مايوت... جزيرة "فرنسية" منسيّة على حافة الانفجار

16 ابريل 2016
يطالب السكان بأبسط حقوقهم الإنسانية (أورنيلا لامبير/ فرانس برس)
+ الخط -
يعيش سكان إقليم جزيرة مايوت الفرنسي الواقع في المحيط الهندي، منذ نحو أسبوعين، على وقع إضراب عام شلّ الحركة الاقتصادية، بالموازاة مع عمليات شغب وعنف تشنّها عصابات من المهاجرين غير الشرعيين، خصوصاً في العاصمة مامودزو. ويطالب المضربون بمساواة فعليّة بين مايوت والأقاليم الفرنسية الأخرى في ما يخص الخدمات الاجتماعية وقانون العمل. وكانت فرنسا قد وعدت بتطبيق كامل للقوانين الفرنسية في مايوت منذ عام 2011 عندما صارت مايوت بشكل رسمي الإقليم 101. غير أن سلطات باريس تلكّأت في عملية التطبيق، إذ إن قانون العمل الفرنسي مطبّق في الجزيرة بنسبة 25 في المائة فقط. كما أنّ عدد ساعات العمل الأسبوعية في مايوت يبلغ 39، في حين أنه لا يتجاوز 35 ساعة في الأقاليم الفرنسية الأخرى.

كما أن الخدمات الاجتماعية في الجزيرة تبقى أقل بكثير مما هي عليه في فرنسا. ويطالب المحتجون بمساواة ملموسة في ما يخص الإعانة في السكن والتعويض عن البطالة. ومن بين المطالب الأخرى، تحسين البنى التحتية، وبناء المزيد من الطرق والجسور، وتطوير خدمات الماء والكهرباء، وتشييد المزيد من المدارس والمستشفيات. وتعيش مايوت في ظل فوارق طبقية صارخة. فغالبية سكان الجزيرة يعملون بمناصب موظفين صغار في المؤسسات والإدارات التابعة للدولة، وبرواتب هزيلة، في حين أن الفرنسيين يحتلون المناصب العليا ويتمتعون بامتيازات كبيرة. وبحسب إحصاءات رسمية، فإن 60 في المائة من سكان الجزيرة لا تتجاوز أعمارهم 20 عاماً. وتبلغ نسبة البطالة 19 في المائة، كما أنّ أكثر من 30 في المائة من السكان يعيشون تحت عتبة الفقر. كما تعاني الجزيرة من ظاهرة الأميّة بسبب توقف الأطفال عن الدراسة مبكراً لأسباب اقتصادية.

والواقع أن اسم مايوت مقتبس من اسمها العربي جزيرة الموت التي كانت تابعة لحكم سلطنة عُمان، واحتلتها فرنسا لاحقاً عام 1846. وعام 1976، صوّت سكان الجزيرة، وغالبيتهم عرب مسلمون، على البقاء تحت راية السلطة الفرنسية، في حين صوّت سكان الجزر الأخرى على الاستقلال. ومنذ ذلك الحين بدأت فرنسا، تدريجياً، في "فرنسة" القوانين والمؤسسات في الجزيرة ذات الأهمية الاستراتيجية القصوى لفرنسا، لكونها تقع على مقربة من قناة موزمبيق، وهي معبر نفطي أساسي في المحيط الهندي. ولفرنسا قاعدة عسكرية كبيرة في الجزيرة تضم قوات برية، وسفناً حربية، وطائرات مقاتلة، وأجهزة تنصت، ورادارات متطورة تضمن لها حضوراً استراتيجياً في المحيط الهندي.

يشعر سكان الجزيرة بالغُبن ويتّهمون السلطات المركزية الفرنسية بتهميشهم على الرغم من أنهم في غالبيتهم الساحقة لا يتوقون إلى الاستقلال، ويصرّون على بقاء الجزيرة تحت السيطرة الفرنسية. وبالإضافة إلى المطالب الاجتماعية، يواجه سكان مايوت ظاهرة الهجرة غير الشرعية، إذ يتواجد بينهم نحو 100 ألف مهاجر غالبيتهم من القاصرين، فضلاً عن وجود الأمهات الحوامل اللواتي يصلن إلى سواحل مايوت من الجزر المجاورة طمعاً في الحصول على الجنسية الفرنسية. ويعيش هؤلاء في فقر مدقع ويضطرون إلى العيش بالتسوّل، وبعضهم يشكلون عصابات مسلحة تبتز السكان وتسرقهم. ويطالب المحتجون فرنسا بتوفير الأمن، وحراسة سواحل الجزيرة، وطرد المهاجرين القاصرين. وتحاول السلطات الفرنسية الحدّ من هذه الظاهرة. وكانت السلطات الفرنسية قد أبعدت نحو 20 ألف مهاجر عام 2014، لكن موجات القوارب تتواصل حتى الآن وتتطلب إمكانات أمنية ضخمة لم تُتحها السلطات الفرنسية.

وأمام تنامي الحركة الاحتجاجية وأعمال الشغب الموازية، أعلنت الحكومة الفرنسية، الأربعاء الماضي، أنها ستبعث بقوات أمنية إضافية للمساعدة على استتباب الأمن والسيطرة على العصابات التي تستغل الإضراب العام للقيام بأعمال النهب، والسرقة، وترويع السكان.

وكان سكان الجزيرة قد أرسلوا عريضة إلى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وقعّها 1200 شخص يطالبون باتخاذ تدابير عاجلة لمحاربة الهجرة السرية، ووضع حد لنشاط عصابات القاصرين التي تروع السكان. لكن هولاند لم يجب على هذه العريضة وحوّلها إلى وزير الأقاليم الفرنسية في أعالي البحار، جورج بو لونجوفان، والذي اكتفى ببيان أكد فيه أن الحكومة "تتابع عن كثب الأوضاع الأمنية في مايوت، وتدرس الإجراءات اللازمة التي يجب اتخاذها لضمان الأمن".

وكان رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، قد زار مايوت في 13 يونيو/ حزيران الماضي في إطار جولة حول الأقاليم والجزر الفرنسية في أعالي البحار، ووعد حينها بوضع سياسة مُحكمة للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية. وأعلن عن تخصيص 320 مليون يورو للاستثمار في الجزيرة وتعزيز الخدمات الأساسية. غير أن وعود فالس لم تتحقق حتى الآن، ما دفع بالنقابات والأحزاب والجمعيات المدنية إلى الاتفاق حول خوض إضراب عام بدأ منذ 30 مارس/ آذار الماضي، وجعل الجزيرة تعيش حالة شلل تام، كما حدث عام 2011 حين خاضت النقابات إضراباً مماثلاً دام أسابيع عدة من دون تحقيق نتائج ملموسة.