ما بعد الباغوز: البادية السورية ساحة "داعش" لنشاط مستمر

03 مارس 2019
تعد الباغوز آخر الجيوب التي يوجد فيها "داعش"(عبود حمام)
+ الخط -

تتركّز الأنظار هذه الأيام على تقهقر تنظيم "داعش" في سورية، وعلى بلدة الباغوز، حيث آخر الجيوب التي يوجد فيها في مناطق شرق الفرات، المسيطر عليها من قبل "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المدعومة من "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة، في ظلّ محاولة لتسويق فكرة أنّ المجتمع الدولي قد انتصر على التنظيم، غافلاً أو متغافلاً عن نحو أربعة آلاف متر مربع في قلب البادية، التي تعتبر مسقط رأس التنظيم في سورية قبل أن يسيطر على أي بلدة أو مدينة، والتي ما زال ينشط فيها منذ عام 2013.

وعلى الرغم من عدم تسجيل عمليات عسكرية كبيرة في البادية السورية، إلا أنّ "العربي الجديد" رصدت إفادات من مصادر أهلية في أرياف دير الزور وحمص وريف دمشق وريف السويداء، تحدثت عن وقوع اعتداءات من مجموعات التنظيم على حواجز ومجموعات تتبع لقوات النظام في أطراف المناطق التي يسيطر عليها الأخير.

وأشارت المعلومات المتقاطعة، التي حصلت عليها "العربي الجديد"، إلى أنّ نشاط التنظيم يمتدّ من ريف بلدة البوكمال الجنوبي، حيث تعتبر محطة الضخ النفطية "T2" أحد أبرز نقاط تجمعه، باتجاه حميمة وريف السخنة غرباً، ومن ثمّ إلى ريف مدينة تدمر والجبال التدمرية الجنوبية، وأطراف بلدتي القريتين ومهين في القلمون الشرقي، ليتجه جنوباً إلى ريف مدينة ضمير، فيما تُضمّ له شرقاً منطقة الحرات والجفيف، الملاصقة لمنطقة تلول الصفا التي خرج منها التنظيم قبل أشهر على خلفية المعارك التي شُنت ضده عقب هجومه على بعض قرى الريف الشرقي للسويداء. كما يسجّل للتنظيم نشاط في منطقة الحماد بالقرب مما يسمى "منطقة الـ55" الخاضعة لحماية الأميركيين. وتقدر مساحة هذه المناطق بنحو أربعة آلاف كيلومتر مربع.

وترجح العديد من المصادر أن يكون التنظيم يحصل على الإمدادات، وخصوصاً الغذائية والطبية والوقود، من مناطق سيطرة النظام السوري بشكل رئيس، عبر شبكة تهريب يقوم بها السكان المحليون للمنطقة من البدو، مستفيدين من شبكات الفساد المتفشي لدى النظام.

وأثيرت خلال الأسابيع الأخيرة العديد من الأسئلة حول مصير مقاتلي التنظيم، الذين أخذوا يختفون من الجيب الأخير لهم في شرق الفرات. وتعددت الروايات حول ذلك، فمنها ما اتهم التحالف الدولي بنقلهم إلى مناطق مجهولة، وأخرى تحدثت عن هروبهم إلى العراق، فيما آخرها ما نقلته شبكة "سي إن إن" عن مسؤول عسكري أميركي، أخيراً، والذي قال إنّ قرابة الألف من مقاتلي "داعش" فروا من سورية إلى الجبال والصحاري في غرب العراق في الأشهر الستة الماضية، ومعهم ما يصل إلى 200 مليون دولار أميركي.

وأشارت تقارير أخرى إلى أنّ جزءاً كبيراً من مقاتلي التنظيم في شرق الفرات، انتقلوا خلال الفترة الماضية، إلى مناطق سيطرته في البادية، وعلى رأسهم زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. وقالت مصادر مطلعة في شرق الفرات لـ"العربي الجديد"، إنّ هناك "معلومات أفاد بها عناصر من التنظيم سلموا أنفسهم لقسد، تُشير إلى عدم وجود البغدادي في المنطقة منذ أشهر، موضحين أنّ عملية الإخلاء تمّت عبر هجوم نفذه التنظيم في 6 يونيو/ حزيران 2018، من محورين؛ الأول باتجاه بلدتي الجلاء والرمادي الخاضعة لسيطرة النظام، غربي نهر الفرات، والثاني انطلاقاً من مدينة هجين عبر الفرات. وتمكّن التنظيم خلال الهجوم من السيطرة على البلدتين لساعات، تم خلالها نقل البغدادي وأعضاء مجلس الشورى التابع لداعش، بالإضافة إلى معتقلين وأموال من مدينة هجين، عبر قوارب في نهر الفرات، إلى قريتي الرمادي والجلاء، ومنها إلى مناطق سيطرته في البادية الجنوبية لدير الزور". وكان البغدادي قد أقام في منطقة شرقي الفرات منذ منتصف عام 2017.

من جانبه، قال عضو "تنسيقية الثورة في تدمر"، خالد الحمصي، في حديث مع "العربي الجديد": "لا يزال مقاتلو التنظيم موجودين في شرقي تدمر وفي بعض مناطق القلمون الشرقي، بالقرب من منطقة تلول الصفا، والتي فيها تقريباً 120 عنصراً، لا يقومون بشيء سوى التمركز هناك حالياً، فيما هم موجودون في شرقي تدمر، شرق وجنوب السخنة، حيث يوجد هناك حوالي 150 عنصراً، وكذلك هم موجودون في المنطقة من شرقي السخنة باتجاه المحطة الثانية، ومن شمال المحطة الثانية باتجاه جنوبي البوكمال".


وأوضح الحمصي أنّ "التنظيم يقوم بنصب كمائن في أوقات متفرقة، إضافة إلى شنّه هجمات على حواجز قوات النظام والمليشيات بهدف تأمين الغذاء والذخيرة"، مضيفاً أنّ "النظام وحلفاءه من جهتهم، يكتفون بالمراقبة حالياً عبر تسيير دوريات بمحيط حواجزهم واستخدام طيران الاستطلاع". وأشار الحمصي إلى أنّ "الإمداد الرئيسي للتنظيم هو عبر شبكات التهريب، ومن محيط مخيم الركبان، وجزء من الأراضي العراقية"، محذراً من "إمكانية قيام داعش بشنّ أي هجمة جديدة على تدمر أو السخنة، حيث سيكون السكان فريسة سهلة له، خصوصاً أن النظام سبق واستغنى عنهم".

وبين عامي 2017 و2018، جرت صفقات بين كل من النظام و"داعش" و"حزب الله"، تمّ خلالها نقل مقاتلي "داعش" من كل من جنوب دمشق والقلمون الغربي إلى البادية السورية، فيما رشحت معلومات حول انتقال من تبقى من عناصر التنظيم المتمثلة بـ"جيش خالد بن الوليد" الذي كان متمركزاً في ريف درعا الغربي، إلى منطقة اللجاة ومنها إلى البادية، فضلاً عن انتقال العناصر التي كانت موجودة في ريف السويداء الشرقي إلى عمق البادية أيضاً.

وفي سياق متصل، علمت "العربي الجديد"، من مصادر محلية في السويداء، جنوب سورية، أنّ "لدى الفصائل المحلية مخاوف من أن يقوم تنظيم داعش بتكرار الاعتداء على البلدات في الريف الشرقي للمحافظة، وهو ما يدفعها للعمل على تجهيز نفسها لكي تقي المنطقة خسائر كبيرة، كالتي وقعت في هجوم 25 يوليو/ تموز الماضي، حيث سقط نحو 300 قتيل بين مدني وعسكري".

وأضافت المصادر أنّ "النظام لا يتجاوب مع مخاوف أهالي السويداء، إذ قام بسحب معظم قواته من الريف الشرقي للمحافظة، مكتفياً بالإبقاء على نقاط مراقبة لا يمكن لها أن تصد أي هجوم محتمل، في وقت ما زال يضغط على شباب المحافظة من أجل الالتحاق بالخدمة العسكرية، لينشرهم على طول مناطق البلاد، في حين أن محافظتهم وأهلهم بحاجة إلى من يحميهم".

من جهته، قال المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في حديث مع "العربي الجديد": "بالطبع مقاتلو داعش موجودون في محطة T2 ومحطة السخنة ومنطقة الـ55، وقد رصدتهم الأقمار الصناعية الأميركية، إذ لهم وجود مكثّف في هذه المناطق، والمعلومات تشير إلى أنّ البغدادي انتقل إلى تلك المنطقة. كما رأينا خلال الشهرين الماضيين أنّ أكثر من رتل عسكري للنظام قد اختفى هناك، وكان ذلك في الحقيقة معونة لداعش".

ولفت رحال إلى أنّ "طبيعة المنطقة في مجملها صحراوية، رملية منبسطة، والعمل العسكري فيها صعب جداً، خصوصاً أنّ التنظيم يعتمد على الكمائن والخنادق والأنفاق، والطيران لا يستطيع التعامل معها، فالحرب هناك حرب عصابات"، مضيفاً "لكن السؤال الأهم يبقى: هل هناك نية لقتالهم؟ فهذه المنطقة تقع تحت سيطرة النظام وإيران وروسيا، وأنا لا أعتقد أن لديهم مثل هذه النية، ولدي قناعة مطلقة بأنّ هناك تعاوناً وتنسيقاً يتمثل بما رصدته أميركا من اتصالات استخباراتية ما بين النظام وإيران مع التنظيم، لأن داعش يُستثمر من قبلهم لتصوير ما يحدث في سورية على أنه حرب ضد الإرهاب وليس ثورة ضدّ منظومة دكتاتورية حاكمة".

وأشار رحال إلى أنه "لا توجد إحصائية دقيقة، لكن الأرقام التي يتم تداولها تراوح ما بين ألفين وثلاثة آلاف مقاتل، وهم مسلحون بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والمتفجرات والمفخخات، إذ إنه بعد إلغاء فكرة الدولة، لم يعد السلاح الثقيل له دور، وهذه الأسلحة أكثر فاعلية في حرب العصابات".

المساهمون