في مقام سابق أوردنا قولاً مقبوساً عن أحد الأدباء العالميين فحواه أن الغاية الأبلغ المشتهاة للأدب والثقافة عموماً أن تُدخل في أرواح المتلقين التمرّد على المألوف واللا امتثالية حيال السائد المبتذل. ومثل هذه الغاية أصبحت أكثر حدّة بالنسبة إلى الثقافة الفلسطينية بعد أوسلو.
عموماً يمكن القول إن ثقافتنا الفلسطينية في الداخل سعت نحو هذه الغاية من خلال المعركة الضارية التي خاضتها منذ سنة 1948 لحماية الهوّية الوطنية من شتى عوامل الاندثار والتشويه والذوبان.
وكثيراً ما ردّدنا في السابق المقولة الذاهبة إلى أن جانباً من عملية اكتشاف الذات يبدأ عندما يحدّق الماضي فينا. ولا بأس من أن نكرّرها الآن من منطلق أن في الإعادة إفادة. من هذا التحديق جاءت، ربّما، أهمية الوعي القومي والوطني والذاكرة الجماعية في الممارسة الثقافية.
ولئن كان هذان العنصران قائمين في صفوف فلسطينيي الداخل، ضمن نظام مما يمكن اعتباره "التخزين المتضمّن"، فإن الفضل في ذلك يعود إلى الثقافة، بما في ذلك الثقافة السياسية المواكبة لمختلف التطورات التي يعبّر عنها أساساً في الآونة الأخيرة مفكّرو وأدباء التيار القومي والوطني.
ويتأكّد اليوم أن التهويد الجغرافي لفلسطين، برغم عنفه ومنهجيته الصارمة، لم يقدر على محو الأسماء القديمة الأصيلة. فهذه الأسماء بقيت مخزونة كنظام متضمّن في الذاكرة الجماعية البعيدة المدى للبقية الباقية من الفلسطينيين في الداخل. وعندما تبدّلت الحال وتغيّر الظرف، استلّت هذه الأسماء من المجال المتضمّن، وأعيدت إلى الصدارة باعتبارها مخزون ذاكرة قريبة المدى، ويجري دمجها من جديد في المناخ الذهني للناس.
ولذا ثمة أهمية مخصوصة ما تزال معوّلة على الثقافة في مواصلة تشييد الذاكرة الجماعية الوطنية الفلسطينية شأن ما كانت عليه الحال من قبل أيضاً، في دلالة وعي المكان.
كيف يرتبط الموضوع بأوسلو؟
من مرحلة اتفاق أوسلو، وعلى وجه التحديد منذ سنة 1994 فصاعداً، اشتقّ مفكّرو وأدباء التيّار القومي والوطني مصطلح الهامش المضاعف. وهو يعني أنه إذا كنا نحن فلسطينيي الداخل حتّى تلك السنة مهمشين في وطننا الأصلي الذي قام على أنقاضه كيان غريب فرض هيمنته على الجغرافيا وأقصانا من المواطنة، فمنذ تلك السنة بتنا مهمشين أيضاً في المساعي الرامية إلى تثبيت كيان فلسطيني منقوص.
اقرأ أيضاً: فيلم إسرائيلي يستغل أجواء ما بعد شارلي
ونتيجةً لذلك في وسعنا أن نعتبر سنة 1994 مفترقاً مهمّاً في معركة الهوّية بالنسبة لفلسطينيي الداخل، بل من غير المبالغة القول إنه منذ تلك السنة يتمثّل العنوان الأبرز لوضعية الفلسطينيين في الداخل في الصراع على الهوّية الوطنية ضدّ التهميش المضاعف، خلافاً لمن يعتقد أنّ هذا الصراع قد حُسم وأنّ مصير هؤلاء الفلسطينيين هو العيش في "دولة إسرائيل" وأن مواطنتهم راسخة ليست موضع شكّ أو تساؤل.
وهذه المرحلة بلغت مفترقاً آخر خطراً للغاية مع انتفاضة أيلول/ سبتمبر 2000 التي شملت بكيفية ما، الفلسطينيين في الداخل وما تزال آثار ذلك ممتدّة حتى يومنا هذا. وقد صدق أحد الباحثين الذي اعتبر تلك الأحداث هزّة عميقة أجبرت الفلسطينيين في الداخل على تحديد هويتهم وهوية الآخر وعلى حسم الكثير من الأمور المؤجلة منذ 1948.
وتأدّى عن هذا طرح الأسئلة والمسائل الآتية:
- هل تستلزم معركة الهوّية الانكفاء أو التمحور حول الذات، ما يعني أن تكون لوناً من مغايرة الآخر؟ أم هي ضرب من تشريح الذات والاستعانة بكلّ ما يمكن أن يشحنها بمقومات الاكتمال والفرادة؟
- إنّ السؤال بشأن الهوّية يردّ على الفكرة العامّة لها، وهذه الفكرة في الإيجاز تفيد بأنّ الهوّية هي ما يشخّص الذات وما يميزها في الوقت ذاته. من هنا يُطرح السؤال: ما الذي تحتاج إليه ذاتنا لتشخّص ذاتها ولتجعلها متميزة؟ وهو ما يفتح المجال أمام سؤال الذات والآخر، وأمام التحذير من مغبّة البحث عن الذات في الذات فقط، بما لا يمكن معه إلاّ الانقياد خلف "هوّية مغلقة".
- ما هو الزمن الذي لا بدّ للنصّ الفلسطيني من أن يستأنس به. هنا يدخل بكلّ قوّة موضوع الزمن الماضي. فلا تزال المعركة على الهوّية الوطنية في حاجة إلى ما يسعفها في إثبات الحقيقة التاريخية المرتبطة بهذا الزمن في المضامير كافة.
- عندما نقول الثقافة، فعن وعي بأنها تشمل أيضاً الثقافة السياسية، بما تمارسه هذه من دور مهمّ في التنشئة الاجتماعية، لا على قاعدة الشعارات الفضفاضة وإنما على أساس قراءة الظواهر وأداء الدور المفترض في تحديث الوعي وفتح آفاق المعرفة.
- أخيراً وليس آخراً، هل يجوز الحديث عن الدور المفترض للثقافة في حماية الهوّية الوطنية من دون التطرّق إلى الدور المفترض للمثقفين أنفسهم؟
عموماً يمكن القول إن ثقافتنا الفلسطينية في الداخل سعت نحو هذه الغاية من خلال المعركة الضارية التي خاضتها منذ سنة 1948 لحماية الهوّية الوطنية من شتى عوامل الاندثار والتشويه والذوبان.
وكثيراً ما ردّدنا في السابق المقولة الذاهبة إلى أن جانباً من عملية اكتشاف الذات يبدأ عندما يحدّق الماضي فينا. ولا بأس من أن نكرّرها الآن من منطلق أن في الإعادة إفادة. من هذا التحديق جاءت، ربّما، أهمية الوعي القومي والوطني والذاكرة الجماعية في الممارسة الثقافية.
ولئن كان هذان العنصران قائمين في صفوف فلسطينيي الداخل، ضمن نظام مما يمكن اعتباره "التخزين المتضمّن"، فإن الفضل في ذلك يعود إلى الثقافة، بما في ذلك الثقافة السياسية المواكبة لمختلف التطورات التي يعبّر عنها أساساً في الآونة الأخيرة مفكّرو وأدباء التيار القومي والوطني.
ويتأكّد اليوم أن التهويد الجغرافي لفلسطين، برغم عنفه ومنهجيته الصارمة، لم يقدر على محو الأسماء القديمة الأصيلة. فهذه الأسماء بقيت مخزونة كنظام متضمّن في الذاكرة الجماعية البعيدة المدى للبقية الباقية من الفلسطينيين في الداخل. وعندما تبدّلت الحال وتغيّر الظرف، استلّت هذه الأسماء من المجال المتضمّن، وأعيدت إلى الصدارة باعتبارها مخزون ذاكرة قريبة المدى، ويجري دمجها من جديد في المناخ الذهني للناس.
ولذا ثمة أهمية مخصوصة ما تزال معوّلة على الثقافة في مواصلة تشييد الذاكرة الجماعية الوطنية الفلسطينية شأن ما كانت عليه الحال من قبل أيضاً، في دلالة وعي المكان.
كيف يرتبط الموضوع بأوسلو؟
من مرحلة اتفاق أوسلو، وعلى وجه التحديد منذ سنة 1994 فصاعداً، اشتقّ مفكّرو وأدباء التيّار القومي والوطني مصطلح الهامش المضاعف. وهو يعني أنه إذا كنا نحن فلسطينيي الداخل حتّى تلك السنة مهمشين في وطننا الأصلي الذي قام على أنقاضه كيان غريب فرض هيمنته على الجغرافيا وأقصانا من المواطنة، فمنذ تلك السنة بتنا مهمشين أيضاً في المساعي الرامية إلى تثبيت كيان فلسطيني منقوص.
اقرأ أيضاً: فيلم إسرائيلي يستغل أجواء ما بعد شارلي
ونتيجةً لذلك في وسعنا أن نعتبر سنة 1994 مفترقاً مهمّاً في معركة الهوّية بالنسبة لفلسطينيي الداخل، بل من غير المبالغة القول إنه منذ تلك السنة يتمثّل العنوان الأبرز لوضعية الفلسطينيين في الداخل في الصراع على الهوّية الوطنية ضدّ التهميش المضاعف، خلافاً لمن يعتقد أنّ هذا الصراع قد حُسم وأنّ مصير هؤلاء الفلسطينيين هو العيش في "دولة إسرائيل" وأن مواطنتهم راسخة ليست موضع شكّ أو تساؤل.
وهذه المرحلة بلغت مفترقاً آخر خطراً للغاية مع انتفاضة أيلول/ سبتمبر 2000 التي شملت بكيفية ما، الفلسطينيين في الداخل وما تزال آثار ذلك ممتدّة حتى يومنا هذا. وقد صدق أحد الباحثين الذي اعتبر تلك الأحداث هزّة عميقة أجبرت الفلسطينيين في الداخل على تحديد هويتهم وهوية الآخر وعلى حسم الكثير من الأمور المؤجلة منذ 1948.
وتأدّى عن هذا طرح الأسئلة والمسائل الآتية:
- هل تستلزم معركة الهوّية الانكفاء أو التمحور حول الذات، ما يعني أن تكون لوناً من مغايرة الآخر؟ أم هي ضرب من تشريح الذات والاستعانة بكلّ ما يمكن أن يشحنها بمقومات الاكتمال والفرادة؟
- إنّ السؤال بشأن الهوّية يردّ على الفكرة العامّة لها، وهذه الفكرة في الإيجاز تفيد بأنّ الهوّية هي ما يشخّص الذات وما يميزها في الوقت ذاته. من هنا يُطرح السؤال: ما الذي تحتاج إليه ذاتنا لتشخّص ذاتها ولتجعلها متميزة؟ وهو ما يفتح المجال أمام سؤال الذات والآخر، وأمام التحذير من مغبّة البحث عن الذات في الذات فقط، بما لا يمكن معه إلاّ الانقياد خلف "هوّية مغلقة".
- ما هو الزمن الذي لا بدّ للنصّ الفلسطيني من أن يستأنس به. هنا يدخل بكلّ قوّة موضوع الزمن الماضي. فلا تزال المعركة على الهوّية الوطنية في حاجة إلى ما يسعفها في إثبات الحقيقة التاريخية المرتبطة بهذا الزمن في المضامير كافة.
- عندما نقول الثقافة، فعن وعي بأنها تشمل أيضاً الثقافة السياسية، بما تمارسه هذه من دور مهمّ في التنشئة الاجتماعية، لا على قاعدة الشعارات الفضفاضة وإنما على أساس قراءة الظواهر وأداء الدور المفترض في تحديث الوعي وفتح آفاق المعرفة.
- أخيراً وليس آخراً، هل يجوز الحديث عن الدور المفترض للثقافة في حماية الهوّية الوطنية من دون التطرّق إلى الدور المفترض للمثقفين أنفسهم؟