ما بعد توماهوك: الإعلام مشتّت بين ترامب والأسد

12B88EE2-75E5-406E-B023-C3D7E731D57D
دجى داود

صحافية لبنانية، مهتمة برصد الإعلام ومواقع التواصل، وقضايا حقوق الإنسان وحرياته. عملت في وسائل إعلام لبنانية منذ العام 2011. انضمّت لأسرة "العربي الجديد" في مارس 2014."ثوري وارقصي تمرّداً"

09 ابريل 2017
930F697B-6180-4FD2-A04C-6E2BC817D19B
+ الخط -
لن تتوقّف آثار صواريخ توماهوك بين ليلةٍ وضحاها. فالضربة الأميركية على قاعدة الشعيرات في محافظة حمص وسط سورية، ليل الخميس - الجمعة، فاجأت الإعلام، حول العالم، وأعادت خلط الأوراق حول مواقف الصحافة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فأعربت صحف عالميّة عن رضاها من "الرسالة" التي وجّهها الأخير لرئيس النظام السوري بشار الأسد، بأنه "لا يمكن أن يفلت من العقاب"، بينما بدا الإعلام الروسي والأميركي المحافظ غاضباً من القرار، ومحذّراً من تداعياته.


موقف "واشنطن بوست" كان بارزاً بعد الضربة، وهي المناهضة لترامب في سياساته. ورأت الصحيفة في افتتاحيّتها يوم الجمعة، أنّ قرار الضربة العسكرية في سورية صحيح أخلاقياً، وقد يفتح المجال على مجموعة من الفوائد، فنظام بشار الأسد قد يرتدع عن استخدام الغاز السام ضد المدنيين، وهي جريمة حرب شنيعة، إن تم السكوت عنها، قد تجعل العالم وليس فقط سورية، أكثر وحشيّة.

وأضافت "يجب أن يكون لروسيا وإيران سبب آخر لإعادة تفكيرهما حول دعم الديكتاتور المغرق بالدم في دمشق، أو الموافقة على صفقة تتخلّص منه. أنظمة مارقة أخرى وممولوها يجب أن يعيدوا حساباتهم حول كيف سيكون ردّ فعل الولايات المتحدة لاستفزازهم". واعتبرت أنّ الأهم في ذلك كلّه، أنّ "حلفاء الولايات المتحدة سيكون لديهم الآن سبب للأمل في أنّ ترامب قد يملأ فراغ القيادة العالميّة، في الشرق الأوسط وما بعده، والذي تركه قرار الرئيس باراك أوباما بعدم تطبيق خطوطه الحمر حول استخدام سورية للأسلحة الكيميائية".



من جهتها، كانت "نيويورك تايمز" متردّدة في دعم ترامب. فبينما أكّدت "الشعور بالرضا" نتيجة قرار الضربة، طرحت العديد من الأسئلة التي تثير الاضطراب حول "ما بعد". وقالت الصحيفة في افتتاحيّتها يوم الجمعة "احتاج بشار الأسد أن يفهم أنّه في النهاية هناك ثمن لوحشيته، في هذه الحالة استخدام الأسلحة الكيميائية مع السارين".
وأضافت "لكنّه صعب أن لا نطرح أسئلة تثير الاضطراب حول قرار ترامب، من بينها "ما هو القانوني؟ ما هو القرار المتهور والمعزول والذي لا يدخل ضمن استراتيجيّة حل للمعضلة السورية، البلد المهشم ليس فقط بالحرب الأهليّة بل أيضاً بالحرب ضد داعش؟"، معتبرةً أنّه حتى الآن ليس هناك أي دليل على أنّ ترامب فكّر في الآثار المترتّبة على الخيار العسكري أو عرِف ماذا سيفعل بعده.



أسئلة "نيويورك تايمز" كانت مدار جدلٍ بين مؤيدي ترامب أيضاً. فانتقد إعلاميّون أميركيّون معروفون بتأييدهم لترامب، قراره بالضربات على قاعدة الشعيرات، معتبرين أنّه تحوّل عن سياسة "أميركا أولاً" التي بنى حملته الانتخابيّة عليها.



وكتبت المعلّقة المحافظة آن كولتر على "تويتر" إنّ "هؤلاء الذين أرادوا أن نتدخل في الشرق الأوسط انتخبوا مرشحين آخرين". وأضافت في تغريدة أخرى "ترامب بنى حملته الانتخابيّة على عدم التدخل في الشرق الأوسط قائلاً إن تلك السياسة تساعد أعداءنا وتخلق المزيد من اللاجئين... ثم رأى صورةً على التلفزيون"، قاصدةً صور ضحايا مجزرة خان شيخون التي قصفها النظام السوري بالكيماوي الثلاثاء الماضي.

أما المذيعة المحافظة لورا إنغراهام، وهي من أبرز الداعمين لترامب أيضاً، فحذرته من "بدء المحافظين الجدد وإعلام الإستابليشمنت بالإشادة به".

من جهته، علّق الكاتب لموقع InfoWars المتخصّص بنظريات المؤامرة وتأييد ترامب، بول جوزيف واتسون قائلاً "ترامب لم يكن دمية بوتين فإذاً. لقد كان دميةً للدولة العميقة والمحافظين الجدد فقط"، مضيفاً "رسمياً أنا خارج قطار ترامب".



العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة تلك، حلّت سؤالاً على أغلب الصحف العالميّة، تحديداً بسبب إشادة ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من مرة، وقرار إدارته بتبديل الأولويات في سورية لجهة إزاحة الأسد. لكنّ الصحف الروسيّة كانت الأكثر تشديداً على ذلك الجانب، معتبرةً في تعليقاتها، أمس السبت، أنّ القرار العسكري الأميركي ينسف العلاقات الروسية الأميركية ويرفع التحديات للأمن العالمي.



ووجّه الإعلام الروسي انتقادات لإدارة ترامب، مردداً كلمة "العدوان" التي استخدمها الكرملين بعد ساعات على وقوع الضربات. وركّز على إبراز التداعيات السلبية للضربة مثل بدء تقدم مسلحي "داعش" ونسف العلاقات الروسية الأميركية، والنفقات المالية التي تكبدتها واشنطن لشن العملية، والتذكير بأنها أجريت دون التنسيق مع الكونغرس.



وعنونت صحيفة "كومسوموإسكايا برافدا": "ترامب نبش توماهوك الحرب"، معتبرةً في أحد مقالاتها أنّ الهدف من الضربات الأميركيّة هو إبعاد روسيا من سورية كلياً، وجَعْلِنا نبدو كالحمقى". أما صحيفة "موسكوفي كومسوموليتس"، فعنونت أيضاً "دونالد نبش توماهوك الحرب"، معتبرةً أنّ "المدعو حليف روسيا ترامب نبش فأس الحرب ورماه مباشرةً على حليف روسيا"، مضيفةً أنّ "القول إنّ قرار ترامب نسف العلاقات الروسية الأميركية قد يكون مبالغةً، لكنّ مستوى التهديد للعلاقات ارتفع بشكلٍ كبير".

أما صحيفة "فزغلياد" فقالت الجمعة إن ترامب خسر معركته مع "الإستابليشمنت" وعجز عن انتهاج سياسة مستقلة. وفي مقال بعنوان "ترامب لم يعد يحكم أميركا"، ذكرت الصحيفة أن "الضربات الأميركية على القاعدة السورية وضعت نقطة نهائية في محاولات ترامب انتهاج سياسة مستقلة"، مضيفة أنه "بعد أقل من ثلاثة أشهر على تنصيبه، انتصر "الإستابليشمنت" في واشنطن على الرئيس الأميركي الـ45 الذي دعا سابقا إلى التعاون مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب".



الجدل هذا لم يقتصر على روسيا وأميركا، بل امتدّ إلى الصحف والقنوات العالميّة الأخرى. وقالت صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة في افتتاحيتها يوم الجمعة إنّ الضربة الأميركيّة جاءت بعد أيام من مجزرة الكيماوي في خان شيخون، لكنّها أتت أيضاً بعد سنوات من تكدّس الأدلة حول التعذيب والوحشية واستهداف المدنيين والمؤسسات الطبيّة والاستخدام المستمرّ للكلورين من قبل النظام السوري.

وتحت عنوان "عالمٌ تحدده دوافع ترامب"، قالت الصحيفة إنّ "المسؤولين على الجانبين، الذين يدعون لاستخدام القوة لإزاحة بشار الأسد، والذين يخطّئون التدخل العسكري، يسألون ما الذي تغيّر. فعدم اليقين مشحونٌ بحقيقة أنّ الهجوم طلبه دونالد ترامب، النرجسي المتقلّب الذي لا يملك نظرةً متماسكة حول العالم، أو بوصلةً أخلاقيّة، وهو الذي طالب أوباما مراراً بعدم التدخل بعدما استخدم الأسد غاز السارين في الغوطة عام 2013".


وخلصت الصحيفة إلى أنّ هذا القرار، وحده، لن يوقف الجرائم الممنهجة ضد الإنسانيّة. قد يردع النظام عن استخدام غاز السارين مجدداً أو الانغماس المعلن في الفوضى. قد يوقف آخرين عن استخدام مثل هذه الأسلحة... كلّ تلك أهداف مهمّة، لكنّها مجتزأة وغير مكتملة. فتناقض ترامب ولاأخلاقيّته يتجليان في محاولته منع اللاجئين السوريين"، مضيفةً أنّنا "لسنا قريبين من حلّ لتراجيديا سورية ولا لإعادة تأكيد رؤية الولايات المتحدة للنظام القائم على القواعد، مهما كان معيباً... فالعالم القائم على ردود فعل ترامب لا يمكن أن يكون آمناً لأحد".



موقف "ذا تايمز" البريطانيّة كان مبنياً على مدح الرئيس الأميركي، فقالت إنّ ترامب قام بتحرك ذكي في الشرق الأوسط. وفي افتتاحيّتها، أمس السبت بعنوان "توماهوك في الفجر" قالت الصحيفة إنه من الواضح أن الضربة العسكرية على قاعدة سورية كانت تهدف لمعاقبة الأسد بعد استخدامه غاز السارين ضد المدنيين ولردعه عن شن المزيد من الهجمات الكيماوية.


وفي افتتاحيّتها، أمس السبت، قالت "دايلي تيليغراف" البريطانيّة إن صورايخ توماهوك الأميركية أطلقت القوة الكاملة لقوة عظيمة ضد دولة مارقة.
وتحت عنوان "العالم في حاجة لزعامة صارمة"، قالت الصحيفة إنّ الضربة الجوية كانت استخداماً مناسباً للقوة دفاعاً عن مبدأ إنساني، معتبرةً أنها لم تكن إجراءً حربياً، بل استعراضاً للقوة.

في فرنسا، قسمت "ليبراسيون" تحليلها بين أهمية معاقبة بشار الأسد وبين الوضع الإنساني للسوريين وراحة سورية. ونشرت افتتاحيّة يوم الجمعة عن الضربة الأميركية بعنوان "ترامب أو الجانب الجيد لعدم القدرة على التنبؤ"، اعتبرت فيها الكاتبة ألكسندرا شواتزبرود أنّ الإظهار لبشار الأسد أنه لم يعُد آمناً تحت المظلّة الروسية هو خيار جيّد، لكنّ الراحة لن تأتي لسورية إلا عندما تصمت المدافع.

وقالت شواتزبرود إنّ الضربات العسكرية كان لها جانب تحرّري، أو شعور بالراحة بعد كلّ تلك السنين من السماح، فبشار الأسد اعتقد أنه آمن تحت المظلّة الروسيّة، وهذا اعتقاد خاطئ، نسفه له دونالد ترامب. هناك جانب جيد لعدم القدرة على التنبّؤ، لكن لا يسعنا إلا الشعور بالخوف عندما نفكّر في نتائج التدخلات العسكريّة الأميركيّة في المنطقة.
وأضافت "سنكون مرتاحين حقاً عندما تسكت أصوات المدافع في سورية. فزيادة قصفٍ للقصف، ودمار للدمار، ووفيّات للأموات لا يمكن أن يكون استراتيجيّة. "خَلَصْ"، كما يقولون باللغة العربيّة".

ورأت الصحيفة أنّه كان من الجيّد القول لبشار الأسد إنه لا يمكن أن يفلت من العقاب، ولكن لا يمكن الذهاب للحرب والسماح باحتماليّة افتعال حريق عالمي، بل يجب الاستفادة من توازن القوى الجديد لإعداد لقاءٍ بين جميع الفئات المعنيّة والاتفاق على استراتيجيّة حلّ مقبولة من قبل الجميع... للجميع ما عدا بشار الأسد الذي أكّد هذا الأسبوع أنه من المستحيل أن يكون جزءاً من المعادلة المستقبليّة".



ذات صلة

الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.
الصورة
البعثة الأميركية في إدلب، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تواصل البعثة الأميركية في إدلب عملها، من خلال إجراء عمليات طبية جراحية نوعية يشرف عليها 25 طبيباً وطبيبة دخلوا مناطق سيطرة المعارضة، شمال غربي سورية...
الصورة

سياسة

أعرب المشتبه به في محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رايان ويسلي روث عن رغبته في القتال والموت في أوكرانيا.
الصورة
النازح السوري محمد معرزيتان، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

يُواجه النازح السوري محمد معرزيتان مرض التقزّم وويلات النزوح وضيق الحال، ويقف عاجزاً عن تأمين الضروريات لأسرته التي تعيش داخل مخيم عشوائي قرب قرية حربنوش
المساهمون