فيما تتجَّه أنظار العالم إلى عدّاد كورونا الذي يحصد يومياً آلاف الإصابات في مختلف بقاع الأرض، وجد سكّان الكوكب، ومعهم اللبنانيون، أنفسهم، مُقحمين قسراً في مواجهة ضروسٍ، ليس مع الفيروس وحده، وإنما مع تبعاته الجغرافية والاجتماعية والسيكولوجية أيضاً. فبعد غلق الحدود، وإيقاف حركة الطيران في أكثر من دولة، أصبح الوضع مُوحّداً لجميع سكّان الأرض، وهو "مكانك قِف". وكأن دول العالم التي لطالما تنازعت على الجغرافيا بالسلاح، أصبحت فجأة جيشاً واحداً لا سلاح في يده سوى "الحجر المنزلي" لمواجهة الوباء العالمي.
هذا بالضبط ما فعله الفنان اللبناني، مايك ماسي، والذي أطلق، أخيرًا، مبادرةً فنية بعنوان "حفلة بالبيجاما"، يطلّ من خلالها على الجمهور المُراوح في المنازل بحفلات حيّة من داخل منزله، يبثّها عبر إحدى صفحاته الرسمية على مواقع التواصل. هكذا اختار الموسيقي المُحترف الذي قدّم طوال عقدين من الزمن الكثير من الأعمال في الكتابة والتلحين والغناء والمسرح، ألا ينهزم أمام مواعيده المشطوبة بفعل كورونا، فاستعاض عن حفلاته الملغاة في أوروبا بمواعيد جديدة، بات يضربها بشكل دوريّ من داخل منزله مع الجمهور الذي راح يوافيه من خلف شاشات الهواتف إلى هذا المسرح الافتراضي، النابِض بالموسيقى الحيّة.
ويشرح، مايك ماسي، في مقابلة خاصة مع "العربي الجديد"، أنَّ الفكرة بدأت من حوار كان يجريه عبر الهاتف مع صديق كان يشكو له من الوضع الراهن الذي يجمّد الحياة الاجتماعية والنشاطات الفنية. فتولدت فكرة كسر العزلة الجسدية بمساحة لقاء افتراضية، لتقديم جرعات من الفن والأمل تساعد الناس على الالتزام بالحجر المنزلي. ويضيف: "هكذا ولدت فكرة (حفلة بالبيجاما)، حتى نشجع الناس على البقاء في البيت. وأنا سميتها (بيجاما) لكي توحي بالحميمية، وبأن الناس يجب أن يبقوا في بيوتهم بمفردهم وفي عزلة في هذه الفترة. وطلبت من أصدقائي الفنانين أن ينضموا إلى هذه المبادرة. وستكون هناك حفلات دائمة تحت عنوان (حفلة بالبيجاما). وإصراري على ذلك هو لكي نجنّب الناس الملل، ونساعدهم على الالتزام بالحجر المنزلي قدر المستطاع".
ويتابع ماسي: "الفكرة نالت أصداء واسعة وتناولتها مواقع إلكترونية عدّة، ووردت في نشرات الأخبار، ليس لأنها فكرة عبقريَّة، بقدر ما هي مبادرة إنسانية لنتشارك في الحزن والفرح ولنبتدع أفكاراً جديدةً رغم كل الصعوبات، لكي نتمكَّن من الاستمرار والمواجهة". ويعترف: "طوال تاريخنا، كان لبنان مبنياً على المبادرات الفريدة، ونحنا مجبورون على أن نكمل بهذه الطريقة إلى أن نبني وطناً. بالطبع أشعر بالإحباط من أمور كثيرة، وأيأس وأتعب مثلي مثل كل الناس، ولكن هناك أوقاتاً لا خيار لدينا سوى التعايش مع الأمور المفروضة علينا. الأغنية لا تحرر ولا تبني أوطاناً، خاصة اليوم. فاليوم المدوّنون والمؤثّرون على منصات التواصل هم أهم من الأغنية بقدرتهم على التأثير في الناس. لأن الأغنية ترتكز إلى العاطفة والانفعال، بينما نحن بحاجة إلى كل شيء في هذا البلد إلا العاطفة. إنه وقت استخدام العقل والمنطق، لذلك دعوا العاطفة جانباً واتركوها للمسارح، ودعونا نبتعد عن التسييس والتجييش والمشاعر المفتعلة والشجيّات لنتخطّى هذه المرحلة. وأمام اليأس والإحباط العام، لا خيار لديَّ سوى الاستمرار بالعمل، لتخطّي المرحلة بأقلِّ أضرارٍ نفسيَّة ممكنة".
ويعمل ماسي حالياً على 11 مشروعاً فنياً بشكل متوازٍ، منها ألبومات، ومنها تعاونات مع فنانين آخرين. ولديه مشاريع أغنيات تخرج قليلاً عن سياق موسيقى البوب التي اعتمدها سابقاً. يمكن القول إنها مشاريع موسيقية، ومن ضمنها تعاونات مع مغنيين ومغنيات أصحاب قيمة فنية وشهرة عالمية. كما أنَّه يحضّر لمجموعة من الأغنيات باللغة الفرنسية، وهناك مشروع عمل مسرحي أيضاً. ولكن بالطبع كل شيء معلَّق حالياً بفعل أزمة كورونا العالمية.
وكان من آخر مشاريع ماسي الفنية التي أبصرت النور في الفترة الأخيرة إصداران بعنوان "طراطور" و"طراطور إكسترا". الأوّل هو عبارة عن عشر أغنيات مسجّلة ومصوّرة من إحدى آخر حفلاته الفنية والتي جرت ضمن "مهرجانات ذوق مكايل الدولية" عام 2018، بينما الثاني يضم خمس أغنيات إضافية ضمن الإطار نفسه. وعن هذا المشروع يقول ماسي الذي شارك أخيراً في حفل جوائز Victoire de la musique الفرنسية العريقة إن الاتجاهات الفنية العالمية تغيّرت بشكل جذري في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، إذْ لم تعد تشهد صناعة الموسيقى عالمياً إنتاجات فردية ضخمة، ما عدا استثناءات قليلة، لذلك أتت فورة الجولات الفنية والألبومات المُسجلة من حفلات حيّة ومباشرة. و"قد فتحت عيوني ورأيت أن مسيرتي الفنية تجاوزت العشرين عامًا، ولم أكن مستوعباً هذا الأمر قبل، بسبب الأحداث الكبرى التي كانت تجري في لبنان والعالم العربي. مرّ عقدان على تسجيلاتي الأولى في الإذاعة، حين كنت في الرابعة عشرة من عمري، وألبومي الأوّل (أنتَ حرّيتي) أبصر النور في عام 2003، أي منذ 17 عاماً. لذلك قررت أن أركز في هذه الفترة على أوروبا وأميركا والعالم العربي إذا سمحت الظروف، وأن أعود لأكرّم الناس بمجموعة أغانٍ مأخوذة من معظم ألبوماتي بحفلة واحدة تم تسجيلها في (مهرجانات ذوق مكايل) وهي كانت الحفلة الأخيرة لي في لبنان في عام 2018، وأحببت أن تصدر Live من الحفلة"، يقول ماسي.