذي يمنع هذا النظام من تكرار المأساة نفسها، أو أكثر بعد حادثة أطفال درعا؟.
في درعا، ثم في كل أنحاء سورية، صعّد النظام بكل طاقته، إنْ ميدانياً على الأرض، عبر القتل المباشر بواسطة "حرسه الجمهوري" الذي حرّك "فرقته الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد لقتل الناس، أو عبر وسائل إعلامه، وإعلام مواليه، منذ اللحظة الأولى، في محاولة بائسة لتصوير التحرّك على غير حقيقته، إذ كان الخوف قد خيّم بعد السقوط السريع لزين العابدين بن علي، وزميله حسني مبارك، وهو ما كان يُنبئ بخطر تهاوي كل هذه الأنظمة، بحيث سقط فيما بعد معمّر القذافي، وعلي عبدالله صالح، ومازالت الأحداث تتفاعل في أماكن أخرى.
الأهم في هذا كله دخول حزب طائفي لبناني على خط الأزمة، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من نظام كان طوال فترة حكمه يدّعي "العلمانية"، إلى جانب شعارات برّاقة أخرى، إضافة إلى إيران، وبعض الفصائل الشيعية العراقية، بل وحتى بمشاركة بعض الأفغان، والباكستانيين، والحوثيين من اليمن.
الخط الناظم، والقاسم المشترك الوحيد في هذه التركيبة لونها الطائفي الواحد. هذا، بالإضافة إلى أن ترشّح بشار الأسد لولاية رئاسية ثالثة، يطرح عدّة تساؤلات: ما البرنامج الانتخابي للأسد؟ ما الذي سيقدّمه في المرحلة المقبلة؟ لعل المتابع يعرف أن لا جديد، وهذا ما يوحي أن النظام لم يرَ بعد حجم تدميره البلاد طولاً وعرضاً، أو أنّه اعتاد المشهد، فأصبح الطبيعي في هكذا حالة التعايش مع حالة الحرب على الشعب بالوكالة. فبعد الرفع الشكلي لحالة الطوارئ، عوّض النظام ما يمكن تعويضه، بالقتل المباشر، وبكل الطرق التي قد لا تخطر على بال. ما أشعر المراقب الصامت "إسرائيل" بالطمأنينة، إن لجهة تورّط حزب الله واستنزافه، أو لفتح المسألة السورية على احتمالات متعدّدة، ليس آخرها التقسيم الذي كثُر الحديث عنه، في ظل عمليات التهجير الواسعة من بعض المدن والقرى.
يعلم النظام، ومن خلفه، أن "الانتخابات" تأتي في سياق غير طبيعي، ولا تدنو حتى من مسألة شرعنة حكمه سبع سنين مقبلة، وظِّفت لها ماكينة إعلامية ضخمة، تمتد إلى كل الدول المتحالفة معه. بل الهدف الأول والأخير منها محاولة الإبقاء على الوضع كما هو، ريثما تُرسم خطوط تسويةٍ ما في مكان ما، تُخرج النظام بأقل الخسائر الممكنة، بحيث تحفظ للأطراف المتورّطة في الحرب الدائرة مصالحها مع طاقم حكم جديد، أياً كانت المآلات النهائية على الأرض، خصوصاً وأن الشعب السوري، وهو صاحب المصلحة الأساسي هنا، تم تغييبه قتلاً وتهجيراً واعتقالاً. وإقليمياً، الاستحقاقات كثيرة: "انتخابات" في سورية، شغور في موقع الرئاسة بلبنان، إعادة إنتاج للنظام المصري بوجهه القديم، ما قبل الإسلامي.
الطامة الكبرى، أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، يعيش حالة سبات وشلل باديين قبيل انتخاباته، عدا عن أنّه، بحسب توصيف المعارض محيي الدين اللاذقاني، في مبادرته لعقد "مؤتمر وطني عام"، ينتخب ممثليه بالاقتراع المباشر، والتي أطلقها على صفحته على "فيسبوك"، "الشعب والثوار –وبعيداً عن التعميم- يرى في الأعضاء الحاليين ممثلين لأجندات إقليمية ودولية وليس للقرار السوري المستقل"، وهذا يعني تغييباً كاملاً للشعب السوري، بتحالفين، يبدوان متحاربين، فيما يسعيان إلى حل تسووي على غرار مؤتمري "جنيف 1" أواخر يونيو/حزيران 2012، و"جنيف 2" في يناير/ كانون الثاني 2014.
وإلى أن تنضج تسوية ما، ستستمر الأُطر السياسية نفسها، نظاماً و"معارضة" بإعادة إنتاج نفسها، فيما يدفع الشعب السوري الفاتورة الأغلى.

 

CF815EC1-F6DA-4B2D-B743-09400D243E46
CF815EC1-F6DA-4B2D-B743-09400D243E46
فيكتوريوس بيان شمس (سورية)
فيكتوريوس بيان شمس (سورية)