مانويل فالس: اشتراكي بثوب اليمين مرشّحاً لرئاسة فرنسا

05 ديسمبر 2016
طموح الرئاسة لم يفارق فالس (Getty)
+ الخط -

يلوذ مانويل فالس، من جديد، إلى معقله في بلدة إيفري بالضاحية الباريسية، ليعلن من هناك، مساء اليوم الإثنين، ترشحه في الانتخابات الفرعية للحزب الاشتراكي، وعينه على الترشح لرئاسيات 2017. هو طموحٌ قديم لم يفارق فالس، ابن الـ54 عاماً، والمتحدر من أصول إسبانية، وظلّ ينتظر ساعته التي حانت، كما توقع هو، وكما أسرّ لأقرب المقرّبين منه، حين صدر الكتاب الذي أراده فرانسوا هولاند سيرةً ذاتية لرئيس "عادي"؛ فإذا به ينقلب عليه ويصيبه في مقتل.

يعود مانويل فالس إلى معقله إيفري، التي كان عمدتها ونائبها البرلماني فترة طويلة، والتي يتخيّل أنه روّض سكانها، من مسيحيين ويهود ومسلمين، وكان يريدها أكثر "بياضاً" بسبب نسبة السود والعرب المرتفعة، وذلك ما ورد في مقابلة كان يريده خارج التسجيل؛ فإذا بفرنسا كلها تسمعه، ثم حُوكِم في إثره، ولكن القضاء برّأه، بدعوى أنه كان يمارس نوعاً من الفكاهة.

فالس، الذي تأسّف نيكولا ساركوزي، مرة، لأنه لم يستطع أن يجذبه إليه حين انفتح على شخصيات قادمة من اليسار، كبرنار كوشنير وبيسون وفضيلة عمارة، والذي يردد اليمين المتطرف أن بطاقة عضويته في الحزب المتطرف جاهزة لتسليمها له، يملك طموحاً ليس له حدود، ولا يخلو من "انتهازية". ومن أجل تحقيق هذه الطموحات، قرأ جيّداً كتاب "الأمير" لمكيافيللي، ومقولته الشهيرة "الغاية تبرّر الوسيلة". ويمكن للمرء تتبع هذا الطموح عبر محطّات مؤثرة في حياته.

كان فالس من أتباع رئيس الوزراء الأسبق، ميشيل روكار، وتلاميذه، ثم تقرّب من رئيس الحكومة والمرشح الاشتراكي للانتخابات الرئاسية عام 2002، ليونيل جوسبان، ثم انتقل للترشّح في الانتخابات الفرعية للحزب الاشتراكي (لم يحصل على أكثر من 3 في المائة). في أثناء ذلك، ظلّ فالس عضواً فعّالاً في المحفل الماسوني ما بين سنتي 1989 و2005، وهي فترة طويلة صنعت وعْيَهُ السياسي، ومنحته القراءة التي لا يتوقف، للحظة، عن الجهر بها بخصوص العلمانية والجمهورية، ثم أخيراً، أصبح رئيساً للحكومة، بعد أن كان وزيراً للداخلية تحت ولاية فرانسوا هولاند.



وقف رئيس الحكومة السابق تارةً مع الفلسطينيين، وغرس شجرة زيتون تضامناً معهم ومع غزة؛ ثم انقلب وتزوج إسرائيلية، وأعلنها بشكل صريح: "أنا مرتبط بإسرائيل إلى الأبد"، ودأب بعدها على التأكيد على عدم وجود فرق بين انتقاد السياسة الإسرائيلية ومعاداة الصهيونية، ثم حاصر دعاة مقاطعة البضائع الإسرائيلية ونشطاء حركة "بي دي إس". ثم انتقد البوركيني وتضامن مع رؤساء البلديات الذين حظروه، وفي الوقت نفسه، طالب اليهود أن يلبسوا قلنسواتهم بفخر وخيلاء في شوارع فرنسا.

قلّما يمكن رؤية فالس هادئاً. غضبٌ ظهر في كل المعارك التي اشتعلت في ظل ولاية هولاند. فقد كان الأول الذي استخدم تعبير "الفاشية الإسلامية"، على الرغم من طابع المصطلح الاستفزازي، ثم عادى علماء الاجتماع الفرنسيين، الذين انهمكوا في تحليل ظواهر التطرف والإرهاب، حين تجرّأ على الصراخ في وجوههم: "إن التفسير يعني التبرير".

ثم عادى اليسارَ الفرنسي، الذي كان ينتقد الحكومة، قائلاً: "لا يمكن ليَسار الحكومة أن يتصالح، أبداً، مع اليسار الراديكالي". ولم يتوقف عن انتقاد هذا اليسار المعارض، الذي وصفه أنه مترهّل وعاجزٌ عن قراءة الظروف الحالية والمستقبل. ولم يجد حرجاً في تلقّف الخطابات التي تعيب عليه اتّباع سياسة اجتماعية-ليبرالية؛ بل ذهب إلى الإعلان الصريح عن "حبه لرجال الأعمال وللبيزنس"، كما لو أنه يعتذر عن خطاب فرانسوا هولاند الانتخابي، الذي أعلن فيه كراهيته للمال ولرجال الأعمال.

يحتمي فالس في عرينه إيفري، ومن هناك سيبدأ حملته الانتخابية الرامية، في المقام الأول، إلى إقناع ناخبي اليسار الراديكالي إلى أنه أخطأ حين تحدث عن "يسارين فرنسيين لا يلتقيان"، ثم سيحاول، ثانية، أن يدافع عن حصيلته في الحكومة، أي عن إيجابياتها، ولو أن المنطق السليم يقول: "لو كانت فيها إيجابيات تستحق أن يُدافَع عنها؛ لما تخلى فرانسوا هولاند عن الترشح لولاية ثانية".

هل ستكفي حصيلة الحكومة الحالية في تلميع صورة فالس؟ هل يثق، فعلاً، في استطلاعات الرأي التي تمنحه بعض السبق على منافسيه؟ أم هل يتصور أن التشديد على العلمانية، وعلى ضرورة فرض الدولة سلطتها، كافيان لمنحه برنامجاً انتخابياً؟ أم أنه لا يزال يؤمن أن نموذج الحكم الاجتماعي الليبرالي، بما يتضمنه من ائتلاف بين اليمين واليسار (كإيطاليا وألمانيا)، صالح لحكم فرنسا في السنوات الخمس القادمة؟ ولو أن التجربة الإيطالية لصديقه ماتيوبت أصابته بنكسة في اليوم الذي أعلن فيه مانويل فالس ترشّحه.