13 نوفمبر 2024
ما بال هؤلاء الأميركيين؟
من المآخذ التي عادة ما تسجل على القوى السياسية الكردية أنها غالبا ما تسمح لقوى خارجية باستخدامها في معادلات الصراع الإقليمي، على أمل مكافأتها بدعمٍ يساعدها في تحقيق طموحاتها القومية. تكرّر هذا الأمر في مناسبات عدة، جديدها تحول الأكراد إلى قوة برية لسلاح الجو الأميركي للقضاء على "دولة" تنظيم الدولة الإسلامية، لكن هؤلاء ما لبثوا أن تخلوا عنهم، أو أقله، لم يتمكّنوا من مساعدتهم كثيرا، سواء في سورية، عندما قرّرت تركيا التدخل عسكريا، بالتفاهم مع روسيا، للقضاء على مشروع إنشاء تواصل جغرافي بين الإدارات الكردية الثلاث (الجزيرة وعين العرب وعفرين) بإطلاقها عملية غصن الزيتون التي طردت فيها وحدات حماية الشعب من منطقة عفرين، أو في العراق عندما أجهضت تركيا وإيران، بالتعاون مع حكومة بغداد حلم الاستقلال الكردي، بعد الاستفتاء الذي جرى عليه خريف العام الماضي.
ولم يكن الأكراد استثناء في سعيهم وراء السراب، بل اتبعت أطرافٌ أخرى، بما فيها قوى إقليمية كبرى السلوك نفسه في التعاطي مع واشنطن، وانتهت إلى النتيجة نفسها. ويمكن الحديث هنا عن قائمة طويلة من دول المنطقة، تتقدمها إيران التي صدعت رؤوسنا بحديث المقاومة والممانعة. ويمكن تحديد ثلاث مناسبات على الأقل في العقدين الماضيين، تبرعت فيها إيران بتقديم خدمات جليلة "للشيطان الأكبر"، على أمل أن تحصل منه على مكافأة، لفتة، أو أقله، طي صفحة العداء لنظامها، والتوقف عن محاولات تقويضه.
جاءت المرة الأولى بعد هجمات "11 سبتمبر" في العام 2001، عندما سارعت طهران إلى إدانة الهجمات، وتبرّعت بتقديم خدماتها في "الحرب" الأميركية على الإرهاب. وقد ترجمت طهران هذا التوجه، بتأييدها الغزو الأميركي لأفغانستان، وتقديم أشكال مختلفة من الدعم اللوجستي له، ابتداء بفتح أجوائها أمام الحملة الجوية الأميركية على حركة طالبان، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2001، وصولا إلى تأمين الدعم لقوات تحالف الشمال التي زحفت بالتزامن على كابول للقضاء على حكم "طالبان"، لكن الولايات المتحدة التي استفادت بالجملة من خدمات طهران المجانية لم تلبث أن جعلتها ثالث ثلاثة محور الشر إلى جانب العراق وكوريا الشمالية.
مع ذلك، وعلى الرغم من الإحساس بالخيبة والمرارة من نكران الجميل، عادت طهران إلى عرض خدماتها على الأميركيين، هذه المرة للتخلص من نظام الرئيس صدام حسين، حيث لعبت دورا مركزيا في تسهيل الزحف الأميركي على بغداد، سواء باستخدام نفوذها الكبير لدى القوى والعشائر الموجودة في جنوب العراق، للامتناع عن مقاومة القوى الغازية، أو بتكفلها بتسليح ودفع المعارضة العراقية التي كانت تتخذ من إيران مقرا لها، وفي مقدمتها مليشيا بدر، والتي كانت حينها تتبع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وغيره من قوى معارضة عراقية، لتأدية دور رأس الحربة للقوات الأميركية المتقدمة، فسبقتها إلى بغداد، وقامت بتمثيل مشهد إسقاط تمثال صدام حسين وسط بغداد، وبثّه، بما له من معانٍ عبر التلفزيونات. رد الأميركيون على التعاون الإيراني بتشديد إجراءات الحصار على طهران، واستصدار قرار مجلس الأمن رقم 1929 لعام 2010، والذي فرض حزمة عقوباتٍ شلت الاقتصاد الإيراني، ودفعت به إلى الاستسلام، والقبول أخيرا بتسليم البرنامج النووي.
المناسبة الثالثة التي استخدم فيها الأميركيون إيران، قبل أن يصفعوها من جديد، جاءت مع صعود تنظيم الدولة الإسلامية، ففي 10 يونيو/ حزيران 2014، اهتزت واشنطن على وقع سقوط الموصل، وانهيار الجيش العراقي في محافظة نينوى أمام بضع مئات من عناصر التنظيم الذين استولوا على عربات هامفي الأميركية الحديثة، ومعدات أخرى كانت واشنطن زودت الجيش العراقي بها. ومع انهيار هذا الجيش، وعدم رغبتها في التورط عسكريا من جديد في المنطقة، لم تجد واشنطن بداً من الاستعانة بأذرع إيران في العراق (مليشيا الحشد الشعبي) للتصدي لزحف التنظيم على بغداد. كافأ الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما إيران بالتغاضي عن تمددها في أركان المنطقة الأربعة، وتركها تحتفظ ببرنامجها الصاروخي، لكن أميركا ترامب عادت، بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وتنكّرت لإيران، ناقضة كل ما قدمه لها أوباما، ما بال هؤلاء الأميركيين "الخونة" لا ينفع معهم حسن الصنيع؟
ولم يكن الأكراد استثناء في سعيهم وراء السراب، بل اتبعت أطرافٌ أخرى، بما فيها قوى إقليمية كبرى السلوك نفسه في التعاطي مع واشنطن، وانتهت إلى النتيجة نفسها. ويمكن الحديث هنا عن قائمة طويلة من دول المنطقة، تتقدمها إيران التي صدعت رؤوسنا بحديث المقاومة والممانعة. ويمكن تحديد ثلاث مناسبات على الأقل في العقدين الماضيين، تبرعت فيها إيران بتقديم خدمات جليلة "للشيطان الأكبر"، على أمل أن تحصل منه على مكافأة، لفتة، أو أقله، طي صفحة العداء لنظامها، والتوقف عن محاولات تقويضه.
جاءت المرة الأولى بعد هجمات "11 سبتمبر" في العام 2001، عندما سارعت طهران إلى إدانة الهجمات، وتبرّعت بتقديم خدماتها في "الحرب" الأميركية على الإرهاب. وقد ترجمت طهران هذا التوجه، بتأييدها الغزو الأميركي لأفغانستان، وتقديم أشكال مختلفة من الدعم اللوجستي له، ابتداء بفتح أجوائها أمام الحملة الجوية الأميركية على حركة طالبان، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2001، وصولا إلى تأمين الدعم لقوات تحالف الشمال التي زحفت بالتزامن على كابول للقضاء على حكم "طالبان"، لكن الولايات المتحدة التي استفادت بالجملة من خدمات طهران المجانية لم تلبث أن جعلتها ثالث ثلاثة محور الشر إلى جانب العراق وكوريا الشمالية.
مع ذلك، وعلى الرغم من الإحساس بالخيبة والمرارة من نكران الجميل، عادت طهران إلى عرض خدماتها على الأميركيين، هذه المرة للتخلص من نظام الرئيس صدام حسين، حيث لعبت دورا مركزيا في تسهيل الزحف الأميركي على بغداد، سواء باستخدام نفوذها الكبير لدى القوى والعشائر الموجودة في جنوب العراق، للامتناع عن مقاومة القوى الغازية، أو بتكفلها بتسليح ودفع المعارضة العراقية التي كانت تتخذ من إيران مقرا لها، وفي مقدمتها مليشيا بدر، والتي كانت حينها تتبع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وغيره من قوى معارضة عراقية، لتأدية دور رأس الحربة للقوات الأميركية المتقدمة، فسبقتها إلى بغداد، وقامت بتمثيل مشهد إسقاط تمثال صدام حسين وسط بغداد، وبثّه، بما له من معانٍ عبر التلفزيونات. رد الأميركيون على التعاون الإيراني بتشديد إجراءات الحصار على طهران، واستصدار قرار مجلس الأمن رقم 1929 لعام 2010، والذي فرض حزمة عقوباتٍ شلت الاقتصاد الإيراني، ودفعت به إلى الاستسلام، والقبول أخيرا بتسليم البرنامج النووي.
المناسبة الثالثة التي استخدم فيها الأميركيون إيران، قبل أن يصفعوها من جديد، جاءت مع صعود تنظيم الدولة الإسلامية، ففي 10 يونيو/ حزيران 2014، اهتزت واشنطن على وقع سقوط الموصل، وانهيار الجيش العراقي في محافظة نينوى أمام بضع مئات من عناصر التنظيم الذين استولوا على عربات هامفي الأميركية الحديثة، ومعدات أخرى كانت واشنطن زودت الجيش العراقي بها. ومع انهيار هذا الجيش، وعدم رغبتها في التورط عسكريا من جديد في المنطقة، لم تجد واشنطن بداً من الاستعانة بأذرع إيران في العراق (مليشيا الحشد الشعبي) للتصدي لزحف التنظيم على بغداد. كافأ الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما إيران بالتغاضي عن تمددها في أركان المنطقة الأربعة، وتركها تحتفظ ببرنامجها الصاروخي، لكن أميركا ترامب عادت، بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وتنكّرت لإيران، ناقضة كل ما قدمه لها أوباما، ما بال هؤلاء الأميركيين "الخونة" لا ينفع معهم حسن الصنيع؟