تؤسس تغريدات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بالعربية لفهم جديد في تعاطي الإليزيه مع المتحدثين بهذه اللغة، الساكنين أولاً في فرنسا من أصول مهاجرة، وللعرب ثانياً كشعوب وجهات رسمية.
وهذا التأسيس يعكس رغبة من رئاسة الجمهورية الفرنسية في انفتاح غير مسبوق للمتكلمين بلغة تشكل جدلاً في البلاد، ويتحسس بعض الفرنسيين منها في حيواتهم اليومية. فلا يزال التحدث بالعربية في محطات المترو أو المتاجر مثيراً للانتباه وبعض الخوف، إذ أن بعض الفرنسيين يربطونها بالفكر المتطرف.
ولا تزال هذه اللغة، على امتداد مستخدميها في المدن الفرنسية، تعكس تساؤلات في الأوساط الفرنسية، خصوصاً بعد إقرارها كلغة أجنبية في المناهج الرسمية إلى جانب لغات بعيدة جداً عن فرنسا، وكان تعليمها مكرساً منذ سنوات كالصينية مثلاً.
وكان هذا القرار الذي اتخذ قبل عام قد شرع باب النقاش الواسع حول "فائدة" هذه اللغة في المناهج. ودفع بعض مستخدمي موقع "يوتيوب" إلى انتقاد الأصوات اليمينية الخائفة من العربية. لكن ما كان يفهم من قرار ماكرون في الموافقة يومها على قرار وزير التربية، ميشيل بلانكيه، بإدخال العربية إلى المدارس الحكومية هدفه غير المباشر اجتثاث دور المساجد والمراكز الدينية في تعليم العربية، باعتبار هذه المراكز "منبتاً" لظهور السلفية الجهادية في فرنسا. وهو ما جعل بعض الصحف الفرنسية تطرح تساؤلات عن هذا القرار، لا سيما أن ماكرون صرح مراراً أن السلفية تجد من خلال دورها في تعليم العربية طريقها لتمرير رسائل تغذي الإرهاب لدى بعض الفرنسيين من أصول عربية ومسلمة. ويعد الهدف من وراء هذه الخطوة أيديولوجياً، وليس تربوياً فحسب.
ويرتبط تغريد ماكرون بالعربية عضوياً بما تحتمله سياسته من محاولات تقارب من العرب، خصوصاً عبر وسائط التواصل الاجتماعي وتفسير وجهات نظر فرنسا ببعض الملفات الشرق أوسطية، كما دوّن في أبريل/نيسان الماضي حول دوما السورية، قائلاً: "السبت 7 أبريل/نيسان 2018 في دوما، وقع عشرات الرجال والنساء والأطفال ضحايا مجزرة بالسلاح الكيميائي. لقد تم اجتياز الخط الأحمر. بالتالي أمرت القوات الفرنسية بالتدخل".
Twitter Post
|
وتعد تغريدته يوم استقباله رئيس الوزراء اللبناني المكلف حالياً، سعد الحريري، واحدة من الأكثر تناقلاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حين رحب بالحريري بعد عودته من الرياض، كاتباً على "تويتر": "أهلا وسهلاً". وفتحت هذه التغريدة على ما يبدو شهية الرئيس الشاب في تكريس هذه اللغة كلغة مخاطبة للبنانيين خصوصاً. وأعاد منذ يومين، بتغريدة أخرى، استخدام العربية فكتب: "تعمل فرنسا على ضمان استقرار لبنان واستقلاله. أجريت محادثات مع رئيس الجمهورية السيد ميشال عون ورئيس الوزراء السيد سعد الحريري، ونأمل تشكيل حكومة لبنانية في أقرب وقت من أجل تعزيز التعاون بين البلدين".
Twitter Post
|
اللافت أن ماكرون يستخدم العربية في مواقف متعلقة بلبنان، أكثر مما يتعلق بشؤون عربية أخرى، إذا ما قورن تغريده في إحدى المرات بخبر حول زيارته الإمارات العربية المتحدة. ولا يمكن تجاهل العلاقة التاريخية التي تربط لبنان وفرنسا ثقافياً وسياسياً، في هذا الاستخدام الذي يدل أيضاً على اهتمام ماكرون شخصياً (كونه يستخدم حسابه الشخصي على تويتر) والرئاسة الفرنسية بتوجيه رسائل إلى اللبنانيين، بمنح العلاقة الديبلوماسية شيئاً من خصوصية لافتة.
Twitter Post
|
هذا الغزل الذي يفهم في السياسة على أنه "تقارب"، لا يعكس مثالاً له ماكرون في زياراته إلى بلاد عربية أخرى. وهو ما دفع البعض إلى كتابة اعتراض أنه يكتب للبنانيين بالعربية، وحين يتعلق الأمر بمحادثات مع رؤساء عرب آخرين، فماكرون لا يدوّن بالعربية.
وأثارت تغريدة ماكرون موجة على مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك من رحب بخطوته معتبراً إياها "انفتاحاً فرنسياً على العرب واللبنانيين". ورد بعض اللبنانيين على ماكرون بالشكر، وكتبت إحدى المغردات: "تقبرني" وهي لفظة تحبب شعبية تستخدم في لبنان.
فيما علق آخر بالسؤال: "أنت رئيس لبنان أم فرنسا؟" في إشارة إلى "الهدف" من استخدام ماكرون للعربية في تغريدته.
وللبعد الثقافي الذي يعتمده ماكرون أثر محسوس، من خلال تفاعل المستخدمين العرب مع تغريداته، خصوصاً الطلاب الذين يدرسون في فرنسا. فهو في توظيف هذه اللغة في تدويناته يعطي لشخصيته ميزة لم تكن موجودة لدى سلفه على الأقل، فرانسوا هولاند الذي لديه ايضاً حسابات على "فيسبوك" و"تويتر".
وتفتح هذه التغريدات باباً للرئيس الذي يواجه ثورة غاضبة في الشارع عبر مجموعات "السترات الصفراء"، ليجد له بعضاً من شعبية يفتقدها على مواقع التواصل الاجتماعي فرنسياً. ومبادرة ماكرون لا يستبعد منها الخيط الخفي من معركته الأيديلوجية مع النادي السياسي التقليدي الفرنسي الذي يتفاخر بعصبيته للغة الفرنسية.
في المحصلة، تعد خطوة ماكرون وتكرارها "ذكية" في السياسة والخطاب الإعلامي ولغة الإنترنت والبروباغندا (الدعاية الإعلامية)، ونجاحه في توظيف بعض من كاريزما، تقابل احياناً بخطوات رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، ستزيد من حظوظه كشخصية سياسية تنفتح على ثقافات الآخرين.