تثير التطورات السياسية المتسارعة في لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، ومن أهمّها جملة الاستقالات النيابية والوزارية التي توالت اليوم، وعودة الحديث عن انتخابات نيابية مبكرة التي تعدّ مطلباً دولياً وأميركياً بشكل خاص ضمن خارطة الإصلاحات المطلوبة من لبنان، تساؤلات حول ما إذا كان يتم الإعداد لتسوية جديدة شاملة قد لا تكون فرنسا والولايات المتحدة بمنأى عنها.
ويبدو أن هناك مقايضة جديدة عنوانها هذه المرة رفع الحصار الدولي والعربي عن السلطة اللبنانية، مقابل حكومة جديدة وانتخابات مبكرة وإتمام ملف ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة، لا سيما أن الولايات المتحدة الأميركية دخلت سابقاً في مقايضات مع حزب الله اللبناني وإيران في الفترة الماضية، أبرزها إطلاق سراح رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين والعميل عامر الفاخوري.
وتتعزز أجواء ملامح الصفقة في ظل اتّسام خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله بالهدوء والمرونة تجاه المواقف الدولية من لبنان، فضلاً عن الزيارة المرتقبة لوكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل إلى لبنان، الأسبوع المقبل، علماً أن الرئيس اللبناني ميشال عون قد أكد قبل أيام، خلال الاتصال الهاتفي الذي تلقاه من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنه يأمل في أن تساعد الولايات المتحدة في إنهاء ملف ترسيم الحدود البحرية الذي يشكل نقطة خلاف بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري حول من يمسك به.
كما أثار رئيس مجلس النواب نبيه بري أيضاً، في حديث صحافي، ملف ترسيم الحدود البحرية، إذ أشار إلى أن المحادثات مع الأميركيين في ملف ترسيم الحدود أصبحت في خواتيمها، وذلك قبيل زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية هيل إلى لبنان الأسبوع المقبل.
بري: المحادثات مع الأميركيين في ملف ترسيم الحدود أصبحت في خواتيمها
وكان بارزاً تصريح رئيس الوزراء حسان دياب إثر الاحتجاجات الشعبية، أمس السبت، بأن عمر حكومته سيكون شهرين مقابل اتفاق القوى السياسية على المرحلة المقبلة، وقيامه بطرح مشروع قانون لإجراء انتخابات نيابية مبكرة في جلسة، يفترض أن تعقد يوم غدٍ الاثنين، لمجلس الوزراء في قصر بعبدا.
وفي السياق، يشير مستشار رئيس مجلس النواب نبيه بري علي حمدان لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الرئيس بري كان واضحاً في تصريحه بأنّ المحادثات أصبحت في خواتيمها بانتظار الموفد الأميركي، الذي إذا أُعلنت زيارته رسمياً إلى لبنان سنرى ما سيحمل عندها".
ويقول سفير لبنان السابق لدى واشنطن رياض طبارة، لـ"العربي الجديد"، إنّ مطالب الخارج ومنها الولايات المتحدة لم تتغيّر، ولكن غالباً ما تستغل دول القرار الفاعلة، في أوضاع شبيهة ومآسٍ وأزمات، الحدث لتحقيق مصالحها التي تتصل بعدم انهيار لبنان سياسياً أو اقتصادياً، وتفرض شروطها لمنح المساعدات سواء بشكل علني أو من خلال المفاوضات الجانبية.
طبارة: مطالب الخارج ومنها الولايات المتحدة لم تتغيّر ولكن غالباً ما تستغل دول القرار الفاعلة، في أوضاع شبيهة ومآسي وأزمات، الحدث لتحقيق مصالحها
ويقول طبارة إن الفرنسيين، على سبيل المثال، همّهم الأساسي ملفّ اللاجئين السوريين، ولا يريدون أن ينتقل هؤلاء بأعداد كبيرة إلى أوروبا، وإن الأميركيين يريدون ترسيم الحدود البحرية وإغلاق المعابر غير الشرعية مع سورية (يسيطر على هذه المعابر حزب الله لتمرير المال والسلاح والقمح والمازوت وغيرها من سورية وإليها)،كما أن لإيران كذلك مصالح جيو استراتيجية في لبنان، علماً أن هذه المؤشرات تبقى جانبية مقابل المساعدات الحتمية للبنان، والتي تهدف إلى عدم حدوث انهيار تام.
من جهته، يقول وزير العدل السابق شارل رزق، لـ"العربي الجديد"، إن الأساس اليوم هو المؤتمر الدولي المخصص لمساعدة لبنان، وهناك اتجاه إلى تدويل التحقيق، مشيراً إلى أنّ لبنان فقد القدرة على إدارة نفسه منذ عشرات السنين، حين سيطرت عليه قوى خارجية غير لبنانية. وأضاف "لو يترك لبنان لوحده، لاستطاع أن يحكم نفسه بسهولة".
شارل رزق: لبنان فقد القدرة على إدارة نفسه منذ عشرات السنين حين سيطرت عليه قوى خارجية غير لبنانية
ويلفت إلى أن التركيبة السياسية الحالية أثبتت عجزها الكامل عن إدارة البلد، وحتى في ملف فيروس كورونا قبل أن تأتي كارثة مرفأ بيروت التي شكلت الضربة القاضية للحكومة، لافتاً إلى أن من المتوقع حصول تغييرات كثيرة في ظلّ الحركة الدولية تجاه لبنان، لكنها لا تزال غير واضحة بشكل كلي.
بدوره، يقول مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية سامي نادر، لـ"العربي الجديد"، إن سلسلة الاستقالات والمواقف من المرجعيات الدينية والسياسية تظهر وجود ملامح للتسوية، خصوصاً مع كلام الرئيس الفرنسي عن الانتخابات النيابية وإعادة إنتاج السلطة الذي يوحي بسعي إلى تسوية.
ويشير نادر إلى احتمال ظهور تسوية في الأفق من بوابة المساعدات التي تؤمن حصول استقرار هشّ، وخصوصاً من الجانب الأميركي على صعيد ملف ترسيم الحدود، وتحييد لبنان عن الصراع الخارجي وتفكيك برنامج الصواريخ الدقيقة.
ويلفت نادر، وهو خبير في العلاقات الدولية، إلى أنّ "حزب الله" قد يظهر ليونة على هذا الصعيد، مشيراً إلى أن انفجار بيروت والأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها لبنان والعزلة الدولية والحصار الداخلي والخارجي قد تدفع حزب الله إلى الدخول في تسويات.
محمد الحجار، النائب في "تيار المستقبل" الذي يرأسه الرئيس سعد الحريري، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ هناك محاولات كانت تحصل من قبل الولايات المتحدة لترسيم الحدود البحرية، وبدأت المباحثات من مدة وتوقفت لفترة لأسباب مرتبطة بالحدود البرية، لافتاً إلى أنّ أي تسوية قد تحصل مع الجانب الأميركي أو أي دول أخرى مرتبطة بالدرجة الأولى بحزب الله وسلاحه وصراعه الإقليمي.
ويشير الحجار إلى أن المساعدات اليوم تندرج في الإطار الإنساني، مؤكداً أن الكارثة التدميرية في مرفأ بيروت فرضت واقعاً على دول كانت تتخذ مواقف من الدولة اللبنانية والحكومة ودفعتها إلى تقديم الدعم للبنان.