ما بعد "ميونيخ"

13 فبراير 2016

لقاء ميونيخ: الدور العسكري الروسي في سورية (11 فبراير/2016/Getty)

+ الخط -
لم يأتِ لقاء ميونيخ الألماني بجديد، سوى تكريس حتمية الدور الروسي العسكري في سورية، بتأييد أميركي، تحت عنوان "محاربة الإرهاب". تمّ التثبّت، ليلة الخميس ـ الجمعة، على تأكيد الحلف الأميركي ـ الروسي في سورية، وعلى "عدم جواز مواجهة البلدين بعضهما" مهما تفاقمت المآسي الإنسانية هناك.
"إما أن تسيروا أو أن تسيّروا". هكذا أوحى لقاء وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظيره الأميركي، جون كيري، في رسالة متعددة الاتجاهات، للمعارضة السورية ودول الجوار السوري، القريب والبعيد، وصولاً إلى أوروبا. الحلّ بالنسبة إليهما "واضح": محاربة "داعش" والتنظيمات الإرهابية أولوية، ولا شيء يعلو على هذه الأولوية. على أبو بكر البغدادي أن يضحك لهذه الطرفة. "داعش" تحوّل إلى ألمانيا نازية أخرى، يستوجب الخلاص منها، مع أنه شتّان ما بين تنظيم، من المفترض أنه سيتلاشى "قريباً" وفقاً لتحليلاتٍ غربية كثيرة، ودولة أُقيمت على أرضية صناعية وعسكرية وسياسية صلبة، مترافقة مع احتلالها أعداداً كبيرة من الدول الأوروبية.
إزاء هذا الواقع، بات أمام المعارضة السورية حل من اثنين: القتال حتى آخر رجل، أو السير بالحلول الأميركية ـ الروسية مع كل مرارتها، وإلا ستُصنّف بأنها "إرهابية". وضع المعارضة لا تُحسد عليه. لا مثالية في هذا العالم، ومبدأ "الواقعية" هو الذي سيُهيمن على قرارات المعارضة، ما لم تتغيّر الظروف بتدخّل عسكري برّي، وأيضاً تحت اسم "محاربة داعش"، لكن لنجدة المعارضة لا النظام، كما في الحالة الروسية.
عدا أن تطورات الوضع العسكري ستترك تركيا وأوروبا في مأزق، بفعل تزايد أعداد اللاجئين. من المتوقع، في الفترة المقبلة، أن يزداد الضغط العملي على المعابر الحدودية بين تركيا وسورية، بالتزامن مع بدء قوات الأطلسي عملياتها العسكرية في بحر إيجه، للحدّ من تدفق اللاجئين إلى القارة الأوروبية.
حتى الآن، لا أحد يفكر إنسانياً، والمساعدات الإنسانية التي اتُفق على توزيعها في سورية، دونها عقبات. في مضايا مثلاً، تمّ توزيع أغذية فاسدة ومنتهية الصلاحية على المحاصرين، بعد بدء دخول المساعدات. كما أنه في المناطق، المُفترض أن تتمّ محاربة "داعش" وجبهة النصرة فيهما، يوجد مدنيون، لا ذنب لهم سوى وجودهم هناك فقط. هؤلاء، مثلاً، لن تصلهم المساعدات، بحجّة عدم القدرة على الوصول، بسبب الأعمال العسكرية.
أما في شأن جنيف، فإن الحلّ الروسي ـ الأميركي لم يتحدث سوى عن "استئنافها"، أي أن جنيف ستبقى معلّقة، حتى تتطوّر الأمور عسكرياً. "من يملك الأرض يملك القرار"، مبدأ لم يسقط في أي صراع في العالم، حتى أنه كاد أن يكون لصالح المعارضة منذ حوالي ستة أشهر، أي قبل التدخّل العسكري الروسي. وقتها أيضاً، لم يكن الأميركيون راغبين في وصول المعارضة إلى الساحل السوري، وهو ما تبيّن لاحقاً في كرونولوجيا الأحداث العسكرية والمواقف السياسية اللاحقة.
وسط هذا كله، بدا ملاحظاً في استعجال الحلّ السوري لدى واشنطن وموسكو أن كليهما يريدان التخلّص من"رتابة الاجتماعات" غير المُنتجة، فروسيا ترغب في التفرّد بالكامل للملف السوري، في مقابل بدء التركيز الأميركي على ليبيا، حيث يوجد "داعش" أيضاً. بالتالي، بتنا أمام مرحلة انتقالية، بين أولويتين: الليبية ستتقدم على السورية غربياً، على اعتبار أن البحر وحده من يفصل "داعش" عن القلب الأوروبي، بينما في الشرق تبدو تركيا خط دفاع أول في موضوع اللاجئين، وروسيا جندياً مقاتلاً في مواجهة "داعش".
وحين يتحدث كيري عن مهلة الأشهر الثلاثة للمعارضة فهو لا يعني غير تمهيد الأرضية لعمل عسكري في ليبيا، على أن يبدأ الحلّ السياسي البطيء في سورية. وما لم يحصل تدخّل عسكري برّي، سنكون أمام نهاية غريبة للصراع السوري، أبطالها روس وأميركيون.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".